آراء

كيف كان المخطط الأمريكي لاحتلال العراق 2003؟! (4)

محمود محمد عليمرة أخري نعود ونكمل حديثنا في هذا المقال الرابع عن المخطط الأمريكي لاحتلال العراق 2003،وفي هذا يمكن القول: استغل الرئيس بوش (الابن) فرصة رفض الرئيس العراقي، السماح لمفتشي الأمم المتحدة المنسحبين بالعودة إلى البلد عام 1998م، ليبرز تصعيداً واسعاً على العراق، وحتى في ظل السماح للمفتشين بالعودة، فإن بوش كان مصمماً على تغيير النظام العراقي عاجلا ًأم آجلاً، خصوصاً وأنه اتضح في الفترة الممتدة من عام 1998 م إلى 2002 م، أن الضغط الأمريكي لفحص مواقع الأسلحة العراقية، إنما كان يتخذ كذريعة للحرب .

وفي 5 مايو 2002م قال وزير الخارجية آنذاك "كولن باول"، أن الولايات المتحدة يمكن أن تحاول إزاحة الرئيس العراقي من السلطة، وهذا حتى في حالة إذا تم الاتفاق على عمليات التفتيش على الأسلحة :" إن سياسة الولايات المتحدة بغض النظرعما يفعله المفتشون، هي أن شعب العراق وشعوب المنطقة، ستكون في حال أفضل بقيام نظام حكم مختلف في بغداد، لهذا تحتفظ الولايات المتحدة بخيار أن تقوم بما تعتقد أنه قد يكون ملائماً للتحقق من إمكانية تغيير النظام " .

كما أضاف أمام مجلس الأمن في 5 فبراير 2003 م، محدداً نية الولايات المتحدة في إسقاط النظام العراقي: " نحن نعلم أن صدام حسين مصمم على إبقاء أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته، وهو مصمم على صنع المزيد، فإن الولايات المتحدة لا يمكنها المجازفة والمخاطرة بالشعب الأمريكي، لأن صدام يمتلك أسلحة الدمار الشامل لأكثر من شهور أو سنوات ليس بخيار، ليس بذلك في أعقاب هجمات 11 سبتمبر" .

غير أنه من المفارقة أن امتلاك العراق لهذه الأسلحة، لم يثبت مع إعلان مسئولين عراقيين أن حرب الخليج الثانية، والسنوات التالية من الحصار والعقوبات، أجبرت "صدام حسين" على التنازل عن مخططاته العسكرية؛ خاصة مع صدور تقرير رئيس فرقة التفتيش الأمريكي عن أسلحة الدمار الشامل العراقية "دافيد كاى"، الذي أكد فيه صراحة على عدم العثورعلى أية وثيقة تثبت علاقة العراق بتنظيم القاعدة في مجال أسلحة الدمار الشامل .

2- ارتباط النظام العراقي بالإرهاب :

تعد الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 م، بمثابة التطبيق الرئيسي والأكثر بروزاً، للمفهوم الاستراتيجي الجديد المتمثل في الحرب الوقائية، والتي تمثل النواة الصلبة لحروب الجيل الثالث؛ حيث بنت إدارة المحافظين الجدد للرئيس بوش الابن موقفها على فكرة أساسية، مفادها أن ضرب العراق عسكرياً، والإحاطة بنظام صدام حسين ترتبط ارتباطاً مباشراً بالخشية من امتلاكه لأسلحة دمار شامل، وبالتحديد أسلحة كيماوية وبيولوجية .

في هذا السياق زعمت إدارة بوش (الابن) أن وجود مثل هذه الأسلحة لدي نظم حكم معادية ودول مارقة، ينطوي على خطورة متزايدة على الأمن القومي الأمريكي، وارتكزت سياستها على اعتبار العراق واحداً من الدول المهددة لها، والتي يناسبها شن حرب وقائية، باعتبار أن الخيار العسكري، يمثل الخيار الفعال والوحيد، بتدمير وإزالة المخاطر التي يطرحها النظام العراقي من قدرات التسلح ودعم الإرهاب، لاسيما وأن الوسائل الأخرى من عقوبات وعمليات تفتيش أثبتت – حسب رأى الإدارة – فشلها وعدم جدواها من الناحية العملية، ليتم بعد ذلك التفكير في وسيلة أفضل تجمع بين القدرة على إزالة التهديد من جهة، وتحقيق الأمن والمصالح الأمريكية من جهة أخري .

وبهذا يمكن القول بأن إدارة بوش (الابن)  أقامت قضيتها للحرب على العراق وفقاً لمفهوم الحرب الوقائية، على عدة مبررات تذرعت بها وهى :

أ- العراق امتلك أسلحة دمار شامل، وكان في طريقه إلى بناء المزيد.

ب- العراق ارتبط بالقاعدة وبالمنظمات الإرهابية الأخرى .

هذان المبرران قدما سبباً وجيها من منظور النخبة الحاكمة في البيت الأبيض من المحافظين الجدد لتغيير النظام العراقي، ومن ثم القضاء على مصدر التهديد، ليبدو المبرر الثالث متمثلاً في أن العراق كان ديكتاتورية مستبدة مطلقة تتطلب التحرر منها .

هذه المبررات كانت متأثرة تأثراً واضحاً بهجمات 11 سبتمبر 2001، فعن طريق الإيحاء بأن أسلحة الدمار الشامل العراقية، قد تنتهى إلى الوصول إلى أيدي الإرهابيين، سعت الإدارة إلى بناء الدعم للعمل العسكري من منطلق الخوف من أن العراق قد يهدد الولايات المتحدة تهديداً مباشراً.

ومن هنا استندت الإدارة الأمريكية بعدة وقائع للربط بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة، ومنها وجود علاقة بينهما منذ منتصف السبعينات، وقد عملا معاً سوياً علي تقديم الدعم للجماعات الإسلامية في الجزائر ودول أخري ووجود دليل علي أن النظام العراقي، كان يمول الجماعات الاسلامية عبر شبكات "أسامة بن لادن" والاستخبارات العراقية قدمت مساعدات لوجستية لتنظيم القاعدة/ وكذلك عرض العراق علي "أسامة بن لادن" في عام 1998م استضافته في العراق بعد طرده من السودان .

ومنذ تولى الرئيس بوش (الابن) السلطة، وهو في اتهام مستمر لصدام حسين بارتباطه بتنظيم القاعدة، حيث إنه تبعاً لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، أعلن بوش (الابن)  اشتراك الرئيس العراقي فيها، وبدا واضحاً وبصورة متزايدة أن الشخصيات الرئيسية في الإدارة معنية باستغلال الفرصة كذريعة للسعى في النهاية للإطاحة بالنظام البعثي، وقد عبر بوش عن هذه الفكرة في قوله :" نحن نعلم أن العراق والقاعدة لهما اتصالات ذات مستوى ذات مستوى عال تعود إلى عقد سابق من الزمن، فبعض قادة القاعدة البارزين الفارين من أفغانستان، قد ذهبوا للعراق، ومن بينهم زعيم للقاعدة على مستوى من الأهمية الذي تلقي علاجا طبيا ببغداد، والذي خطط للهجمات .. لقد علمنا أن العراق عمل على تكوين أعضاء القاعدة لأجل صنع قنابل الغاز السامة والفتاكة .. العراق يمكن أن يقرر في أي لحظة توفير سلاح بيولوجي أو كيماوي لجماعة إرهابية" .

قام الرئيس الأمريكي بإعلان الحرب على هذا التحدي الأمني الخطير مع حصوله مباشرة على موافقة الكونجرس في 14 سبتمبر 2001م، داعياً بشكل صريح إلى ضرورة استخدام القوة الضرورية والمناسبة ضد الأمم، والمنظمات، أو الأشخاص الذين خططوا وارتكبوا الهجمات  الإرهابية .

وبدأ النظر للعراق على أساس أنه الهدف القادم لهذه الحرب تطبيقا لعقيدة بوش، حيث توالت تصريحات كبار المسئولين في الإدارة حول ضرورة تغيير نظامه، ضمن رؤية استراتيجية عميقة في المنطقة الشرق أوسطية، كما دعا " بول ولفويتز" نائب وزيرالدفاع آنذاك إلى فكرة إنهاء الدول التي ترعى الإرهاب، وكان العراق على رأس قائمة النظم الحاكمة التي تستحق الإنهاء .

كما ظل نائب الرئيس ديك تشينى ووزير الدفاع رامسفيلد يحثان على انتهاج سياسة أكثر تشدداً ضد العراق، إضافة إلى أن رئيس المكتب الاستشاري الدفاعي ريتشارد بيرل، قد أعلن أنه من واجب واشنطن انتهاز فرصة هجمات 11 سبتمبر لإبعاد صدام من السلطة، حتى إذا لم يكن قد لعب دوراً في الهجمات الإرهابية.

3- ديكتاتورية النظام العراقي وضرورة إسقاطه:

إن النظر إلى مسألة تغيير النظام العراقي بقيادة صدام حسين، شكل هاجسا أكبر لدي الإدارة الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتتويج الولايات المتحدة للنظام الدولي، خصوصاً بسبب الممارسات القمعية والعدوانية التي قام بها صدام، المتمثلة بالأساس في شن حربين إقليميتين كبيرتين الأولى ضد إيران والثانية ضد الكويت، لذلك رأت الإدارة الأمريكية أن نظام صدام حسين، استبد بالسلطة في العراق، وقام بتهديد جيرانه بغزو الكويت، وقبله إيران وقام باستخدام الدمار الشامل ضد شعبه  .

وهنا بدأ الكثيرمن مسئولي البيت الأبيض في فترة حكم بوش (الأب)، ينظرون للنظام العراقي على أنه نظام غير مرغوب فيه، حتى من قبل بلدان الخليج نفسها، فبالإضافة لاستخدامه الأسلحة الكيماوية في الحرب العراقية – الإيرانية، قام بتوظيف أسلحة محظورة ضد أفراد شعبه من المعارضين في مارس 1988م، إلى جانب توظيف القنابل الانشطارية، وكذا غازات سامة من بينها غاز الخردل ووسيط الأعصاب، بما في ذلك ملح الحمض الأزرق المعروف بالسيانيد، التي تسببت في مقتل خمسة آلاف مواطن كردي.

في 26 فبراير 2003م في خطاب ألقاه بوش  في معهد أميركان انتربراي، قال فيه أن هدف الولايات المتحدة في العراق ليس فقط من أجل نزع سلاح صدام حسين، وإنما أيضاً من أجل تغيير النظام العراقي إلى دولة مزدهرة ديمقراطية حقيقية ومستقرة، ومثال في التحول السياسي في الشرق الأوسط والعراق، يمكن أن تكون مثالاً مثيراً حرية الدول الاخرى في المنطقة، ثم توجه إلى الإشارة إلى التجربة التاريخية الأمريكية في تحويل ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية  الثانية .

وقد ورد في مقال لبرهام فولر B.Fuller نائب رئيس مجلس الاستخبارات القومي في وكالة المخابرات المركزية السابق ثلاث مسائل تتعلق بنظام صدام حسين:

أ- هل يريد الشعب العراقي رئيسه فعلاً ؟ ويؤكد أن صدام يضطهد شعبه بأسوأ طريقة أكثر من أي نظام عربي في التاريخ الحديث، من حيث عدد المسجونين، والذين أعدموا وقتلوا، وهذه الحقيقة يعرفها معظم العرب، ولذلك فإن الشعب العراقي في أحسن حال بوجوده خارج نظام حكم رئيسه وحزبه الشمولي.

ب- أن الرئيس جر بلده إلى حربين كبيرتين وغير مبررتين ضد جيرانه، مما أدي إلى مقتل مليون عراقي، فالشعب العراقي ليس بحاجة إلى هذا النوع من المغامرة.

ج- أن الرئيس منع العراق من القيام بدور رئيسي في العالم العربي، بحيث إن توفرت الظروف المخالفة من الحرية والانفتاح للشعب العراقي سوف تصبح دولتهم لاعباً مهماً في العلاقات الدولية عسكرياً، وأيضاً سياسياً واقتصادياً.

بخصوص الملف العراقي يلاحظ أن إدارة بوش قد وضعت تغيير النظام في المقدمة، وفي المركز في سياستها الخارجية وتواصلت مع القوة العسكرية لتحقيق ذلك، وهذا الميل أو النزوع الشديد لإزالة أنظمة معينة بالقوة المسلحة، إنما ينبع من تعاليم المحافظين الجدد، والجزء الصحيح لمضمون العمل الوقائي في نظرهم، هو أن هناك مشكلات سياسية معينة، لا يمكن حلها، إلا من خلال تغيير نظام الحكم، وبالتالي فإن الجهود المبذولة من طرفهم لتغيير سلوك نظام الحكم البعثي في العراق ذو الطبيعة الاستبدادية من خلال المكافآت والعقوبات الخارجية، سوف يكون أقل فاعلية من تغيير الطبيعة الساندة لنظام الحكم.

لقد بدأت الولايات المتحدة بالحديث عن أسلحة الدمار الشامل، وعلاقة العراق بالقاعدة، وذهبت لاحتلاله انطلاقاً من هذين المبررين، غير أنه بعدما ثبت عدم صحة هذا الأمرتحولت إلى موضوع الديمقراطية، وزعمت أنها تريد أن تدخل الديمقراطية للعراق، فطبقاً لنظرية ليدن حول الفوضى الخلاقة،لكى تنتصر الديمقراطية، يجب أن يحصل التغيير فعلاً، في كل من العراق، وإيران، وسوريا.

ولذلك فإن استبدال نظام صدام حسين بالقوة من أجل " تحرير" الشعب العراقي ومنحه" الديمقراطيـة " فهو تكريس لعقيدة بوش الجديدة المتمثلة بـ (الحرب الاستباقية) ؛ أي أن بإمكـان الولايـات المتحـدة استخدام القوة ضد أي دولة تتصور الإدارة الأمريكية أنها معادية، وهذا المبدأ انتهاك لمبدأ حظر اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية، والمادة ٤٢ من ميثاق الأمم المتحدة، تقول بأنه لا يسمح باستخدام القوة وتلك الحرب– الحرب الاستباقية – هـي نظريـاً دفاع عن النفس أو بتخويل من مجلس الأمن حرب اخترعتها إسرائيل وتتعارض مع قواعد الشرعية الدولية، ومع المصلحة الدولية المشتركة المتمثلة أساساً في حفظ السلم والأمن وضمانهما لجميع الدول، ومن المهم هنا تأكيد مبدأ " نية العدوان " بوصفه شرطاً لقيام الحرب الاستباقية لا يمكن تبريـره، ولعل أوضح مثال على ذلك هو إدانة مجلس الأمن وبشدة لهجوم إسرائيل على المفاعل النووي العراقي أوسيراك  عام ١٩٨١، وانطلاقاً مما سبق تعد الحرب الاستباقية على العراق عملاً غير شـرعي،ٍ خاصـة لأنهـا دون تفويض صريح من مجلس الأمن. إن المبررات التي ساقتها الولايات المتحدة لغزو العراق كلها واهيـة وتخفي داخل ثناياها خلفيات وأهدافاً أخرى.. وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم