قضايا وآراء

الغرب المتخبِّط بين إفلاسه الأخلاقي وحريته الجوفاء / أسماء شلاش

هذه الفضائح التي لم يلتفت لها إعلامهم كما يلتفت لأي موضوع يخص المسلمين أو العرب ومن دون أن تصاحبها ضجة كبرى كتلك الضجة التي صاحبت قضية رجم الإيرانية (سكينة) والتي شغلت أعلى المستويات السياسية الغربية والدينية أيضاً بما فيها الفاتيكان. هل شغلتْ قضية الانتهاكات الجنسية بحق الأطفال برلمانات أوروبا كما شغلتها قضية النقاب مثلاً؟!. هذا جانب يدل على مدى ازدواجية معاييرهم وفشل مبدأ العدالة الذي ينادون به في كل محفل. ألم يحن الوقت لكي يعترفوا بأنهم مفلسون أخلاقياً وأن حربهم على الإسلام لا مبرر لها أبداً وأن أهدافها باتت واضحة ومكشوفة؟. وهم الذين يغضون الطرف عن الحقيقة. هل مات التاريخ كله وتوقفت اللحظات عند أحداث 11 أيلول التي أصبحت شماعة غربية بامتياز، حتى عندما يصرخ منطق الحقيقة ناعتاً إياهم بالكذب . كل شيء أحياناً يبدو أمريكي الصنع بما في ذلك أحداث أيلول التي يكثرون العويل عليها؟!. إذا كان الغرب يتشدق دائماً بحرياته الفضفاضة فقد سقطت في وحل أفعالهم وتناقضاتهم بعد أن أصابها الوهن والتصدع، وتحول مفهوم الحرية لديهم إلى فوضى ليست طارئة تتحكم بها المصالح وتختلط فيها المفاهيم..إذا كانت تشريعاتهم تضمن حريات الأفراد فيجب في الوقت ذاته أن تعاقب من يسيء لهذه الحريات فلماذا لم يخضع تيري جونز وأمثاله من المسيئين للمساءلة القانونية بدل التنديد بما فعله؟. فحريتهم التي يتباهون بها ليست إلا ثوباً فضفاضاً مزركشاً لكنه متسخ جداً. إن الديمقراطية الغربية مصابة بالشلل وانفصام الشخصية وعمى الألوان، لأنها مبنية على مبدأ براغماتي يتظاهر بالمثالية والود للآخر، لكنه لم يتحرر من قيد المصلحة ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة..

ثم هل تبنَّتْ ميركل المستشارة الألمانية مفهوم الحرية وهي تكرم صاحب الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام عندما قالت:(الحرية دائماً مرتبطة بالمسؤولية) نحن لا نختلف معها أن الحرية مرتبطة بالمسؤولية، لكن هي التي اختلفتْ مع نفسها وصبت الزيت على النار عندما وضعت وساماً على صدر ذلك الرجل الذي استفز مشاعر المسلمين وعادت هي بفعلها لتستفز مشاعرهم. أليس الأجدر بها أن تطبق مفهومها حول الحرية على نفسها؟.

وهاهي ملكة بريطانيا مثلاً ترفض تكريم بلير ليس إيماناً منها بأن هذا الرجل قد أساء للحرية وأن يديه الملطختان بدماء أطفال العراق لا تستحقان التكريم بل لأنه تعرض بالنقد للعائلة المالكة في كتابه (رحلة) ثم ليجد بلير ضالته في أحضان أمريكا التي منحته ميدالية الحرية بعفوية تامة..الحرية لمن؟. لمن يخنق الحرية!. حصول طوني بلير على قلادة الحرية يذكرنا بحصول رئيس وزراء العدو الإسرائيلي السابق إسحاق رابين على جائزة نوبل للسلام عام 1994. عالمٌ يتباهي بالحرية، لكنه لا يمنح الحصانة والتكريم إلا للمجرمين.. تلك هي العدالة العمياء والحرية العرجاء التي تبرر إحراق المصحف الشريف بحرية التعبير بينما إنكار محرقة اليهود والتشكيك بها وبعدد ضحاياها هو جريمة تستحق العقاب وكم من المثقفين الذين تمت محاكمتهم أو اعتقالهم لأنهم قاموا بمجرد التشكيك بحقيقة المحرقة. فلماذا لا يطالب المسلمون بمحاكمة جونز وأمثاله؟. وإلى متى ستظل الإساءة للمسلمين ودينهم تُسمَّى حرية تعبير بينما مقاومة العنجهية الأمريكية إرهاب،وانتقاد إسرائيل معاداة للسامية..! شتان بين الذي يحرق وبين الذي يحترق..شتان بين الذي يذبح وبين الذي ينزف، بين الذي يجرح والذي يتألم..شتان بين من يتذرع بسقف الحرية وبين من يرتطم رأسه بذلك السقف، وشتان بين من يستفز وبين من يتغاضى ويساير لأنه الحلقة الأضعف في غابة قانونها لا يحمي الحمل لو وقع بين أنياب الذئاب، لأن وداعته لن تشفع له . هكذا كتبوا الدستور..وهكذا كذبوا علينا، لم نصدق لكننا أحياناً نضطر للتصديق،لأنه قانون الغاب ليس إلا..

 

 أسماء شلاش.سوريا

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1529 الثلاثاء 28/09/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم