شهادات ومذكرات

مرفت عزت بالي.. فيلسوفة مصرية من الزمن الجميل

محمود محمد عليهناك افتراض خاطئ في مضمونه يقول بأن تاريخ الفلسفة افتقر لأصوات نسوية استطعن أن يخترقن القلاع الفكرية المشيّدة بإحكام من قبل الوعي الذكوري المتغطرس، بل تكاد تخلو القواميس المعرّفة بالفلاسفة من أسماء فيلسوفات سجّلن حضورهن على نحو متشظّي عبر محطات تاريخ الفلسفة. وقد تهاطلت العديد من الأسئلة اللاّسعة على هذا الإقصاء المتعمّد، إن لم نقل الممنهج للمرأة في أن تكون وجه آخر للمعرفة الممكنة حول قضايا أنطولوجية وأخلاقية ومعرفية تمّس الإنسان، هذا الكائن ذو الطبيعة المزدوجة.

وقد يعود ذلك إلى ''الصورة التي رسمها أرسطو'' للمرأة،، وأثر ذلك على التراث العربي- الإسلامي، إذ وجدنا بكيفية أو أخرى الإمام أبو حامد الغزالي يعرض بعض الحقائق الاجتماعية السائدة التي تحط من قيمة المرأة وقدرها، مستنداً إلى أحاديث متواترة يصعب الأخذ بصحة معظمها، ولذلك سنحاول في هذا المقال بيان خطأ هذا الافتراض، من خلال عرض دور الأستاذة الدكتورة مرفت عزت بالي (أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة حلوان بجمهورية مصر العربية) في نشر الفكر الإشراقي الإسلامي في مصر والعالم العربي، ثم الرد على الدعوى – غير العلمية – بأن المرآه لا تمتلك القدرة على التفكير العقلاني والتي يستدل بهذا الافتراض الخاطئ.

والدكتورة مرفت عزت بالى من مواليد محافظة القاهرة عام 1953؛ حيث حصلت ليسانس الآداب من قسم الفلسفة – كلية الآداب- جامعة القاهرة بتقدير "جيد جداً" عام 1975، ثم بعد ذلك علي درجة الماجستير من قسم الفلسفة – كلية الآداب- جامعة القاهرة 1982 في موضوع بعنوان " النزعة الصوفية فى فلسفة أفلوطين "، ثم حصلت علي درجة الدكتوراه من قسم الفلسفة - كلية الآداب- جامعة القاهرة 1989 في وضوع بعنوان " الإتجاه الإشراقى فى مشكلتى المعرفة والألوهية عند ابن سينا " .

والحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون وهي أن الدكتور مرفت بالي واحدة من كبار الرواد في دراسة الفلسفة الإسلامية بمصر والعالم العربي، وقد استطاعت من تلك  البحوث والمؤلفات أن تنقل البحث في الفلسفة الإسلامية من مجرد التعريف العام بها، أو الحديث الخطابي عنها – إلي مستوي دراسته دراستها دراسة موضوعية، تحليلية – مقارنة . وقد كانت والحق يقال أنها في هذا كانت صارمة إلي أبعد حد: فالنص الفلسفي لديها هو مادة التحليل الأولي، ومضمونه هو أساس التقييم بالنسبة لها .

وحول الوظائف الإدارية التي نالتها الدكتور مرفت بالي داخل الجامعة، فقد عُينت سيادتها معيدة بكلية الآداب، جامعة الزقازيق 1976، ثم مدرس مساعد بكلية الآداب، جامعة الزقازيق 1982، ثم مدرس بكلية الآداب، جامعة الزقازيق 1989، ثم أستاذ مساعد بكلية الآداب، جامعة الزقازيق 1993، ثم أستاذ بكلية الآداب، جامعة حلوان فى مارس 1999، قم أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة حلوان من 1999- 2004، ثم وكيل كلية الآداب لشئون التعليم والطلاب – جامعة حلوان لمدة ثلاث سنوات من 3/10/2004 وحتى 2/10/2007، ثم رئيساً لقسم الفلسفة بآداب حلوان لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من 18/10/2007 وحتى 17/10/2010، ثم فاحص في اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين الدورة رقم (9) (2004 - 2007)، والدورة رقم (11) (2013 - 2015)، ثم رئيس لجنة معادلة المقررات الدراسية – الأمريكية والإنجليزية – بوزارة التعليم العالي عامي (2011-2012)، ثم عضو اللجان العلمية لتقييم المشروعات المقدمة في برامج التعاون العلمي الخاصة بإتفاقات والبروتوكولات بوزارة التعليم العالي في نوفمبر 2013، ثم رئيس لجنة التكافل الإجتماعى بكلية الآداب، جامعة حلوان من (2004 - 2007)، ثم رائد لجنة الأسر الطلابية بكلية الآداب، جامعة حلوان من (2005 – 2007)، ثم عضو الجمعية المصرية للإتحادات الطلابية (2007-2008)، ثم عضو الجمعية الفلسفية المصرية، ثم عضو مجلس خبراء مشروع تنمية القدرات الإنتاجية والإبداعية لطلاب المدن الجامعية بجامعة حلوان، ثم عضو مجلس خبراء مشروع توظيف الطاقات التكنولوجية والمعرفية بجامعة حلوان، ثم رئيس لجنة الإرشاد الأكاديمى والدعم الطلابى بوحدة ضمان الجودة بآداب حلوان عام 2010، ثم عضو لجنة حكماء كلية الآداب جامعة حلوان عام 2013، ثم عضو اتحاد كتاب مصر اعتباراً من فبراير 2015 م، ثم عضو اللجنة العلمية الدائمة للفلسفة للترقية لوظائف (الأساتذة والأساتذة المساعدين) الدورة الثانية عشرة (2016-2019) – المجلس الأعلي للجامعات.

وحول الكتب المؤلفة التي نشرتها فنذكر منها :أفلوطين والنزعة الصوفية فى فلسفته، القاهرة- مكتبة الأنجلو المصرية 1991م، ونماذج من مذاهب الفرق الإسلامية تحليلاً ونقداً،القاهرة- مكتبة الأنجلو المصرية 1991م، والاتجاه الإشراقي فى فلسفة ابن سينا دار الجيل، بيروت ط1 1994، ومن قضايا الفكر الفلسفى والعلمي عند العرب "مذاهب وشخصيات"، القاهرة الهيئة العامة للكتاب 1997، والتنوير بين ابن رشد والإمام محمد عبده، القاهرة 2010، وفي الفكر العربي المعاصر قضايا وأعلام، القاهرة 2014، والفلسفة الإسلامية في المشرق العربي، مكتب النجاح، القاهرة 2019.

وأما فيما يخص بحوثها المنشورة ودراساتها المنشورة في مجلات علمية وشاركت بها فى مؤتمرات أو ندوات علمية فنذكر منها: أهمية اللغة والفكر فى حياتنا الثقافية عند زكى نجيب محمود بحث نُشر فى مجلة كلية الآداب جامعة  الزقازيق 1996، ومنهج الشيخ مصطفى عبد الرازق فى دراسة الفلسفة الإسلامية بين النظرية والتطبيق ندوة الشيخ مصطفى عبد الرازق، المجلس الأعلى للثقافة، فبراير 1997، والإتجاه الإصلاحى فى الفكر الدينى عند الإمام محمد عبده مؤتمر الإمام محمد عبده، المجلس الأعلى للثقافة، يوليو 1997، والمنظور الإسلامى لعلاقة الإنسان بالطبيعة عند فلاسفة المشرق العربى دراسة نقدية. شاركت بها فى المؤتمر الدولى الفلسفى الأول وهو عن" الفلسفة وتحديات القرن الحادى والعشرين" " البيئة وثورة الإتصالات " قسم الفلسفة بآداب حلوان، نوفمبر 1997، ونظرة نقدية للتعليم الفلسفى الجامعى فى مصر ندوة " المجلس الأعلى للثقافة عن التعليم الجامعى"، أبريل 1998، وهل تحيي مكتبة الإسكندرية الحديثة أمجاد مكتبتها القديمة بحث نُشر فى مجلة إبداع، أبريل 2002، وجوانب تنويرية فى الشروح الرشدية للفلسفة الأرسطية المؤتمر العالمى لإبن رشد وهو بعنوان " الفيلسوف ابن رشد بداية قرن ونهاية قرن". المجلس الأعلى للثقافة، مايو 2002، والإتجاه الإصلاحى عند الشيخ مصطفى عبد الرازق احتفالية الشيخ مصطفى عبد الرازق الجمعية الخيرية الإسلامية، فبراير2003، التنوير فى تأويل النص الدينى عند ابن رشد  ندوة " الفلسفة والفكر الدينى"  قسم الفلسفة بآداب القاهرة،نوفمبر2003، ونقل ونشر المعرفة وعلاقته بمشكلة الهوية الثقافية من عصر النهضة الإسلامية إلى عصر العولمة – ندوة " إدارة ونقل المعرفة"، جامعة دمشق فى الفترة من 8-10/5/2004، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية، سوريا، والإمام محمد عبده وقضايا المرأة - إحتفالية الإمام محمد عبده- الجمعية الخيرية الإسلامية، فبراير 2005، ونظرة نقدية للقيم والأخلاق فى العصر الإسكندرى وعصر العولمة بحث نشر ضمن أعمال المؤتمر الثانى لقسم الفلسفة بآداب حلوان وموضوعه: أزمة القيم ومتغيرات العصر "، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة 2008، وفى رحيل د. فؤاد زكريا مقال نشر فى مجلة إبداع عدد 13-14(شتاء – صيف) 2010، ود. ابراهيم مدكور ورؤيته النقدية للقيم الإنسانية" حقوق الإنسان نموذجاً" مجلة الهلال عام 2011، وتحليل نقدى لكتاب فلسفة اللذة والألم لإسماعيل مظهر، مجلة إبداع العدد السابع عشر شتاء 2011، والرمز ونظرية العدد والفيض عند إخوان الصفا، مجلة المعهد المصرى للدراسات الإسلامية بمدريد (أسبانيا) العدد 39 لعام 2011.

وفيما يخص الدراسات المنشورة فى كتب تذكارية فنذكر منها: الصابئة والحرنانية عقيدة ًومذهباً دراسة فى الكتاب التذكارى للدكتور محمد عبد الهادى أبو ريدة، كلية الآداب – جامعة الكويت 1993، والحب الإلهى فى التصوف الإسلامى ومظاهره عند صوفية القرنين الثانى والثالث الهجريين دراسة فى الكتاب التذكارى للدكتور أبو الوفا التفتازانى - دار الهداية 1995، والتصوف فى حياة الإمام محمد عبده دراسة فى الكتاب التذكارى للإمام محمد عبده، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 1995، والعقلانية والمنهج النقدى عند د.فؤاد زكريا دراسة فى الكتاب التذكارى للدكتور فؤاد زكريا، كلية الآداب – جامعة الكويت 1998، ودور اللغة فى تجديد الفكر العربى عند زكى نجيب محمود دراسة فى الكتاب التذكارى للدكتور زكى نجيب محمود، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية 2001، والإتجاه العقلانى والنقدى التنويرى عند د.عاطف العراقى دراسة فى الكتاب التذكارى للدكتور عاطف العراقى،  دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية 2002... هذا بالإضافة إلي إسهاماتها العلمية التي  شاركت بها فى هيئات مصرية وعربية يطول شرحها ..

وهنا نلاحظ أن هذا النتاج اتسم بالتنوع والإبداع في دراسة الفلسفة الإسلامية ومتابعة مستجداتها في الحقبة الحديثة والمعاصرة والسعي إلي استثمار ذلك بروح الاستيعاب والنقد والتساؤل علي نحو أثري الحركة الفلسفية العربية بالعديد من الإضافات الهامة .

أضف إلي ذلك حبها العميق للغة العربية، فقد كان عاشقة لها، غيورة عليها، حظية بها – وقد انعكس ذلك كله علي أسلوبها في كل كتاباتها؛ حيث كان أسلوبها جذلاً، فيه رصانة وطراوة، وإغداق وإثمار، وفيه عذوبة تشد الآذان إليه لسهولته، وإن تكن من نوع السهل الممتنع . فعباراتها قصيرة، لكنها واضحة الدلالة. هذا علاوة علي اتقانها الرائع للغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

وثمة نقطة جديرة بالإشارة وهي أن الدكتور مرفت بالي كانت تنظر للفلسفة علي أنها تمثل رؤية للعالم الذى نعيش فيه، ومحاولة لتقديم معرفة منظمة عن عالم مشوش وغير منظم، وتقوم الفلسفة بتنظيم رؤية الفيلسوف أو المفكر في نسق عقلي منطقي متماسك، وتتم صياغته في عبارات لغوية منضبطة، وبذلك، يسهل التعامل مع الواقع والتأثير فيه، وعندما تتبنى طبقة معينة، أو فئة، أو جماعة، فلسفة معينة، وتجعلها برنامجاً للممارسة العملية تنتج الإيديولوجيا؛ فالإيديولوجيا: هي التعبير عن الانتقال من عالم الفلسفة المجرد، إلى الواقع والممارسة العملية، ويتم التأثير المادي على وقائع الحياة، وشروطها، وتغييرها؛ وبناءً على ذلك تحدد لنا مرفت بالي مبررات اختيار الفلاسفة المسلمين من أمثال ابن سينا وأبو البركات وابن رشد الذين شملتهم بقراءتها والقضايا الفلسفية موضوع هذه القراءة وهي: النزعة الإشراقية، والتوفيق بين الفلسفة والدين، ومشكلة العالم، ومشكلة النفس العاقلة.

وأما عن نظرتها لمستقبل الدراسات الفلسفية في عالمنا العربي، فهي نظرة قاتمة؛ حيث تري أنه بعد جيل من المؤسسين للفلسفة في العالم العربي، أخص بالذكر "على عبد الرازق" و"طه حسين"، ثم جيل الرواد، مثل: "عبد الرحمن بدوي"، و"توفيق الطويل"، و"زكي نجيب محمود"، و"عاطف العراقي، وغيرهم، نلاحظ اضمحلال في حركة الفلسفة في الوطن العربي. وتواجه دراسة الفلسفة في العالم العربي مشكلات كثيرة، لعل أهمها؛ مشكلة انغلاق الباحث على تخصصه، وفي كثير من الأحيان، تقوقعه على كتابات فيلسوف أو اثنين فقط، هذا يؤدى إلى تحجر الفكر والفلسفة وموت الإبداع.

تحية طيبة للدكتور مرفت عزت بالي التي كانت وما تزال تمثل لنا نموذجاً فذاً للفيلسوفة ذات المعية الفلسفية الإشراقية والتي نجحت في أن تعرف كيف تتعامل مع العالم المحيط بها وتسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام ؛ حيث يحاول الكثيرون فيه أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

وتحيةً أخري لمرفت عزت بالي تلك المرأة العظيمة التي لم تغيرها السلطة، ولم يجذبها النفوذ، ولكنها آثرت أن تكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع، وسوف تبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً .

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم