شهادات ومذكرات

الشيخ يوسف القرضاوي.. الداعية المسيس!

محمود محمد عليفي العاشر من ديسمبر من عام 2018 نشر الأستاذ رشدي أباظة مجموعة مقالات عن الشيخ عبد الحميد كشك في مجلة روزا يوسف وسماها بعنوان "الشيخ كشك.. المنولوجست الدينى"، وذكر الكاتب أن سبب كتابته لتلك المقالات أنه كان قد تلقي سؤالا من الشيخ كشك، وهو أى الدعاة أخطر.. دعاة «السلطان» أم دعاة «الجماهير»؟ . وهنا أجاب الكاتب بدولة السلطان، لكن الشيخ كشك قال بل دعاة الجماهير هم الأخطر وأشد تنكيلا!

وبالفعل صدق كلام الشيخ كشك في دعواه خصوصا مع تلك الشخصية التي أتحدث عنها في هذا المقال وهو الشيخ يوسف القرضاوي، ذلك الرجل الذي تعاطف مع النظام القطري – الإخواني، فآثر أن يكون رجل سياسة وليس رجل فقه، فكان للأسف الشديد ممن أساءوا للخطاب الديني الإسلامي، وذلك لكونه وقف طائفياً في فكره، لا سنيّاً ولا أزهرياً. إن أخونة يوسف القرضاوي جعلته يعارض الرئيس السوري "بشّار الأسد" لكونه من الطائفة العلوية، وجعلته يفتي بقتل الرئيس الليبي "معمّر القذافي"، والمُفترَض أنه من "أهل السنّة"، فقال "من استطاع أن يقتل القذافي فليقتله ومن يتمكّن من ضربه بالنار فليفعل، ليريح الناس والأمّة من شرّ هذا الرجل المجنون".

وهنا انتقدت الشيخ يوسف القرضاوي وما زلت أنتقده فيما يخصّ كلمته المشؤومة: "اقتلوه ودمه في رقبتي" ومازالت تلك الكلمة من الأخطاء الشنيعة التي ارتكبها القرضاوي وهو في أرذل العمر. وانتقدت موقفه من سوريا وما زلت حين طالب يومها بقصفها ورجمها وردمها.  وأتذكّر جيّدا أنّه عاتب يومها الرئيس الأمريكي " باراك أوباما" لأنّه تراجع عن قصف سوريا الحبيبة، وكانت تلك من الأخطاء الشنيعة التي ارتكبها يوسف القرضاوي تجاه إخوانه السوريين.

واستنكرت على الشيخ يوسف القرضاوي تبريره لبعض سلوكيات الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، حين قال عنه يومها: "..وبخاصة النظام الذي يدعو إليه أردوغان الذي يتفق مع التعاليم الإسلامية، التي تجعله أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو رقم واحد في السلطة" ؛ ولم يكتف القرضاوي بذلك بل قال ضمن مما نقتطف منه عن الرئيس التركي أردوغان،: "تركيا برجولتها وقوّتها، يحاول أن يكيد لها الذين لا يحبّون أن تعود هذه الأمّة أمّة كبرى، والغرب من وراء ذلك، وكادوا ينتصرون، لولا أن الله مع الرئيس رجب طيب أردوغان وإخوانه، الله هو الذي شدّ إزرهم، وكتب نصرهم، وأنقذهم من شرور الآخرين.. سينصر الله أردوغان ما دام المسلمون الصادقون معه... كانت تركيا تقود العالم الإسلامي، أخذت منها الراية وتعود إليها... إسطنبول من فتوح الأتراك المسلمين الذين حملوا رسالة الإسلام.. ستعود راية الإسلام، نَصَرَ الله أخانا الحبيب المُجاهِد الزاهِد الذي حمل هذه الراية للعالمين، الطيب أردوغان، حمل راية الإسلام ولم يكن عنده مال ولا عنده رجال.. الله مع أردوغان وإخوانه،...".

هذا بعض ما قاله الشيخ القرضاوي عن مُبايعته لأردوغان، الذي وصفه بالمُجاهِد، على غرار فتاويه عن المُجاهدين الأفغان من قبل، عندما خدم الاستخبارات الصهيونية الاستكبارية بفتاويه (ربما من دون أن يعلم)، وعندما حرّض الشباب المسلم لإسقاط الاتحاد السوفيتي والعالم الإسلامي معه.

واستنكاري هنا نابع من استنكاري لأيّ شخص يبرّر لسلوكات السّلطان باسم الدين ولا أستثني في هذا الموقف أحدا من الشيوخ ولا أحدا من الحكام.

كما استنكرت عليه موقفه من اغتيال العالم الجليل الشيخ الدكتور "محمّد سعيد رمضان البوطي" رحمة الله عليه. وتجلى ذلك في خطبته الأولى عقب الاغتيال حين تعمّد ذكر البوطي في آخر المقام وهو يعدّد الخسائر وتعامل معه حينها بتشفي وازدراء وكأنّه كان يتمنى قتله وبعد الانتقادات التي وصلته صحّح الأخطاء التي ارتكبها ضدّ زميله ورفيق عمره وكانت بحدّ ذاتها متأخّرة غير نافعة.

وهنا استشهد في هذا المقال بما قد كشف عنه كتاب " تحولات القرضاوي من نبذ العنف إلى احتضانه"، للباحث الدكتور حسين القاضي، من تناقضات وتحولات الدكتور يوسف القرضاوي، مفتي جماعة الإخوان الإرهابية، فيأتي الباحث بما كان يقوله القرضاوي الوسطي منذ سنوات، وبما يقوله القرضاوي بعد انهيار جماعة الإخوان، ويبين كيف تحول القرضاوي من عقل الفقيه الوسطي النابذ للعنف إلى عقل السياسي المحرض، ثم كيف عزل نفسه معتمدًا علي عصام تليمة وغيره فحدث انقطاع بين القرضاوي الأزهري الوسطي والقرضاوي الحركي الإيدولوجي الإخواني.

يبدأ الكتاب بمبحث عنوانه: ابن قطر وليس ابن القرية والكتاب، ويتناول الأجواء والملابسات لعلاقة القرضاوي بحكام قطر، منذ دخل قطر عام 1961، وهناك استغلته قطر لصناعة مرجعية بديلة عن الأزهر ممثلة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

وأفرد الكتاب فصلاً جديدًا في نوعه لبيان أوجه التشابه بين أحد زعماء الخوارج القدامى "عمران بن الحصين" و"القرضاوي"، وفصلاً عن تاريخ “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، وخلفياته السياسية وتأثره بفكر الإخوان، معتمداً علي شهادة أحد الأعضاء انفسهم، ودور القرضاوي في التحريض على مصر وجيشها، والدفاع عن توجهات قطر السياسية، ثم المؤلف مقارنة بين الدكتور البوطي والدكتور القرضاوي في موقف كل منهما من العنف والتحريض عليه، كما وضع مقارنه بين العلامة عبد الله بن بيه والقرضاوي.

ويطرح الكاتب سؤالا: هل القرضاوي من علماء السلطان؟ ويجيب في مبحث كامل عنوانه (وتقدم القرضاوي ركب علماء السلطان)، ويلقي الكتاب الضوء على المشروع الفكري للقرضاوي وأنه مشروع حركي أيديولوجي وليس إسلاميا خالصا.

ويرصد الباحث كيف أن القرضاوي في مذكراته نقد سيد قطب ووصفه بالتكفيري، ثم هو اليوم يسير على خطاه، والكتاب يرد على القرضاوي في قوله: “إن الأزهر معقل الإخوان”، وقوله إن الشعراوي كان محباً للإخوان، حيث يرصد الكاتب في مبحث مستقل كيف أن كبار علماء الأزهر كالمراغي، ودراز، والدجوي، والباقوري، والمشد، والحصافي، والسبكين ومأمون الشناوي، وجاد الحق، وأحمد محمد شاكر، والشعراوي وغيرهم. رفضوا جماعة الإخوان، عكس ما يقول.

وسرد الباحث العديد من المواقف التي تغيرت فيها أقوال القرضاوي تجاه العلماء والأمراء وبعض الحركات السياسية والدينية ؛ فعندما ذهب القرضاوي إلي الإمارات امتدح حكامها، وفي عام 1999 حصل علي جائزة سلطان العويس الثقافية، وفي عام 2001 حصل علي مليون درهم لجائزة دبي الدولية، وشكر في كلمته المنشورة علي موقعه الرسمي الذين أحسنوا الظن ورشحوه لجائزة دبي، وشكر راعيها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ووصفه بالمقاتل الشجاع، والمخطط العاقل.

وفي عام 2014 تغير موقف القرضاوي تجاه الإمارات وقال:" الإمارات تقف ضد كل حكم إسلامي، وتعاقب أصحابه وتدخلهم السجون.

كما لا يجب علينا ألا ننسي مدح وذم القرضاوي للرئيس التونسي بن علي ؛ فقد ذمه في نوفمبر 2006 حيث قال: " إن الحرب التي يشعلها النظام التونسي إنما ضد الله ورسوله"، وفي سنة 2009 زار تونس وقال: " كان خطاب الرئيس زين العابدين شاملًا، وأبرز العناية بالثقافة الدينية الإسلامية، ولا شك أن من يزور تونس يجد آثار هذه العناية في الناحية العمرانية والاهتمام بالإنسان خصوصًا في المجال التعليمي والصحي، والاهتمام بالجانب الإسلامي، وهذه الأشياء تحمد لتونس.

ثم تغيرت أوراق اللعبة السياسية فقال في خطبة الجمعة في يناير 2011: " جاء رئيس البلاد بالأمس يتكلم بلغة هينة لينة وبعد أربعة أسابيع، والرصاص يقتل الناس قتلًا، ويذهب الناس أفواجا إلي المقابر، وينبغي أن يحاسب القاتل وكل من آذي الشعب، وأكل حقه ونهب ماله.

كما لا ننسي وصفه لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بأبشع الكلمات؛ حيث كشف الكاتب عن عدة مواقف متناقضة للقرضاوي عن عدد من علماء الأزهر وأمراء بعض الدول بعد ثورة 30 يونيه وقبلها، منها ما فعله مع الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر شيخ الأزهر، حيث مدح الشيخ الطيب عندما زار مشيخة الأزهر في 30 ديسمبر 2012، وأكد أن الأزهر يشهد في عهده أكبر عملية تطوير وإصلاح علي مدار تاريخه، مما هيأه لقيادة الأمة لعهود طويلة من خلال علمائه، فكان المدرسة العلمية الكبري لكل طالب علم شرقًا وغربًا، وأثني علي دور الطيب في لم شمل كافة أطياف القوي الوطنية والسياسية.

وحين أيد الأزهر ثورة يونيو 2013 وانحاز شيوخه للمطالب الشعبية فإذا به يهاجم الإمام الأكبر ويصفه بأبشع الكلمات مخاطبًا إياه بقوله: " لقد كنت أظنهم غرروا بك، وكنت أحسبك متورطا، فعلمت أنك متآمر، وكنت أخالفك خائفا، فعلمت أنك مشارك تكيد لهذه الأمة، وتمكر بها، وتتخذ من عمامة الأزهر غطاء لمآربك، وتمويًها علي المصريين.

وحين استقال من هيئة كبار العلماء كتب في استقالته: (إن شيخ الأزهر يبدو أنه يفضل الجلوس بين لواءات المشيخة علي الجلوس إلي إخوانه العلماء.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم