شهادات ومذكرات

عبد الحي قابيل .. الأستاذ والمفكر الخِلُوق

محمود محمد علي

بالأمس رحل عن دنيانا الأستاذ الدكتور عبد الحى محمد قابيل (أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بكلية الآداب جامعة أسيوط بجمهورية مصر العربية).. أما والله أن ترحل قامة علمية مثل هذا الرجل العظيم، دون كلمة رثاء فى الإعلام المصري والعربي، فتلك علامة من علامات التردي، ودليل من أدلة الرداءة والعشوائية، فقد كان الدكتور عبد الحي قابيل من أولئك الرجال الذين يعيشون وفق ما يكتبون، ويظهرون ما يضمرون، ويعلمون بما يؤمنون، ولذلك أقول أي الكلمات لديها القدرة أن ترثى مفكراً وكاتباً بالغ الصدق والنبل والنقاء مثل الدكتور عبد الحي قابيل؟!.. أي الكلمات لديها القدرة؟!.. فالذين يتسمون بالصدق والنبل في مهنة الفلسفة قليلون، وقد ازدادوا برحيله قلة!.. لا أظن أنه من قبيل المبالغة أن أقول إنه من أكثر الذين قدر لي أن أعرفهم من أساتذة الفلسفة بعداً عن المداهنة أو المتاجرة بالمهنة لحساب أية سلطة من السلطات بما في ذلك سلطة الرأي العام ذاته الذى كثيراً ما يغازله بعض الكتاب على حساب الحقيقة الموضوعية!.

والحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون هي أنني قد شرفت بأن تعلمت علي يديه في الفرقة الثانية بقسم الفلسفة بجامعة أسيوط (فرع سوهاج سابقا) بجمهورية مصر العربية، إذ كان سيادته يقوم بتدريس مادة "علم الكلام"، ضمن مقررات الفلسفة الإسلامية، وهو أستاذ قدير، وباحث متميز، وعالم جليل.. كان نموذجاً لأستاذ الجامعة المعاصر في فكره، الفلاح في تقاليده، وفياً لانتمائه، مجسداً لهويته.

كانت محاضراته تتميز بالإلقاء التلقائي، فلم يكن إلقاؤه علمياً جافاً، بل كان يبدع في عرض الفكرة بما أوتي من قدرة علي فهم السياق، وضرب المثل، والاستشهاد بمواقف الحياة، لم يكن حديثه تجريداً متسماً بالغموض أو البعد عن الواقع، بل كان مرتبطاً بالمواقف التدريسية الحية التي يدرك المستمع في ضوئها دلالة ما يقول، ولم يكن يقرأ محاضراته من ورقة، بل كان يلقيها بشكل تلقائي مسلسلاً مرتَب الأفكار، واضح العبارات، منهجياً في تناول قضاياه، وقد عُرف عن الدكتور عبد الحي قابيل الانضباط الدقيق بمواعيد المحاضرات، فما عهدنا تخلف عن محاضرة واحدة، ولا تأخر عنها، ولو لدقيقة ؛ بل كان في بعض الأحيان يدخل إلي المدرج، أو القاعة ويجلس علي مقعده، حتي يحضر معظم الطلاب؛ وهذا بلا شك دليل علي حرصه الشديد علي الاستفادة من كل دقيقة لإفادة طلابه.

علاوة علي أنه يعد قامة، وقيمة علمية، وأخلاقية كبيرة، على المستوى العلمي، والمستوى الشخصي أيضاً، لأنه دائما ً كان يمد يد العون، لمن يعرف، ولمن لا يعرف صغيراً وكبيراً؛ كما يتميز بدماثة الخلق، وحسن المعاملة مع أصدقائه وزملائه فى العمل، وأنه كان يسعى دائماً إلى تحقيق هدف سامى ونبيل، وهو جبر الخواطر، وأن يجمع بين الصدقة الجارية، والعلم الذى ينتفع به، والولد الصالح الذى يدعو له، إيماناً منه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكم هو شاق علي النفس موقف التأبين!.. فيه تتدافع مشاعر الحزن وخواطر الفكر.. وقد يحتدم تدافعُها حتي تستعلي مشاعر الحزن، فإذا بكلمة التأبين تغدو رثاءً باكياً.. أو تستعلي خواطر الفكر أو تغدو بحثاً جافياً !.. ولا يملك ناصية التوازن بين الشعور والفكر في هذا الموقف، إلا أُولو العزم من رجال البيان!.. وهيهات هيهات.. أن تقوي العزائم في مواقف التأبين !

وتزداد المشقة علي النفس حين يكون التأبين لرجل من رجال العلم أو الفكر مثل الدكتور عبد الحي قابيل.. فهنا تنهض أمام المؤبن صحائف صور لمن يؤبنه.. عليه أن يستجليها.. ليجلوها للقارئين والسامعين !.. وتزداد المشقة حتي تبلغ أقصاها.. حين يكون المؤُبن تلميذاً لمن يؤبنه من هذه الصفوة.. حيث تكون فجيعته فادحة.. وحيث يحاول بعينيه الدامعتين أن يستجلي تلك الصور والصحائف.. فيشق عليه أن يجلوها حق جلائها للقارئين والسامعين!..

وها أنا ذا أواجه الآن هذا الموقف علي مسمع ومرأي من قرائي.. فالدكتور عبد الحي قابيل ممن جمعني وإياهم طلب وحب العلم.. وفجيعتي فيه ما زالت تغُاديني وتُراوحني باللوعة والشجن، وبذكريات تتراحمُ علي نفسي وخاطري.. فلا تدع لي فسحة كافية صافية لإحسان البيان.. في موقف يعز فيه كل بيان.. والدكتور عبد الحي قابيل من صفوة الرجال الذين يعتصرون حياتهم علماً وعملاً للوصول بها إلي أسمي الغايات.. فقد منحه الله طُلعة.. تواقة عملاقة.. ضاق عنها جسده الواهن العليل.. وناء باحتمال تطلعاتها الجياشة.. وصدق المتنبي؛ حيث يقول: إذا كانت النفوس كباراً.. تعبت في مُرادها الأجسام.. وقد ظل الدكتور عبد الحي قابيل في مكابدة ومصابرة مع نفسه الوثابة الغلابة .. في نزوعها الدائم للوصول إلي آفاق جديدة في محراب التفلسف.. حتي تضعضع بدنه، وتكاثرت عليه العلل ؛ فضمر وذوي، ثم انطوي.. وهو ما زال في زهرة شيخوخته، ووفرة عطائه.

إنني في هذا الموقف أجدني غير قادر علي أن أتحدث كثيراً.. أتحدث الآن وأنا أشعر بأن روح الأستاذ الدكتور عبد الحي قابيل معنا.. صحيح أنه رحل بجسده الذي أضناه عمل شاق استمر حوالي ثمانين عاماً يكابد فيها الحياة حلوها ومرها، ويعيش فيها أحزان الوطن ونجاحاته وانتصاراته وانتكاساته، ويتألم كما يتألم المصريون، ويحلم ويبعث الأحلام في أعماقنا نحن طلابه الذين نلتف حوله.. في حين أنه لم يكن أستاذ جامعي ربي أجيال لسنوات طويلة، ولكنه معلم، وكلمة المعلم هنا هي مهمة الأنبياء والرسل، فقد عاش مفكراً، ورحل معلماً، ولم يسعي إلي منصب، ولم يسعي إلي مال، وقد كانت حياته كتاباً مفتوحاً أمامنا جميعاً.. كان صاحب كلمة !!

ونبذة مختصرة عن الأستاذ الدكتور عبد الحي قابيل نجده أنه من مواليد قرية الجلاوية بمحافطة سوهاج في الثاني من شهر يناير عام أربعين وتسعمائة بعد الألف الميلادية (1940م)، وتدرج في التعليم العام حتي التحق بقسم الدراسات الفلسفية والنفسية من جامعة القاهرة، تدرج في حياته العلمية حتي نال العديد من الشهادات المحلية، فحصل علي ليسانس الفلسفة عام 1962 م، ثم الماجستير في فى العقيدة من قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة 1969 م وبعد ذلك حصل علي الدكتوراه في فلسفة الأخلاق الإسلامية من قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة 1978 م .

تدرج الدكتور عبد الحي قابيل في السلك الجامعي فعين عضو فنى بقسم الاتصالات الخارجية بوزارة التعليم العالى اعتباراً من 25 / 12/ 1963 م ثم رئيساً لقسم بالإدارة العامة للمجالس العليا للكليات والمعاهد العالية بوزارة التعليم العالى اعتباراً من 29/ 10/ 1970 م، ثم محاضراً بقسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة الرياض (الملك سعود حالياً) بالمملكة العربية السعودية من العام 1974 م وحتى نهاية عام 1976 م، ثم مدرس مساعد بقسم الفلسفة بكلية الآداب بسوهاج – جامعة أسيوط بتاريخ 16/ 8/ 1976 م، ثم مدرساً بقسم الفلسفة بكلية الآداب بسوهاج- جامعة أسيوط بتاريخ 13/ 8/ 1978 م، ثم مشرفاً علَى قسم الفلسفة بكلية الآداب بسوهاج – جامعة أسيوط بتاريخ 27/ 1/ 1979 م، ثم أستاذ مساعد ( مدرس ) بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية فى العام الدراسى 1982 م، ثم مدرس بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا بتاريخ 28/ 11/ 1982 م، ثم أستاذاً مساعداً بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا بتاريخ 29/ 6/ 1986 م، ثم قائماً بعمل رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب – جامعة المنيا بتاريخ 26/ 7/ 1986 م، ثم أستاذاً مشاركاً بقسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة الملك فيصل بالأحساء بالمملكة العربية السعودية اعتباراً من العام الدراسي 1989 م وحتى نهاية العام الدراسي 1993 م، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا اعتباراً من 24/ 12/ 1997 م، ثم رئيساً قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا اعتباراً من 27/ 4/ 1997 م، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة أسيوط اعتباراً من 20/ 7/ 1997 م، وكيل كلية الآداب جامعة أسيوط للدراسات العليا والبحوث اعتباراً من 3/ 8/ 1997 م، ثم رئيساً مجلس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة أسيوط اعتباراً من 1/ 1/ 1998 م، ثم أستاذاً متفرغاً اعتباراً من 22/ 1/ 2000 م..

من مؤلفاته من الكتب نذكر مثلاً: المذاهب الأخلاقية فى الإسلام، دار نشر الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة 1984م، أبو المعين النسقى وآراؤه الكلامية (مخطوط لم ينشر بعد – رسالة ماجستير)، والتمهيد فى أصول الدين لأبى المعين النسقى، تحقيق ودراسة – دار نشر الثقافة للنشر والتوزيع، والشيعة- دراسة نقديه دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة 1985م، والمعتزلة – أنصار الاتجاه العقلى، دار نشر الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة 1985م، والأباضية وآراؤهم الكلامية، دار نهضه الشرق، القاهرة 1995م، والمسالك فى الخلافيات بين الحكماء والمتكلمين لشيخ زاده- تقديم وتحقيق ودراسة – دار الهداية القاهرة 1996م، وفى التصوف الإسلامي نشأته وتطوره، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر بالإسكندرية، 2013م..

علاوة علي الكثير من البحوث مثل: فى الأصول الفلسفية للتربية الإسلامية – مجلة كلية الآداب – جامعة المنيا عدد يناير 1995م، والأخلاق عند العقاد مجلة كلية الآداب – جامعة المنيا عدد أبريل 1995م، والجنيد والتوحيد الإرادي عند الصوفية (ضمن: الكتاب التذكاري للدكتور أبو الوفا التفتازانى) دار الهداية القاهرة 1995م، مقالات تفرقه حول " القيم الإسلامية"، والاتجاه العقلي عند الأستاذ الإمام محمد عبده ضمن مؤتمر الإمام محمد عبده مفكراً ورائداً للاستنارة 12- 14 يوليو 1997م..وغير ذلك منشورة بمجلة" النشرة الإعلامية التى تصدرها جامعة الملك فيصل بالمملكة العربية السعودية – ومجلة "صوت سوهاج " وغيرها.

وعلي المستوي الاجتماعي كان الدكتور عبد الحي رحمه الله متزوجاً وله ابنان وبنت واحدة: لؤي ورامي وأروي.. أما مجلسه فغاية في الاحترام الذي لا يخلو أحياناً من تبسط، ولكنه لا يشجع الثرثارين والمتفيقهين، ويستبعد تماماً النمامين والوشاة.. توفي الدكتور عبد الحي في الساعة السادسة من مساء اليوم الأول من عيد الفطر المبارك، الموافق الخامس والعشرين من شهر مايو لعام 2020م..

أما عن أخلاق الدكتور عبد الحي قابيل، فلا أملك إلا أن أستعير تلك الكلمات التي قالها أحد تلامذة الأستاذ الدكتور سيد البحراوي في حفل تأبينه بجامعة القاهرة ( أنظر حفل تأبين الأستاذ الدكتور سيد البحراوي علي اليوتيوب)؛ فأقولها كما هي في حق الدكتور عبد الحي: كان رحمه الله بسيط الكف، رحب الصدر، موطئ الأكناف، سهل الخلق، كريم الطباع، غيثاً مغيثاً، وبحراً ذخوراً، ضحوك السن، بشير الوجه، بادي القبول غير عبوس، يستقبلك بطلاقة ويحيك ببشر، ويستدبرك بكرم غيب وجميل سر، تُبهجك طلاقته ويرضيك بشره، رياناً من العقل، راجح الحلم، ثاقب الرأي، طيب الخلق، مُحصن الطبيعة، معطاء غير سائل، كاسي من كل مكرمة، عاري من كل ملامة، إن سُئل بذل، وإن قال فعل، الجميل لديه معتاد، والفضل منه مبدوء ومعاد، هو ملح الأرض وعمارتها، يصل ببشره قبل أن يصل ببره، وهو بحر من العلم ممدود بسبعة أبحر.. العلم حشو ثيابه.. والأدب ملئ إهابه، هو شخص الأدب ماثلاً، ولسان العلم قائلاً..

كان الدكتور عبد الحي قابيل ينطبق عليه نفس ما قيل في حق الأستاذ الدكتور سيد البحراوي الذي قال عنه أحد تلاميذه: كان رحمه الله ذا مرة حصيف العقل.. قوي الذات.. ذا فراسة قلما تخطئ.. عالماً بطبائع الخلق.. يعطي كل واحداً قدر استحقاقه.. فكان يري بنور الله.. يري بعين عقله مالا يري بعين رأسه.. يري بأول رأييه آخر الأمر.. وكان أعقل من أن يُخدع وأفضل من أن يخِدع.. لم يكن بالخَدب ولا الخِدب يخدعه.. وكان عاصماً لمن حوله من الخطأ والذلل.. وليس هو بالمعصوم، ولكن لم نرَ في معناه مثله قط.. كان متبوعاً غير تابع.. كأنه عَلِِِم في رأسه نار.. هو عالم بتصاريف الأيام.. نافذ في مجال التحصيل والتمييز.. له همة علي جناحها إلي عنان السماء.. وامتد صباحها من شرق إلي غرب.. لا يتعاظمه إشراف الأمر إذا أخطره بفكره.. همته أبعد من مناط الفرقد... وأعلي من منكب الجوزاء.. قد جد واجتهد.. وشمر عن ساق الجدِ ما أطاق.. قد ركب الصعب والذلول.. وهو فرد دهره وشمس عصره ونسيج وحده.. كان في قوم هو صدرهم وبدرهم ومن عليه يدور أمرهم.. كأنما فلك هو قطبه.. وجسد هو قلبه.. حليم إذا ما الحلم زين أهله مع الحلم في وجه العدو مهيب.. من رآه بديهة هابه.. ومن خالطه معرفة أحبه.. لم يزل بيننا محموداً حتي آتانا خبر رحيله.. فرحل عنا كما عهدناه محمودا.. كان خبراً عَز علي النفوس مسمعه.. وأثر في القلوب موقعه.. وما كان موته موت واحداًَ ولكن بنيان قوم تهدما.. فما أعظمه مفقوداً وما أكرمه ملحوداً.. لقد رزقنا من الدكتور عبد الحي قابيل عالماً في شخص وأمة في نفس.. مضي والمحاسن تبكيه والمناقب تُعزي فيه.. العيون لما قرت به اسخنها فيه ريب المنُون.. ولما شُرحت به الصدور قضبها بفقده المقدور.. لو وُقي من الموت في زماننا عزيز قوم لعزته أو كبير بأولاده وأسرته..

لكن الدكتور عبد الحي قابيل ينطبق عليه حقا نفس ما قيل في حق الأستاذ الدكتور سيد البحراوي الذي نعاه أحد تلاميذه بأنه: أحق من وُقي وأولي من فُودي.. ولكن هو الدهر لا يُعجب من طوارقه ولا من ينكر هجوم بوائقه.. كان الشاعر يقصده حين قال: ردوا علي بياني بعد محمودي.. إني عييت وأعيا الشعر مجهودي.. لبيك يا مؤنس الموتي وموحشنا.. يا فارس العلم والهيجاء والجودي.. لقد نزحت عن الدنيا كما نزحت عنها لياليك من بيض ومن سود.. تجري السلاسة في أثناء منطقه تحت الفصاحة جري الماء في العود.. إن هُد ركنك منكوباً فقد رفعت لك الفضيلة ركنا غير مهدود .. لو أنصفوا أو دعوه من جوف لؤلؤة من كنز حكمته لا جوف أخدودي.. وكفنوه بدرج من صحائفه أو واضح من قميص الصبح مقدودي.. وأنزلوه بأفق من مطالعه فوق الكواكب لا تحت الجلاميد.. وناشدوا الشمس أن تنعي تحت محاسنه للشرق والغرب والأمصار والبيدِ.. أقول للملاء الغادي بموكبه والناس ما بين مكبود ومفقود.. غضوا العيون فإن الروح يصحبكم.. مع الملائكة تكريماً لمقصود..

عبد الحي قابيل إني لأستحييك مثل الأستاذ الدكتور سيد البحراوي الذي نعاه تلاميذه بقولهم: في كلمي حياً وميتاً وإن أبدعت تقصيدي.. فأعذر مديحي وأعذر فيك قائله كلاهما بين مضعوف ومحدود.. أو كما قال القائل.. لله درك كنت من رجلاً.. لو أمهلتك غوائل الأجل.. جم المحامد غير متهم.. جم التواضع غير مبتذل.. يا دولة الأخلاق غافلة من عالم في أبهج الحلل.. يا مرسل الأمثال يضربها.. قد عز بعدك مرسل المثل.. يا عارض الآراء صائبتاً.. يرمي بهن مقاتل الخطر.. شغلتك عن دنياك أربعة والمرء من دنياه في شُغل.. حق تناصره ومفخرة تمشي إليها غير منتحل.. وحقائق للعلم تنشدها.. ما للحكيم بهن من قبل.. وفضيلة أعيت سواك فلم تمدد إليه يد ولم يصل.. اللهم لا تحرمنا من خير ما عندك لشد ما عندنا، وإن لم تتقبل تعبنا ونصبنا، فلا تحرمنا أجر المصاب علي مصيبته، ولا تفتنا بعده واغفر اللهم لنا وله.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم