شهادات ومذكرات

أبو الحسن الجمال: د. حامد زيان غانم.. رائد تاريخ العصور الوسطى

3186 حامد زيانرحل عن دنيانا مؤخراً الأستاذ الدكتور حامد زيان غانم زيان، أحد رواد تاريخ العصور الوسطى في مصر والعالم العربي، وهو امتداد لمدرسة جامعة القاهرة التاريخية العريقة التي تفرعت عنها كل المدارس التاريخية في مصر والدول العربية، فهو أحد تلاميذ الأستاذ الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور الذي تولاه بالرعاية منذ التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1963، وقد تعددت اهتمامات  الدكتور زيان بين التأليف والتدريس والعمل الإداري وقد نحج في كل هذه المجالات إلى أبعد حد..

ولد في مدينة الفيوم عام 1946، وتعلم في مدارسها، وعندما حصل على شهادة الثانوية التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، واختار قسم التاريخ عن محبة واقتناع، وكان القسم يعج بالأساتذة الكبار من أمثال: حسن محمود، وسيد الناصري، سعيد عبد الفتاح عاشور، وحسنين محمد ربيع وغيرهم... وكان متفوقاً خلال سنوات الدراسة وشهد له أساتذته بالتفوق والنبوغ، ثم تخرج عام 1967بتفوق بتقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف، ثم معيد بكلية الآداب بجامعة القاهرة اعتباراً من 1/10/1967، ثم أكمل دراساته العليا تحت إشراف أستاذه الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور فحصل على الماجستير في رسالة بعنوان "حلب في العصر الزنكي" بتقدير ممتاز عام 1971، ثم على الدكتوراه في فترة وجيزة في رسالة بعنوان "العلاقات بين جزيرة صقلية ومصر والشام إبان الحروب الصليبية" بمرتبة الشرف الأولى عام 1973.

وقد تدرج الدكتور حامد زيان في الوظائف الأكاديمية، فعين مدرساً مساعداً بكلية الآداب بجامعة القاهرة اعتباراً من 29/11/1972، ثم مدرساً اعتباراً من 12/12/1973، ثم رقي إلى درجة أستاذ مساعد بكلية الآداب بجامعة القاهرة اعتباراً من 31/12/1978، ثم أعير إلى كلية الآداب بجامعة الامارات العربية استاذاً للتاريخ الوسيط بها، وتولى منصب رئيس قسم التاريخ حتى عام1986، ثم رقي إلى درجة الأستاذية اعتباراً من 25/2/1986.

وخلال رحلته تولى الدكتور حامد زيان العديد من المناصب، حيث أشرف على إنشاء كلية التربية بالفيوم بفرع جامعة القاهرة من 1975 وحتى 1979، كما تولى رئاسة قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة اعتباراً من 25/4/1988 حتى تاريخ 23/4/1991، ثم مدير مركز البحوث والدراسات التاريخية في الفترة من 1995 إلى 1997، ثم تولى رئاسة قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة مرة أخرى اعتباراً من 25/4/1997 حتى 24/4/2000، كما أشرف على قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة - فرع بنى سويف من أكتوبر 1998 وحتى سبتمبر 2002.

والمطلع على سيرة الأستاذ الدكتور حامد زيان يدرك أن حياته كانت زاخرة بالإسهامات العلمية والمجتمعية، حيث قام بالإشراف على الندوات والمجلات والموسوعات والرسائل العلمية وتحكيم الجوائز وتحكيم الاعمال العلمية داخل وخارج مصر، وكان مقرراً للعديد من الندوات التي عقدت في رحاب كلية الآداب بجامعة القاهرة، منها: ندوة العرب وآسيا عام 1989، وندوة المسلمون فى أوربا عام 1991، وندوة فلسطين عبر العصور والإشراف على إصدار أعمالها 1996، وندوة مصادر تاريخ القدس والاشراف على اصدار أعمالها 1998.

كما رأس تحرير مجلة "المؤرخ المصري" التي يصدرها قسم التاريخ كلية الآداب بجامعة القاهرة فى الفترة من 52/4/1988 وحتى 23/4/1991، وفى الفترة 25/ 4/1997 وحتى أبريل 2000، كما كان عضواً بهيئة تحرير مجلة "المؤرخ العربي" التي تصدر من اتحاد المؤرخين العرب منذ عام 2009 وحتي رحيله، كما قام بالاشتراك فى تحرير بعض مواد الموسوعة المصرية (العصر الإسلامي) بالقاهرة عام 1980، كما أشرف وناقش العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جمهورية مصر العربية وبعض البلدان العربية، واشترك في تحرير "معجم المصطلحات التاريخية" بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وكذلك تحكيم جوائز جامعة الإسكندرية التقديرية 2007 ، وجامعة عين شمس التقديرية 2007 وتحكيم المقالات والأعمال العلمية المقدمة للترقية بكل من المملكة العربية السعودية والكويت والأردن.

مؤلفاته:

وقد أمد الدكتور حامد زيان المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات التي دلت تمكنه من مجاله وعمق رؤيته التاريخية واستخدام أدواته البحثية وتوظيفها بدقة، ومن مؤلفاته نذكر: "الأزمات الاقتصادية والاوبئة فى مصر عصر سلاطين المماليك"، القاهرة 1976، و"الحضارة الاسلامية فى صقلية وأثرها على أوربا"، القاهرة 1977، و"الامبراطور فريدريك بربروسا والحملة الصليبية الثالثة"، القاهرة 1977، و"العلماء بين الحرب والسياسة فى العصر الأيوبي"، القاهرة 1978، و"صفحة من تاريخ الخلافة العباسية في مصر في ظل دولة المماليك"، القاهرة 1978، و"الصراع السياسي والعسكري بين القوى الاسلامية زمن الحروب الصليبية"، القاهرة 1983، و"الحياة فى الخليج في العصور الوسطى"، القاهرة 1985، و"تاريخ الحروب الصليبية"، القاهرة 1986، و"دراسات تاريخية فى المصادر العربية"، القاهرة 1987، و"حضارة أوربا في العصور الوسطى"، القاهرة 1988، و"الأسرى المسلمون في بلاد الروم"، القاهرة 1989، و"تاريخ أوربا أواخر العصور الوسطى"، القاهرة 1990، و"الحرمان الشريفان عبر التاريخ دراسة في تاريخ عمارة الكعبة الشريفة والمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف"، السعودية 1992، و"تاريخ الأيوبيين والمماليك"، القاهرة 1993، و"دراسات في علم التاريخ"، القاهرة 2000 ، و"دراسات في التاريخ الإسلامي"، القاهرة 2003 و"تاريخ أوربا في مطلع العصور الوسطى".

قالوا عنه:

الدكتور محمد عيسى الحريري رئيس اتحاد المؤرخين العرب: "فقد اتحاد المؤرخين وكلية الآداب جامعة القاهرة وكثيراً من علماء العلم والتاريخ رجلاً أصيلاً وعقلاً منيراً، وصرحاً كبيراً من صروح العلم والمعرفة. إنه الأب الروحي والأخ الوفي والصديق المخلص. إنه العالم الجليل فقيد العلم والعلماء الأستاذ الدكتور حامد زيان غانم، الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة الذي كان بعلمه شعاعاً ونوراً يملئ القلوب بالحب والوفاء ويملئ العقول بالعلم والعطاء لما حباه الله من قبول وارتياحاً لدى زملائه وتلامذته..

ثم يقول: "إنه الشعلة التي أضاءت أركان العلم والمعرفة لخدمة طلاب العلم على المستويين المحلي والإقليمي . لقد كان رحمه الله صاحب عقل رشيد في كثير من الأمور العلمية والإدارية مما أهله ليعتلي منصب عضو مجلس إدارة وأمين عام الصندوق باتحاد المؤرخين العرب، فهو يعد من أهم وأخلص علماء الاتحاد بما يحمله من قلب كبير وفكر مستنير.. لقد خسرنا وخسر معنا كثير من الأصدقاء وأصحابه العلماء وتلاميذه الأوفياء وأهله الأحباء خسرنا جميعاً عدداً من ينابيع العطاء التي كانت تتدفق بالخير والنماء".

الأستاذ الدكتور أشرف مؤنس مدير مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس:  "يعد أ.د. حامد زيان غانم ( ١٩٤٦-٢٠٢٢م) أحد أبرز مؤرخي مصر والعالم العربي في تخصص تاريخ أوروبا العصور الوسطى، والذي انتقل إلى رحمة الله مساء يوم الأحد ٢ يناير، بعد حياة حافلة بالعمل العلمي والأكاديمي بالجامعة لحوالي نصف قرن أسهم خلاله بالعديد من المؤلفات له أكثر من ٢٢ مؤلفاً في تاريخ العصور الوسطى، وأشرف وناقش العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه، وعضو في العديد من الجمعيات العلمية، وقد شرفت بمزاملته في عضوية مجلس إدارة اتحاد المؤرخين العرب لأكثر من خمس سنوات، كان إنسانا حكيما مهذبا خلوقا متواضعا محبوبا، وقد حصل رحمه الله على العديد من الجوائز أبرزها درع شوامخ المؤرخين العرب .. نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته وإنا لله وإنا إليه راجعون".

ويقول عنه الأستاذ الدكتور عامر أبو جبلة"، أستاذ التاريخ الإسلامي، في جامعة مؤتة بالأردن: "نترحم على الفقيد الكبير المرحوم أ. د. حامد زيان.. ما من شك في أن الفقيد المرحوم قد ترك أثراً علمياً مشهوداً في مجال تخصصه، وعلاقاته والأعمال والوظائف الإدارية التي شغلها طيلة حياته الحافلة بالعطاء العلمي المتميز وسمعته العلمية في مصر وخارجها بين أوساط الأكاديميين ونشاطه المميز والعطاء في مؤتمرات اتحاد المؤرخين العرب في القاهرة وإنجاح أعمالها بجهوده ومتابعات مع أعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد.. وحيث أنني عضو اتحاد المؤرخين العرب كان لي تواصل معه من خلال مؤتمرات آخر خمس سنوات عن قرب، فعرفناه حريصاً جداً على تواصله معنا.. وحزمه في الأمور كلها فيما من شأنه أن نخطو بالاتحاد خطوات قوية وثابتة نحو مستقبل أفضل وبما يليق بهذه الأمة وتاريخها ورسالتها الحضارية.. رحم الله القيد المرحوم ا. د. حامد زيان رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وجزاه الله عنا كل خير.. إنه سميع قريب مجيب الدعاء".

أما الأستاذ الدكتور نبيل السيد الطوخي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة المنيا فيقول: "عن ذكرياتي مع أستاذنا الجليل معالي الأستاذ الدكتور حامد زيان أستاذ تاريخ العصور الوسطى بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة وأمين صندوق اتحاد المؤرخين العرب. الحقيقة أنني عرفت الأستاذ الدكتور حامد زيان منذ سنوات طويلة مضت مع أيام فترة التكوين العلمي وكنت أتردد على كلية الآداب جامعة القاهرة لحضور مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه والندوات العلمية التي يعقدها قسم التاريخ بآداب القاهرة ورأيت أستاذنا الجليل معالي الأستاذ الدكتور حامد زيان أيام كان رئيس قسم التاريخ بآداب القاهرة وكنت اتحدث مع سيادته عن قرب، وبعد ذلك بسنوات كنت التقي بسيادته في ندوات الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وفي الجمعية العمومية للجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وكنت أراه في المجلس الأعلى للثقافة في الندوات التي يعقدها لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، واستمتعت إلى سيادته في أكثر من ندوة ومؤتمر علمي، وهو من كبار مؤرخينا في تخصص العصور الوسطى، وعلم من أعلام هذا التخصص في مصر ووطننا العربي. كما كنت التقي سيادته في ندوات ومؤتمرات اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة وكان سيادته أمين صندوق الاتحاد. وكنت أتحدث مع سيادته عن قرب وكثيراً ما جلست بجواره فى الباص أثناء رحلة الأتوبيس من جامعة القاهرة إلى مقر اتحاد المؤرخين العرب بالتجمع الأول، وكنت استمتع بحديث سيادته عن فترة العصور الوسطى، وأتعلم من فكره وكان يتعامل مع الجميع معاملة طيبة، وكنت أرى سيادته أيضاً في مناقشات الرسائل العلمية بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة المنيا. وكانت مناقشات سيادته أكثر من رائعة، وكنت اتصل بسيادته للاطمئنان عليه، وكان دائماً قمة في الذوق والإنسانية والأصالة والعلم ولهذا سيظل في قلوبنا وعقولنا إلى الأبد وإذا كان أستاذنا الجليل رحل عنا بجسده لكنه سيظل حيا فى قلوبنا وعقولنا الي الأبد بما تركه من علم ينتفع به وأدعو الله أن يرحمه ويسكنه فسيح جناته ويبارك في أولاده واحفاده وتلاميذه الي يوم الدين وخالص العزاء لأسرته الكريمة وكل محبيه وكل أسرة قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة والحقيقة اننا فقدنا برحيله مؤرخا كبيرا من كبار العلماء في تخصص تاريخ العصور الوسطى على مستوى مصر ووطننا العربي".

أما الدكتور عبد الباقي السيد القطان، المحاضر مدرس التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس، فيقول: "ويعلم الله أنى استفدت كثيرا من طروحاته ونصائحه فى جل اللقاءات التي جمعتني به رحمه الله ، وكم كان سعيدًا بكتابنا الأريوسية ودار حوار طويل بيننا بشأنه، وكذلك لا يمكن أن أنسى تعقيباته على بعض الموضوعات التي طرحتها وكان حاضرًا لا سيما أهل الظاهر فى العصر الأيوبي، وابن نباته الظاهري ودوره العلمي وغيرها…كما لا يمكن أن أنسى اهداءاته بعض كتبه لي . لقد كانت صورته عالقة بذهني طيلة اليومين السابقين لوفاته رحمه الله، وفى صباح الأمس فجعت بخبر وفاته عبر الهاتف …. رحمه الله رحمة واسعة وألهمنا وأهلهما محبيه ومريديه الصبر والسلوان. فقد كان آخر لقائي به فى مناقشة الصديق العزيز دكتور محمد رمضان".

الباحثة ميساء يوسف، باحثة الدكتوراه بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر: "عالم إنسان احترف التاريخ فنبغ فيه ونقش اسمه بأحرف من نور واسطة عقد تاريخ العصور الوسطى، كشف الكثير من المسكوت عنه تاريخيا ونبش في أسراره فأخرج فرائد عقده من كتب نفيسة أفاد منها الباحثون ولا زالوا ينهلون من معينها. الدكتور حامد زيان ابن الفيوم البار إن رحل جسدا لكن شمس علمه لا زالت ساطعة تنير سماء التاريخ. عليه سحائب الرحمة والمغفرة".

وبعد عمر طويل قضاه في رحاب العلم والبحث رحل الدكتور حامد زيان مساء يوم الأحد الثاني من يناير سنة 2022، وتم تشييع جنازته في اليوم ودفنه في مقابر الأسرة بطريق الفيوم..

 

بقلم: أبو الحسن الجمال

 

في المثقف اليوم