شهادات ومذكرات

أيامٌ من القلق..!! (5)

صادق السامرائيهذا الخميس يختلف عن سابقه عندما زلزلت الأرض، وفوجئنا بإنتهاء دولة الكويت وإنتقال حكومتها إلى المنفى، فاليوم هادئ رغم أن الوحدة الإندماجية قد أعلنت مساء البارحة، وكانت ردود الأفعال باردة...

لقد أصبحت قضية الكويت في طي النسيان كما توحي أجهزة الإعلام الغربية، في حين أن العالم قلق على السعودية، ويدّعي أن العراق سيجتاحها لأنه يحشد قوات تزيد عن القوات اللازمة لإحتلال دولة صغيرة كالكويت...ويبدو أن العراق لم يتحسب جيدا لمثل هذه اللعبة لأن رده يوحي بذلك...

الحكام العرب يرتجفون والكراسي ترتعش تحتهم، وهم لا يعرفون ما سيفعلون بل يتخبطون ...وبعد أقل من أربعة ساعات سيجتمعون في القاهرة...إنها فرصتهم الأخيرة للوصول إلى حل لتطويق الأزمة...ولا يمكن القول بأنهم سيعلنون شيئا إيجابيا على الإطلاق، فهم في حالة إنفعال وذهول وعدم القدرة على إستيعاب حقيقة ما يجري...وسيدفعون بإجتماعهم الأمور إلى بركان السعير، لأنهم يجهلون الرد الصحيح فما حصل يتجاوز طاقتهم...وسيتدحرج الوجود العربي إلى مزالق خطيرة وإحتراقات مريرة...

العراق يرى أن سلسلة إنقلابات ستحصل في الدول العربية، وبأنه مؤهل لقلب أنظمة حكم عديدة لقوة تنظيماته فيها، ولأن الشعب العربي معه ...

القادة العرب سيجتمعون، سيقررون، سينقسمون، وسينتحرون، بل سيذبحون الأمة ويقتلون طموحاتها في لحظة لقائهم وإقتتالهم...إنها حقيقة مرة وصوت يهدف للقضاء على قوتها وإقتدارها...

الرئيس المصري حسني مبارك منفعل وخائف...ويتكلم بإندفاع ويُحذر بشدة من الخطر الآتي من كل صوب...إنه ينادي بأن الأمة تمضي إلى طريق الدمار الشامل، وهيا يا عرب إلى العقل والحكمة...

لقد أحرق العراق العرب...لا أستطيع تفسير تصرف العراق...لقد حذرت حكام الكويت بأن الموضوع ليس قضية حدود وحسب، لكنهم لم يدركوا ما أعني...

إن المنطقة مقبلة على إنفجار مدمر وما هي إلا ساعات وستنقلب الدنيا...أيها العرب...

وها هم العرب أخذوا يتوافدون إليه لكي لا يفعلوا شيئا ...وخير لهم أن لا يجتمعوا لكي لا يمنحوا الآخرين حقا شرعيا لنحر الوجود العربي، والإمساك بالإرادة العربية التي يريدون التنازل عنها...وهنا يكمن أصل المأساة الآتية...

المواطن العراقي مترع بالخوف ولا يدري كيف يعبر عن مشاعره، وهو يرفض إذلال أخيه في الكويت، رغم أنه يلعن حكام الكويت ويدينهم...ويعتقد أن لهم دور في تصعيد الموقف وإيصال الحال إلى ما هو عليه...إذ لو كانوا حكماء وعقلاء لتداركوا الموقف بأموالهم، ولقدّروا النوايا وأجزلوا العطاء للعراق للحد الذي يسدون أمامه كل منفذ يتسلل من خلاله إليهم...ولأسهموا ببنائه بدلا من هذه الورطة التي ستكلفهم أضعاف أضعاف أموال حلها دون حرب...

الساعات الثمانية والأربعون القادمة حاسمة وقد تؤدي إلى إنفجار هائل سيتطور ليشمل العالم بأسره، وقد لا يحدث شيئ على الإطلاق...لكن العراق لا بد له أن يدفع الثمن...لا بد من ذلك...فكيف له أن يلغي دولة كاملة من خارطة الأرض ويضمها إليه...إنها حالة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية لا يمكن أن يسمح بها العالم بكل مؤسساته الدولية...

يبدو أن الأحداث الخطيرة قد بدأت الآن وأن الحياة ستكون صرخات من الجحيم...وستغدو الشمس حارقة جدا...إنها ساعات معبّأة بالقلق...لكن الإعلام العراقي لا يابه...فالعراق الجديد من زاخو إلى البحر...

مؤتمر القمة العربي تم تأجيله إلى الغد...

تركيا تقوم بتحركات عسكرية على الحدود العراقية التي طولها مئة وثلاثون كيلومترا...

شوارع بغداد خالية...إنها تذكّر بالأيام الأولى من الحرب مع إيران...حينما أصبحت الشوارع تخلو من الشباب وتزدحم بالمواطنين المصريين الوافدين للعمل...وتغيب عنها فعاليات الشباب وتعبيراتهم عن البهجة والحياة...إنه القلق والترقب والإبتعاد، فالأجواء تستحضر الموت والإكتئاب ونزيف الدم...

آه..ألا يتوقف نزيف الدم العراقي!!!

الحرب على بُعد ساعات..المواجهة مع القوى العالمية على وشك الإنفجار...ولا يزال الحكام العرب في حالة عدم القدرة على لم الشمل وإتخاذ الموقف المتفق مع التطورات الجديدة...

السعودية تستنجد بالقوات الأمريكية والإنكليزية...

إبتدأ الحديث عن الضربة الأولى ومَن سيكون سيدها....

القوى الكبرى تحشد قوات ضاربة...والإعلام العالمي يؤلب ويسوغ ويبرر ويساند العمل على محق العراق...

الأمر في غاية الخطورة...وربما سيكون كل العراق ثمنا...أو يكون الشعب العراقي بأسره هو الثمن الباهض من جراء هذه الخطوة المزلقة...

الأيام المعبأة بالمخاطر ستأتي وستقرر نتيجة هذا التصرف الهائل الأبعاد...

العراق في وضع صعب فالحصار الإقتصادي الشامل قد فرض عليه، وهو أول حصار في تأريخ العالم بهذا الحجم والقسوة والتكاتف الدولي الغير معهود...فالموقف الذي وصلنا إليه لا نُحسد عليه...ولا يُعرف إن كنا قادرين على المواجهة...فهناك الكثير من التساؤلات والإحتمالات...

الإعلام العراقي يرى أن المواجهة المسلحة مع القوى الكبرى ستكلفها الكثير من الخسائر، وستسقط إداراتها أو حكوماتها ولن تحقق هدفا يُذكر...

العراق يريد أن يكون ذكيا في مواجهة الإقتدار الجوي العالمي الذي سيدمر قدراته... وعليه أن لا يزج بقواته العسكرية، وهو محاصر، في مغامرات تجلب نتائج مدمرة وقاسية على البلد...

إن تبجح العراق بإقتداره الجوي فأنه سيتحطم ويستحيل إلى مأساة... فهذه قوى ذات قدرات فائقة وخبرات متراكمة...فكيف يمكن مواجهة قدرات الدنيا بأسرها...

هل أنها خطوة لإرجاع العراق إلى ما وراء الوراء البعيد...هذا السؤال يحلق في آفاق الرؤية الذكية وقد يكون ما يجري كذلك...لأن هذا المدخل لا يحتمل في جميع الحسابات إلا إنتحار القوات وتدمير الإقتدار العسكري والخبرة القتالية المكتسبة من حرب الثمان سنوات بمعاركها الضروس...إحتمال برغم مرارته لكنه قائم ويبدو واضحا للعيان...وقد يكون هو الأساس في كل ما جرى وسيجري...؟؟

إن الأيام القادمة ستؤكده لوضوح دلالات المخطط الذكي الذي سيضرب آمال العرب وطموحاتهم وينفذ إليهم من خلال ما يريدونه...

أشك حتى فيما أقول فلا يُعرف أين الحقيقة...أمامنا مسرحية بشخوصها، ولكن مَن الذي يعمل خلف الكواليس...مَن...؟؟!!

لم يتعظ أصحاب القرار من مرارة الحرب وقساوة أيامها ورائحة الموت التي لا تزال تزكم أنوفنا وتؤلم قلوبنا...وكأنها أخذت بنا إلى منازلات لا نحصد منها غير الآلام والدموع والدماء...

وها هي رائحة الموت تنبعث من جديد....

الدم إبتدأ يتدفق من العروق...وقوافل الشهداء تواصلت من جديد...ولا عرس سوى عرس الموت....هذا العرس الذي هو أعظم وسيلة لتدويخ الناس وتحويلهم إلى عبيد....

التلفزيون العراقي يعرض ما يلغي تأريخ العائلة الحاكمة في الكويت ويؤكد عراقيتها وبأن الإنكليز إجتزؤها منه....

هل من السهل في العقد الأخير من القرن العشرين إلغاء دولة قائمة منذ عقود وضمها إلى دولة أخرى ..إنها لمغامرة ذات ثمن باهض وشديد....

سننزف الكويت من عروقنا كما نزفنا التأميم منها...!!!

إن ما جرى إندفاع مجرد من الحسابات العقلانية والتقدير العلمي، وهو إنتحار جماعي أكيد لن يأتي إلا بالويلات والإضطرابات والإنهيارات، التي لا تنفع سوى الأعداء وتحقق لهم أعظم الأهداف التي ما حلموا بها...فالأمة تُذبح من الوريد إلى الوريد وتسكب طاقاتها في رمال العدم والهلاك المروع....!!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم