شهادات ومذكرات

أيامٌ من القلق!! (1)

صادق السامرائيهذا كتاب، عبارة عن يوميات سطرتها منذ اليوم الثاني من آب عام ألف وتسعمئة وتسعين حتى إنتهاء الأزمة أو القصف الذي تواصل على العراق.

وما فيه تصوير لما جرى وما تداولته وسائل الإعلام لا غير، مع بعض الإرهاصات والتداعيات والوصف الإنساني لما يعتلج في أعماق الناس.

وقد عدت إلى هذا الكتاب بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، فوجدت ربما من المناسب أن أنشره، لأنه يوثق فترة عصيبة من أيام العرب عموما والعراق خصوصا، ويستشرف ما آلت إليه الأحوال.

                                                  (1)

لم أنم ليلة 2\8\1990، لا أدري لماذا...؟

كتبت رسالة لأحد الأصدقاء في الغربة ...أحرقت ساعات الليل في أرق وقلق مع الورق، وعندما جاء الصباح تأكد قلقي...كان قلقا غير واضح، لكن معالمه الحقيقية إتضحت في الصباح الذي إنفجرت فيه أرض الخليج...!!

صباح يوم الخميس 2\8\1990 كنت في سيارتي أستمع للمذياع كعادتي كل صباح، لكن ما ينبعث منه كان مفعما برائحة الحرب...!!

ماذا جرى؟

لست أدري!!

أناشيد للموت والفداء ...ضجرت مما أسمع فأغلقت المذياع وواصلت المسير بسيارتي إلى المستشفى.

ركنت السيارة ومضيت بهدوء إلى قاعة المحاضرات، لكنني عطفت نحو السكرتيرة لأسألها بعض الأسئلة، فوجدتها شاحبة الوجه ملتصقة بالمذياع، والصوت يهدر منه ببلاغات عسكرية!!

قالت: أ لم تسمع؟!!

قلت: ماذا؟!!

قالت: إنقلاب في الكويت، والجيش العراقي قد دخل مدينة الكويت وأحكم السيطرة عليها!!

قلت بفزع: ماذا..؟!!

قالت: إنقلاب....!!

قلت: يا إلهي إنها الحرب ثانية...إنها الحرب...؟!!!

كان المذياع يعلن إعادة تشكيل خمسة عشر فرقة عسكرية وأربعة أخرى جديدة إضافة إلى إعادة تشكيلات الجيش الشعبي وتقسيم العراق إلى خمس مناطق لقيادات الجيش الشعبي...!!

لقد صعقني ما سمعت، ولا أدري كيف حملت رأسي الذي أصبح أثقل من جبل ... وجلست في قاعة المحاضرات جثة لا تتفاعل مع ما يقوله المحاضر عن علم الإنسان والأعراق البشرية، وكيفيات إدراك السلوك البشري...!!

عدت بعدها إلى البيت والقلق يأكل كل خلية في جسمي... فهناك نداء للإلتحاق بالخدمة العسكرية ولابد من الإستعداد لذلك...!!

ماذا يحصل؟!!

تنهض في الصباح معبّئا بالأحلام وتريد أن تنجز الكثير وإذا بك تصاب بشلل كامل...!!

لماذا هذا الإجراء...؟!!

لقد سمعنا منذ يوم 17\7\1990 بأن هناك مشكلة بين العراق والكويت، العراق يدّعي أن الحكومة الكويتية قد تطاولت على أراضيه وحقوقه النفطية، بل وسرقت نفطه، وأنها لم تساعده في حربه مع إيران منذ 1982، وهي الآن تطالبه بما قدمته إذ تعتبره دينا ولا بد من تسديد الديون.

وقال العراق بأن الكويت تقوم بتنفيذ مخطط إمبريالي لتحطيم الإقتصاد العراقي، وذلك بالإشتراك مع دولة الإمارات، وبأن الدولتين قد أغرقتا السوق بالنفط مما جعل سعر البرميل الواحد يتدنى إلى (11) دولار، ويُقال أن الكويت باعت برميل النفط بسبعة دولارات، وهي تنتج أكثر من حصتها المخصصة لها مما تسبب بزيادة العرض وهبوط الأسعار، وهذا الهبوط يؤذي إقتصاد الدول المصدرة للنفط.

ومنذ ذلك اليوم وقادة الدول العربية في تفاعل لتحجيم الأزمة وإيجاد حل يرضي الطرفين، وقد توهمنا بأن الرئيس المصري حسني مبارك بعد زيارته للبلدين قد توصل إلى خطوة متقدمة في مسيرة حلها، حيث إستطاع أن يقنع الأطراف بالإجتماع في جدة، وعلى مستوى نواب الرؤوساء.

وقد تم إرجاء الإجتماع ليومين، وحسب ما إدّعى العراق بأن الكويت هي السبب في ذلك، لكن الإجتماع حصل ليلة الخميس وبحضور الملك فهد بين سعد العبدالله وعزة إبراهيم، وقد ظهر من صور التلفاز أن سعد العبدالله قد تجاهل الأمور وضحك بإستخفاف غريب، وقد صرح سعدون حمادي الذي حضر الإجتماع بأن الجانب الكويتي لم يتفهم الموقف وتجاهل أمور الحوار، وإدّعى أن لا مشكلة بين الطرفين، وكل ما أثير هو محض إدّعاء، ولا يُعرف كيف لسعد العبدالله أن لا يعي حقيقة الطرف المقابل، ولم يستوعب الوعيد الواضح الصريح في خطاب 17\7\1990، إذ كان مباشرا، ولا يُعرف بأية قوة كان يتبجح، أ هي القوة الغربية أم الخليجية أم ماذا؟!!

ويُقال أنه تطاول بشدة ووقاحة على نائب رئيس الجمهورية،وتناقلت الأخبار ما تناقلته بهذا الخصوص، لكن لا يمكن إثبات صحة ما حصل إذ لم يصرّح بتفاصيل محضر الإجتماع أي من الأطراف.

وكانت مذكرة وزير خارجية العراق إلى الأمين العام للجامعة العربية واضحة جدا ودقيقة، وفيها أرقاما تؤكد مدى خسارة الكويت والعراق بسبب هذه السياسة الإقتصادية لحكومة الكويت.

يوم الخميس...لا أحد يدري سوى أن إنقلابا قد حصل في الكويت وهناك حكومة حرة مؤقتة، أذاعت البيان الأول الذي أوضحت فيه خطوط حركتها القادمة، وأشارت إلى أنها طلبت العون من العراق للحفاظ على الأمن وحماية الثورة من أي تدخل خارجي...!!

ما هو مصير الحكومة الكويتية؟

لا أحد يدري، لكن الأمر إتضح فيما بعد، بأنها قد هربت إلى السعودية في ذلك الليل البهيم؟!

مضى يوم الخميس ولا جديد سوى أن إنقلابا قد حصل والجيش العراقي دخل الكويت التي طلبت المساعدة، والعراق يساند هذه الحكومة، وبأن الكويت والعراق شعب واحد ومصير واحد...!!.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم