شهادات ومذكرات

صحافيون عراقيون من خريجي الجامعات الروسية (2)

ضياء نافعاستلمت ردود فعل كثيرة حول مقالتي الاولى عن الصحافيين العراقيين من خريجي الجامعات الروسية، ومن بينها، ان كلية الصحافة لا يمكن ان تخلق الصحافيين، لان الصحافة موهبة مثل بقية المهن الابداعية، وهي ملاحظة دقيقة وصحيحة جدا من وجهة نظري، ولم نتحدث عن ذلك في مقالتنا، وانما ذكرنا مجموعة (من خريجي كلية الصحافة) برزت في صحافة العراق بعد عودتها الى الوطن. هذه الملاحظة ذكرتني بقول كنت غالبا ما اسمعه من بعض العراقيين حولي عندما كنّا طلبة في موسكو، وخلاصة هذا القول، ان كلية الصحافة هي مكان الذين لا مهنة لهم، ويستشهدون بان كل صحافيو العراق الكبار ليسوا من خريجي كلية الصحافة، بل ان أحدهم  قال لي مرة، انه حتى شهادة الدكتوراه التي يستلمها خريج تلك الكلية في روسيا تشير، الى ان حاملها هو – (كانديدات العلوم الفيلولوجية، اي دكتوراه فلسفة في علوم اللغات وآدابها )، ويستنتجون من ذلك، انه لا توجد (علوم صحافية  بحتة) يمكن ان يدرسها طلاب تلك الكلية، ولو كانت موجودة لأشاروا اليها في الشهادة الجامعية. وقد وجدت مثل هذه المفاهيم في العراق ايضا، اذ غالبا ما كنت اسمع، ان الطلبة في كلية الصحافة والاعلام هم (بلا مهنة)، وان الصحافة الحقيقية لا تحتاج الى هذه الاعداد من الخريجين، وانها تنتظر الموهوبين منهم فقط . ان هذه الآراء طبعا تتعارض مع الواقع العلمي، اذ ان اي موهبة (خصوصا في عصرنا) تحتاج الى المعرفة وصقلها والتعمق بها، والا فانها تضيع في خضم الحياة ( وما أكثر المواهب التي ضاعت  في مجتمعاتنا العربية !)،  وان كلية الصحافة باقسامها الاعلامية المتشعبة – ضرورية جدا مثل بقية فروع الدراسات الفنيّة الاخرى مثل الفن التشكيلي (الرسم والنحت) والموسيقى والفنون المسرحية والسينمائية  بفروعها المتشعبة والخ...، شريطة ان يتم القبول في تلك الدراسات كافة (بما فيها الصحافة) حسب تعليمات محددة وامتحانات خاصة تختبر مبادئ الموهبة في مراحلها الاولية لدى الراغبين بالالتحاق فيها، ولا مجال هنا للتوسع اكثر .

ومن جملة ردود الفغل على مقالنتا تلك ما قاله لي البعض، بان الاسماء غير كاملة، وذكروا مثلا اسم الدكتور خليل عبد العزيز، الذي انهى الدراسات الاولية والعليا في كلية الصحافة بجامعة موسكو، وأجبتهم، انني حددت في مقالتي اسماء هؤلاء الذين عملوا في صحافة العراق حصرا، وانني كتبت عن د. خليل ونشاطه الاعلامي المتميّز عدة مقالات ، وقد كرر د. خليل عبد العزيز نشر بعض تلك المقالات  في كتابه الموسوعي الموسوم – (محطات من حياتي)، وان مسيرة هذا الرجل ونشاطه الاعلامي المتنوع  تستحق دراسة واسعة ومعمقة بلا شك، وقد أعود الى الكتابة عنه لاحقا . وذكر البعض الآخر لي اسم  الزميل كامران قره داغي، الذي برز – كما هو معروف - في صحافة العراق وبشكل متميّز فعلا، وانني لم أشر اليه في مقالتي تلك، فقلت لهم اني اؤيد – وبحرارة - كل ما تقولون عنه . ان كامران صحافي موهوب واصبح  فعلا واحدا من الصحافيين البارزين في العراق بين خريجي الجامعات الروسية، ولكنه لم يتخرّج في كلية الصحافة، وانما هو خريج كلية الفيلولوجيا (اللغات وآدابها) في جامعة لينينغراد (بطرسبورغ حاليا)، وبالتالي، فانه النموذج الذي يثبت ان مهنة الصحافة هي مهنة ابداعية يبرز فيها الموهوبون بغض النظر عن شهاداتهم، علما اني كتبت ايضا عن نشاط كامران  الابداعي عدة مقالات . وجاء اسم الزميل سلام مسافر بين التعليقات حول مقالتنا، وأشاروا الى انه اصبح صحافيا عالميّا الآن، وانه – في أجواء عالميته وشهرته – لازال يحمل راية هموم وطنه الام – العراق، فقلت لهم، ان سلام مسافرقد اضطر ان يهرب من عراق البعث عندما كان صحافيا معروفا بجريدة الجمهورية البغدادية في سبعينيات القرن العشرين، عندما اراد النظام الصدامي ان (يؤدلج!) الاعلام العراقي  (جاء اسم سلام مسافر مع مجموعة بارزة من الصحافيين العراقيين الذين نقلوهم من جريدة الجمهورية آنذاك الى اماكن لا علاقة لها بعملهم الصحفي)، وان سلام مسافر قد تخرّج في كلية الصحافة بجامعة بغداد وليس خريج كلية الصحافة الروسية، اي انه كان صحافيا عراقيا معروفا قبل وصوله الى موسكو، وانه استمر بنشاطه الصحافي رأسا بعد وصوله اليها، وكلنا نتذكر انه كان مندوبا نشيطا جدا لاذاعة مونتي كارلو من موسكو لسنوات طويلة .

اضطررت الى تكريس هذه الحلقة من مقالتنا حول الصحافيين من خريجي الجامعات الروسية الى ردود الفعل هذه، واتمنى العودة قريبا الى اكمال الحديث عن الاسماء التي أشرنا اليها في الحلقة الاولى، اذ اننا تحدثنا عندها فقط عن جلال الماشطة، ولم نتناول بقية الاسماء، وهم - سعود الناصري وسلوى زكو ومحمد عارف...

 

أ. د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم