شهادات ومذكرات

أيامٌ من القلق .. !! (6)

صادق السامرائي10\8\1990

الليل بهيم أسود ثقيل والصباح صامت متوجس ..

لا جديد ..

الدقائق تترقب والقلوب تخفق بهلع والأرواح تكاد تتقافز من الأجسام لأنها ستُزهق عاجلا ..

صمت حزين وقلق يأكل الأعصاب ويسرق إيقاع النوم، ويعرقل توازن الأشياء في مسيرتها نحو المجهول ..

الشعب هو الذي سيعطي وسيضحي ويقاسي ويموت .. لأنه الوسيلة لتحقيق الغايات .. بل هو المطية السهلة لتجسيد إرادات مَن يقوده إلى حيث يريد ..

وتبقى الشعوب تتدحرج وتُساق إلى حتفها وتلك حقيقة مروعة وقاسية، وفيها من الإستلاب المطلق ما لا يصدقه العقل المتنور .. فالقوة قد طفحت في كف سلطان .. !!

الإعلام يشوبه بعض الهدوء، لكن الجميع يعمل بصمت ويحاول تفجير الموقف .. إنهم صامتون لكنهم سينفجرون في أية لحظة وسيدمرون ..

إن المنطقة على فوهة بركان .. .مَن سيرمي أولى حممه ..

أعصاب العراق مؤهلة للإنفلات فهم يعزفون عليها ألحانهم ببراعة ومهارة فائقة ..

الإعلام العراقي يقول أن الشعب العربي في عدد من الدول العربية قد وقف مع العراق، لكن الحكومات العربية في خندق مناهض للعراق .. .بل أنه يهذي بأن الشعب العربي سيقلب الحكومات ويمضي نحو قيام دولة الوحدة .. . إنه الإضطراب والتخبط بعينه .. فما حصل لا يعدو كونه فعل إنعكاسي لم يُحسب بدقة متناهية .. فهكذا تبدو الحالة وإن قيل بغيرها ..

المواطنون في حيرة وقلق وخوف من الآتيات، أحزانهم تأكلهم، ويقولون بأن دموع الحرب لم تجف بعد ومآسيها لا تزال قائمة .. فالأسرى في مكانهم والأيتام كُثر فهل نريد أن نصنع أجيالا من الأيتام .. ؟

ويعتقدون بأننا نمضي في دروب الهلاك ولا مبرر لهلاكنا .. ويفسرون ما حصل بأساليب متعددة يسكنها الرفض والغضب .. لكنهم لا يستطيعون التعبير عن رفضهم بطريقة علنية، إنما يتهامسون سرا ..

طبول الحروب لا تهدأ فهي تتوالد والشعب مرهون بالقتال ولا مهنة عنده سوى القتال .. ولا راحة ولا إطمئنان .. ولا بد لعاصفة الموت أن تستمر ولمسيرة الدم أن لا تتوقف، لكي تبقى القبضة على أشدها .. فزج الناس في الحروب أسهل الأساليب لإستعبادهم والسيطرة عليهم ..

العراق بركان يتفجر وحممه تتعاظم وأوّار نيرانه يشتد، وصارت مساحته لا تكفي حمم موته وعلى الساحة من حوله أن تكون ميدانا جديدا لنحره ولإحتواء عطاء البركان .. وقد تكاتفت قدرات الأرض لسد فوهته أو ردمه إلى الأبد ..

الحكومة الكويتية لم تتعامل بسياسة حكيمة وبعد نظر وتحسّب وحذر ولم تأخذ الأمور على محمل الجد، وما رأتها أبعد مما بدت عليه وعملت على تفاديها وإيجاد مخارج نافعة منها .. وكأنها قد أسهمت في إنزلاق العراق إلى هذه الورطة العربية الفاجعة ..

ولو تحسبوا وإستنجدوا وتحذروا ودقوا نواقيس الخطر وغير ذلك من الوسائل والإجراءات، ربما ما حصل الذي حصل .. .

سيخسر العراق كثيرا وإرادة الكويت ستكون في قبضة الآخرين .. فلا بد من قواعد عسكرية لحمايتها مستقبلا .. فخروج العراق منها لابد منه لأن الدنيا كلها تريد ذلك ..

الخوف يُفقد الناس الصدق ويلقي بهم في حضيض النفاق المدمر .. .

مجلس الأمن يطالب العراق بالإنسحاب من الكويت ويقول بأن قراره بضمها يُعد لاغيا ولا مبرر قانوني يسانده، والعراق يقول أنه قرار لا رجعة عنه وهو في سياق توحيد الأمة ..

الرئيس الكوبي يحث العرب على عدم إتباع إرادة الدول الكبرى .. وأن موقف العرب فيه خطأ كبير جدا .. إذ عليهم أن يجيدوا مهارات حل الأزمات مهما عظمت ..

الإعلام العراقي يقول أن أربعين الف أردني قد تطوعوا إلى جانب العراق، وهناك ضغط جماهيري على الحكومة الأردنية لإلتزام موقف العراق ..

إسرائيل جربت البارحة صاروخا للحماية من الصواريخ إنه صاروخ تقاطع، وقد جاء ذلك بعد تهديد العراق من غبة الإستراك في هجوم عليه ..

بعض المحليلين يقولون بأنها من الممكن أن تشترك بقوات برية تمر عبر الأردن لمواجهة القوات العراقية على الحدود السعودية لكنه إحتمال ضعيف ..

الإعلام العراقي يشير إلى أن العرب في الخارج وفي اليمن وتونس والجزائر وليبيا وفلسطين والأردن قد خرجوا بتظاهرات مؤيدة للعراق .. .

شوارع بغداد هادئة وخالية من الشباب .. وتكثر فيها النساء والأمهات وأمّارات الحزن والخوف على وجوههن .. أما وجوه الرجال فهي في ترقب وتوجس فلا يعرفون إلى أي مصار ستؤول الأحداث ..

العالم كله يتآز ضد العراق .. والحكام العرب سيكونون حتما على العراق ..

الحرب العراقية الإيرانية إستمرت لثمان سنوات .. فهل ستتواصل هذه الحرب إن حصلت أضعاف تلك المدة .. ؟

هل أن المنطقة مرشحة لحرب نووية .. فالعراق يهدد بأسلحة قد تجلب عليه الضربات النووية .. وقد يكون مصيرنا أفظع من مصير الدول المنهزمة في الحرب العالمية الثانية .. فالعراق يعطي أدلة ومبررات على أنه أصبح يهدد الأمن والسلم العالمي .. ولا بد لدول العالم أن تتجمع للقضاء عليه .. وهي على ما يبدو جادة في الموضوع وسيكون الأمر في غاية الخطورة .. أو سيتحول العراق إلى دولة مهزومة مهانة ستُفرض عليها أقسى الشروط وأذلها .. إنها منازلة النهاية والدمار الذاتي .. فهل ستكون الأيام القادمة كذلك .. ؟

قد يكون الكلام متشائما، لكنه لسان حال واقع الأحداث ونتائجها التي تلوح في الأفق ..

إن الآتيات ستعيد العرب سنين طويلة للوراء البعيد، وستجعل الإرادة العربية مكبلة ومقبوض عليها من قبل القوى الكبرى وسيكون العرب كالرهائن .. وتغدو الأمة فريسة سهلة في قبضة الدول المتكاتفة ضدها .. وستحقق هذه القوى مشاريعها وستبقى الأمة مستلبة مضامة .. لأن قادتها لا يعرفون طريق الكرامة والعمل الجماعي ورص الصفوف ..

ربما عُقد مؤتمر القمة العربي والحكام العرب كعادتهم سيعبرون عن ذهولهم وصدمتهم وإنصياعهم للآخرين .. .

والقوى الأخرى تحشد قواتها بسرعة الطيور الجارحة المنقضة على فريسة وبكثافة متنامية، لتحقيق الحلم الذي صار أقرب من حبل الوريد .. إنهم يريدون توجيه ضربة قاسية للعراق لا يمكنه بعدها أن يتمكن من النهوض، وسيتم دفنه بجراحه وويلاته ومشاكله الداخلية المتفاقمة، والتي سيدفع الشعب ثمنها باهضا جدا ..

الحصار الإقتصادي يشتد والخزين لن يكفي طويلا والناس في قلق من عدم توفر المواد الغذائية ..

الموقف يزداد تأزما والحكام العرب قد فوضوا القوى الأجنبية لضرب العراق والمشاركة بضربه معهم ..

650 مليار دولار رؤوس الأموال العربية في البنوك الأجنبية وهي مشاعة للتحضير لضرب العراق .. .

تم تجميد مئتي مليار دولار من الأموال أو مصادرتها ..

الرئيس العراقي وفي الساعة السابعة مساءً يوجه نداءً إلى المسلمين لتحرير أرض السعودية من القوات الأجنبية ..

يصورون القوة العراقية بأنها لا تُقهر ويمكنها أن تجتاح أي الدول المجاورة، وأن حلف الأطلسي سيدافع عن تركيا إذا تعرضت لهجوم عراقي .. إنهم يهولون قوة العراق لتبرير ضربه بأعنف ما يمكن ..

أللهم أخرجنا من هذه المحنة بسلام .. .

كيف يحارب العراق العالم كله .. ؟!!

العراق بإعلامه التعبوي يصدح بهذيانات لا يقبلها أي منطق، فالمعادلة واضحة والنتيجة بينة ..

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم