شهادات ومذكرات

علجية عيش: 31 سنة تمر على وفاة مؤرخ القضية الفلسطينية.. مع إميل توما مؤسس صحيفة الإتحاد ومجلة الجديد

eljya ayshتشير العديد من الكتابات أن إميل توما لم يكن مناضلا ثوريا فقط، بل كان أيضا مفكرا ومؤرخا، حيث شارك في صنع التاريخ، والتأريخ له من موقع المثقف الثوري الملتزم، ولم تكن مؤلفاته مجرد سرد للوقائع التاريخية وتسلسلها، بل كانت تشمل تحليلا عميقا ونقدا مبدئيا موضوعيا ورؤية شاملة مع استخلاص العبر والنتائج، لقد أرخ إميل نضال الشعب العربي الفلسطيني منذ بداية الانتداب البريطاني في فلسطين، وظل على هذا المبدأ يناضل قلبا وفكرا إلى غاية وفاته، وقبل وفاته ترك رسالة قال فيها: "لقد أحببت شعبي حبا ملك علي مشاعري وآمنت بأخوّة الشعوب إيمانا عميقا لا تحفّظ فيه"

هو من مواليد حيفا جاء إلى الحياة في 16 مارس 1919 من عائلة حيفاوية فلسطينية، عرفت بالفن، درس في مدرسة صهيون في القدس، وسافر إلى جامعة كيمبريدج في لندن لدراسة القانون، خلال الحرب العالمية الثانية ، ولكن بسبب الثورة أوقف دراسته ورغم ذلك لم تمنعه الظروف من أن يصبح قائدا شعبيا مرموقا ومناضلا ومفكرا، حيث نال شهادة الدكتوراه من جامعة موسكو عام 1968 ، كان إميل يتمتع بشخصية قوية جذابة،  شخصية وطنية وشعبية بارزة، تمتعت باحترام كبير بين الجماهير العربية وفي أوساط يهودية واسعة ، من سماته أنه يحب الإصغاء للناس وسماع أفكارهم وانتقاداتهم، كما عرف إميل توما  بالبساطة والتواضع.

انضم إميل إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني في نهاية 1939، وقام مع رفقاء الدرب في تأسيس نادي شعاع الأمل، كما ساهم إميل ورفاقه في تأسيس "اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب" الذي كان لاحقا النواة لتأسيس مؤتمر العمال العرب، وبمركز الإتحاد أسس إميل توما صحيفة "الاتحاد" وكان فيها عاملا أساسيا ، وبحكم أنه كان رئيس تحريرها، عمل إميل توما على  تنوير الفكر العربي، وتأسيس عصبة التحرر الوطني ، فقد كان صدور "الاتحاد" خطوة كبيرة نحو الأمام قام بها إميل توما ورفاقه ، الذين كانوا يؤمنون بمبادئ الاشتراكية العلمية،  وأرادوا أن تكون "الاتحاد"  وكذلك مجلة "الجديد" قوة إعلامية فكرية تناضل من أجل استقلال فلسطين وإقامة دولة ديمقراطية مستقلة، وتدافع عن مصالح العمال والفلاحين وتنشر الوعي الوطني والاجتماعي في جماهير الشعب.

فقد قدم إميل توما كمحرر لـ "الاتحاد" ومجلة "الجديد" إسهاما كبيرا في الدفاع عن الهوية الفلسطينية والتمسك بها، وعن الثقافة العربية في مرحلة حاولت فيها السلطة الحاكمة وأبواقها طمس الهوية العربية والثقافة العربية ونشر العدمية القومية، كما لعبت صحيفة "الاتحاد" و"الجديد" دورا هاما في هذا المجال،  وفي نمو كوكبة من الشعراء والكتاب الوطنيين الذين ابتعدوا عن كل تعصب قومي، وكانوا يعبرون في نثرهم وشعرهم عن مشاعر شعبهم وهمومه وآماله، لم يكن إميل يناضل سياسيا فقط بل سخر قلمه للتعبير عن هموم وطنه، حيث راح يكتب ويؤلف ليشخص الداء،  ويكشف جرائم إسرائيل ، وقد رأت العصبة في كتاباته خطوة هامة نحو بناء الحركة الوطنية على أسس شعبية ديمقراطية، غير أن المشروع لم يلق قبول الجامعة العربية التي لم يرق لها قيام قيادة شعبية ديمقراطية للشعب الفلسطيني،  ورأى النقاد ورجال السياسة أن  تدخل الجامعة العربية في شؤون الشعب العربي الفلسطيني في الفترة ما بين 1947 و1948  جرده من حقه في القرار المستقل بخصوص نضاله ومستقبله، وكانت النتيجة  إبعاد جماهير الشعب العربي الفلسطيني عن القيام بدورهم الطبيعي في تقرير مصيرهم والدفاع عن وطنهم وكيانهم،  ولذا أقسم الرفاق على التصدي لكل محاولة إخضاع الحركة الوطنية الفلسطينية ، وكان لإميل توما موقف صارم من قضية تقسيم فلسطين عندما نوقشت المسألة في اللجنة المركزية لعصبة التحرر الوطني وأبدى إميل توما رأيه معارضا لقرار التقسيم، ومتمسكا بالحل الذي كانت تطرحه العصبة بإقامة دولة ديمقراطية واحدة في كل فلسطين العرب واليهود على السواء.

هذا الموقف أدى به إلى الاعتقال، حيث قضى ما يقرب عن 03 أشهر في معسكر للاعتقال في بعلبك ، ومنذ ذلك الوقت أصبح إميل توما  مؤرخ القضية الفلسطينية، تشير الكتابات أن إميل توما  لم يكن مناضلا ثوريا فقط، بل كان أيضا مفكرا ومؤرخا، حيث شارك في صنع التاريخ،  والتأريخ له من موقع   المثقف الثوري الملتزم، ولم تكن مؤلفاته مجرد سرد للوقائع التاريخية وتسلسلها، بل كانت تشمل تحليلا عميقا ونقدا مبدئيا موضوعيا ورؤية شاملة مع استخلاص العبر والنتائج، وطرح إميل توما في مؤلفاته الحل الذي يجبر إسرائيل على الانسحاب من كافة المناطق التي احتلتها عام 67 وإقامة الدولة الفلسطينية في هذه المناطق – الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمة هذه الدولة القدس الشرقية، وحق اللاجئين في العودة .

من ثمار نضالاته  أنه أنشأ معهدا  للأبحاث السياسية والاجتماعية في حيفا، سمي على اسمه، كما أصدر عدة كتب منها الأعمال الكاملة وعددها 14 مؤلفا، ومؤلفه مسيرة الشعوب العربية الحديث، الذي سجل تاريخ مسيرة الشعوب العربية منذ بدء الاحتلال العثماني للأقطار العربية والنضالات ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي، وبالإضافة إلى هذا الرصيد الفكري،  خصص إميل توما مؤلفات خاصة حول القضية الفلسطينية، من بينها  "جذور القضية الفلسطينية"، " 60 عاما على الحركة القومية العربية الفلسطينية"، "منظمة التحرير الفلسطينية"، "الحركة القومية العربية والقضية الفلسطينية"، أرخ فيها إميل نضال الشعب العربي الفلسطيني منذ بداية الانتداب البريطاني في فلسطين، وظل إميل على هذا المبدأ يناضل قلبا وفكرا إلى غاية وفاته عام 1985 ، وقبل وفاته رسالة قال فيها: " لقد أحببت شعبي حبا ملك علي مشاعري وآمنت بأخوّة الشعوب إيمانا عميقا لا تحفّظ فيه".

 

قراءة علجية عيش بتصرف

 

في المثقف اليوم