شهادات ومذكرات

سفراء من خريجي قسم اللغة الروسية: د. غالب عبد حسين التميمي

ضياء نافعكان يمكن لعنوان مقالتنا هذه ان يكون ايضا – (عراقيون مرّوا بموسكو)، اي ضمن سلسلة مقالاتنا عن العراقيين الذين درسوا في الجامعات الروسية، ولكننا ارتأينا ان يكون العنوان مرتبطا بقسم اللغة الروسية في جامعة بغداد (بيتنا الحبيب، والذي عملت فيه 35 سنة باكملها!)، وذلك للتأكيد، على ان هذا القسم هو البوابة التي قد (واؤكد على قد) تؤدي للدراسة اللاحقة في تلك الجامعات، وقد (واقصد ربما) تؤدي ايضا الى تلك النتائج الباهرة، رغم انه يجب الاشارة هنا رأسا، ان منصب السفير في العراق هو منصب سياسي بحت قبل كل شئ وبعد كل شئ وبغض النظر عن اي اختصاص، ولكن.. مع ذلك .. مع ذلك ..مع ذلك..، كما يقول الشاعر الروسي السوفيتي تفاردوفسكي في احدى قصائده المشهورة عن الحرب بترجمة الراحل الكبير د. ابو بكر يوسف ...

السفراء حسب التسلسل الزمني لتعينهم هم – د. غالب عبد حسين التميمي ، ثم، المرحوم د. عباس خلف كنفذ، ثم، د. فلاح عبد الحسن عبد السادة . غالب و عباس كانا طالبين في فرع اللغة الروسية بقسم اللغات الاوربية في كلية الاداب بجامعة بغداد، و فلاح كان طالبا في قسم اللغة الروسية في كلية اللغات، بعد اعادتها (الى الحياة!) من جديد عام 1987 .

د. غالب كان سفيرا للعراق في أذربيجان، وهو أول تعيين له كسفير، وكان آخر سفير هناك قبل الاحتلال الامريكي عام 2003 وسقوط نظام صدام، والمرحوم د. عباس كان سفيرا للعراق في روسيا، وهو ايضا اول تعيين له كسفير، وكان آخر سفيرهناك قبل احداث عام 2003 تلك ، أما د . فلاح، فقد اصبح سفيرا للعراق بعد عام 2003، في صربيا اولا، وهو الان سفير العراق في الهند . لقد أشرنا في بداية مقالتنا هذه، ان منصب السفير هو منصب سياسي بحت، وبالتالي، فان هؤلاء الخريجيين أصبحوا سفراء نتيجة لمواقفهم ومواقعهم السياسية طبعا، ولكننا نكتب مقالتنا هذه للتاريخ اولا، و ثانيا، استمرارا لمحاولة تسجيل تاريخ قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد ومسيرته منذ تأسيسه عام 1958، وتسجيل مصائر خريجيه طبعا تعد مسألة حيوية في تاريخ هذا القسم، وكم اتمنى ان أرى يوما ما قائمة شاملة تضم اسماء كل خريجيه (او معظمهم في الاقل) ومصائرهم ومناصبهم وطبيعة اعمالهم بعد تخرجهم، وهو عمل ارشيفي كبير يقتضي جهودا جماعية منسقة بلا شك، وهو كذلك جزء حيوي لا يتجزأ من تاريخ العراق المعاصر طبعا . مقالتنا هذه تتوقف عند اول سفير في هذه السلسلة وهو- د. غالب عبد حسين التميمي، ونأمل العودة الى الاسماء الاخرى لاحقا.

 د. غالب . كان أحد مسؤولي الاتحاد الوطني لطلبة العراق في كلية الاداب في السبعينات، والاتحاد هذا كان خاضعا كليّا لحزب البعث الحاكم آنذاك، ولهذا، فان غالب كان طبعا ضمن اعضاء ذلك الحزب، و كما يقول المثل العالمي، يمكن معرفة جوهر الانسان عندما يكون لديه المال او السلطة . كان غالب نموذ جا للانسان المؤدب والخلوق، خصوصا تجاهنا نحن اساتذته، وقد كنا نشعر بذلك، ولهذا اصبحت العلاقات معه واسعة جدا، وبعد انهاء دراسته في فرع اللغة الروسية، سافر الى الاتحاد السوفيتي لاكمال دراسته، وحصل على الدكتوراه في اللغة الروسية من جامعة مينسك في جمهورية بيلوروسيا السوفيتية، وقد التقينا بمشرفته العلمية مرة في احدى المؤتمرات العلمية في موسكو، وكانت راضية عنه علميا واخلاقيا لدرجة انها شكرتنا، وقالت انه عكس لنا طبيعة اخلاق العراقيين الراقية، وكذلك مستوى تدريس اللغة الروسية في جامعة بغداد، وقد شعرنا آنذاك بالفخر عندما كنّا نستمع اليها . عمل د. غالب في قسمنا بعد حصوله على الدكتوراة لفترة قصيرة ثم انتقل الى الخارجية (لانه اصطدم برئيس القسم المتزمت والمتهور، والذي كان رأس البعثيين آنذاك)، وعندما كنا نسافر الى موسكو صيفا، كان هو موظفا في سفارتنا هناك، وكان يستقبلنا بحفاوة متناهية وكرم حاتمي ويقدمنا للحميع على اننا اساتذته . لقد كان د. غالب انسانا بسيطا ونقيّا و صادقا وعراقيّا اصيلا و محبوبا من قبل الجميع ومحترما من قبل الجميع منذ ان كان طالبا في القسم، وهكذا بقي دائما، اذ ان تربيته العائلية واخلاقه الراقية تغلبت على حزبيته في كل تصرفاته الحياتية و علاقاته مع الآخرين، وهي ظاهرة نادرة جدا بين صفوف البعثيين . د. غالب الان متقاعد و يسكن في بغداد مع زوجته واولاده في بيته المتواضع، ويعيش بانعزال عن المجتمع ومشاغله ومشاكله، ولكنه يسير برأس مرفوع، لأنه يحصد ما زرعه في مسيرة حياته النظيفة.

 

 ا.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم