آراء

هل نجح مؤتمر برلين في تسوية النزاع الليبيي؟

محمود محمد عليشهدت العاصمة الألمانية أنظار العالم، يوم الأحد الماضي الموافق 19/1/2020، بانعقاد جلسات "مؤتمر برلين" الذي يهدف للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية بعد سنوات من الصراع المسلح، الذي امتدت آثاره لتشمل المحيط الإقليمي لها.

وينظر لهذا المؤتمر بأهمية خاصة لأسباب عدة يتقدمها المشاركة الدولية الواسعة في فعالياته، والدعاية الكبيرة التي مهدت له قبل شهور من انطلاقته، باعتباره سيحدث نقلة جذرية في الملف الليبي من المسار العسكري، ليعيده إلى طاولة الحوار السياسي ويقرب وجهات النظر بين الأطراف الدولية والاقليمية المتدخلة في أزمة ليبيا والمرتبطة بأطرافها، وهو ما يميزه عن مؤتمرات عدة ناقشت الأزمة الليبية من دون التطرق إلى هذا العنصر والمحرك المهم للصراع الليبي - الليبي.

ويهدف "مؤتمر برلين" كما صرحت ألمانيا منذ الإعلان عنه، إلى تقريب وجهات النظر وإنهاء الانقسام الدولي حول ليبيا عبر الحوار بين القوى الدولية والإقليمية المؤثرة والمتأثرة بالمشهد الليبي، وهو ما تعبّر عنه بوضوح قائمة المدعوين لاجتماع برلين.

وفرضت التطورات الأخيرة المتعلقة بإعلان هدنة عسكرية وما تبعها في حوار موسكو، مساراً جديداً داخل المؤتمر يشمل قيادتي أطراف الأزمة الليبية ممثلة في قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة "الوفاق" فايز السراج، للاستفادة من هذه الهدنة وتحويلها من مؤقتة إلى دائمة عبر حوار نسقت له بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ليغطي ثلاثة مسارات "الأمني والاقتصادي والسياسي"، التي يدور في فلكها "المُختلف عليه بين فرقاء ليبيا".

ومن جهة أخري يعاود المؤتمر بشدة علي إسكات سريع دائم لصوت المدافع، فلا حل عسكريا في ليبيا كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أونطونيو جوتيرش في كلمة ألقاها وحظر بوتيرش بالخوص من مغبة اندلاع حرب أهلية تؤدي إلي تقسيم ليبيا بشكل دائم إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة وفورية .

كان جليا إذن أن جميع الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية والحاضرة هنا في برلين علي دراية دقيقة بما يجب إجراءه من اتخاذه من إجراءات حاسمة وفورية، وقد اختزلها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو  في مسارات ثلاثة : هي دعم وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا والعودة إلي العملية السياسية وإنهاء التدخل ألأجنبي، إلا أن الاختبار الحقيقي يكمن في مدي استعداد الطراف الليبية والدولية المتداخلة إلي جانب حفتر لاتخاذ ما يلزم من إجراءات في وضع حدا للحرب.

نتحدث هنا عن دعم ومشاركة لا مشروطة لنشر قوات سلام أممية تسهر علي مراقبة احترام وقف إطلاق النار ومراقبة حظر توريد الأسلحة عن انخراط تام في جهود نتائج مؤتمر برلين والتأسيس لعملية انتقالية جديدة في ليبيا، فهل ستغالب الأطراف الدولية مصلحة ليبيا والليبيين، وتتخلي عن حسابات المصالح، وبسط النفوذ، وتطبق ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر برلين، قد يأتي الرد في اليوم التالي لمؤتمر برلين وقد يطول انتظاره ليلتحق مؤتمر برلين بسلسلة مؤتمرات دولية سابقة حول ليبيا اصطدمت قراراتها بمعضلة تنفيذها أو بالأحري بغياب إرادة حقيقية لإتقاذ ليبيا.

ولقد كشفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال المؤتمر، أن القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، لن يكونا جزءا من فعاليات مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية؛ فلم لم تكن المستشارية الألمانية تعقد أمالا كبيراً علي لقائهما، يكفيها في الوقت الراهن افتكاك مواقفة الحاضرين علي أبرز الخطوات العاجلة التي تراهن عليها ضمن 55 بندا وضعت علي طاولة النقاش، في مقدمتها تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، ووضع آلية لتنفيذه، وتجريد المليشيات من السلاح، إضافة إلي تأمين المنشآت النفطية،ووضع آلية لفرض عقوبات علي من ينتهك هذه القرارات.

وقالت ميركل في مؤتمر صحفي: "اتفقنا علي خطة شاملة، والجميع موافقون على أنه يجب احترام حظر الأسلحة ومراقبته بشكل أقوى من الماضي". وتابعت أن "الوثيقة التي تمت المصادقة عليها تحتاج لتأكيد من مجلس الأمن لتدعيم حظر الأسلحة".

وانتهى مؤتمر برلين بشأن ليبيا، بإصدار البيان الختامي لحل الأزمة دون أن يشارك أيا من الأطراف الليبية في صياغة البيان أو حضور المؤتمر الذي جرى بين القوى المجتمعة؛ وجاء نص البيان الختامي لقمة برلين حول ليبيا كالتالي:

1- جمعت قمة برلين بشأن ليبيا، بدعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كلا من حكومات الصين، ومصر، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وروسيا، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن ممثلي الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية.

2- نشير –نحن المشاركين إلى بيان الرئيس المشترك بشأن الوضع السياسي والأمني والإنساني في ليبيا للاجتماع، الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية من جانب فرنسا وإيطاليا، على هامش الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة للأمم المتحدة والتي انعقدت في 26 سبتمبر 2019 في نيويورك.

3- نؤكد مرة أخرى التزامنا التام بسيادة واستقلال ووحدة ليبيا جغرافيًا وقوميًا. يمكن فقط لعملية سياسية تقودها ليبيا وتملك زمامها أن تنهي الصراع وتحقق سلام دائم.

4- يظل الصراع في ليبيا، وانعدام الاستقرار في البلاد، والتدخلات الخارجية، والانقسامات المؤسسية، وانتشار كميات كبيرة من السلاح دون رقابة، واستمرار الاقتصاد القائم على السلب والنهب، يمثل تهديدًا للسلام والأمن الدولي، حيث يوفر كل ذلك تربة خصبة للمهربين، والجماعات المسلحة، والمنظمات الإرهابية. وسمح ذلك أيضًا لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» بالازدهار في الأراضي الليبية، وتنفيذ عمليات داخل البلاد وفي دول الجوار. كذلك يسّر حدوث موجة مسببة لعدم الاستقرار من الهجرة غير الشرعية في المنطقة، وتدهور كبير للوضع الإنساني. ونحن ملتزمون بدعم الليبيين في معالجة تلك المشكلات المتعلقة بالهيكل الحكومي والأمن.

5- الهدف الأوحد لـ«عملية برلين»، التي نشارك فيها لدعم الخطة المكونة من ثلاث نقاط والمقترحة من جانب غسان سلامة، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هو مساعدة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في توحيد المجتمع الدولي في دعمه لحل سلمي للأزمة الليبية، فأي حل عسكري في ليبيا غير ممكن.

6- نحن نلتزم بالامتناع عن التدخل في الصراع المسلح، أو في الشأن الداخلي الليبي، ونحثّ جميع الأطراف الفاعلة الدولية على القيام بالمثل.

7- نعترف بالدور الرئيسي للأمم المتحدة في تيسير عملية سياسية ومصالحة شاملة داخل ليبيا استنادًا إلى الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، ومؤسسات الدولة، وقرار مجلس الأمن رقم 2259 لعام 2015، وقرارات المجلس الأخرى ذات الصلة، والمبادئ التي تم التوافق عليها في كل من باريس، وباليرمو، وأبو ظبي، إلى جانب الأدوار المهمة لكل من الاتحاد الأفريقي ولجنته العليا حول ليبيا، والمكونة من رؤساء الدول والحكومات، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، ودول الجوار، في تحقيق الاستقرار في ليبيا.

8- ندعم بشكل كامل المساعي الحميدة وجهود الوساطة، التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والمبعوث الخاص غسان سلامة، ونؤكد أن التوصل إلى حل دائم في ليبيا يتطلب نهجًا شاملا يتناول بشكل متزامن الجوانب المختلفة لاستعادة الاستقرار.

9- ندعو إلى اتخاذ خطوات ذات مصداقية قابلة للتحقق، ومتسلسلة، ومتبادلة، تبدأ بهدنة تلتزم بها جميع الأطراف المعنية، وتؤدي إلى وقف شامل ودائم للأعمال العدائية كافة، بما فيها عمليات القصف الجوي في الأراضي الليبية. سوف يشمل وقف الأعمال العدائية أيضًا إعادة نشر الأسلحة الثقيلة، والمدفعية، والمركبات الجوية، وإيواءها وتجميعها، وإنهاء كل التحركات العسكرية، التي تقوم بها الأطراف المتصارعة، أو التي تتم كدعم مباشر لها، في الأراضي الليبية كافة مع بداية عملية وقف إطلاق النار.

10- ندعو إلى اتخاذ إجراءات لبناء الثقة مثل تبادل الأسرى ورفات القتلى.

11- ندعو إلى عملية شاملة تبدأ بالتزامن مع ترتيبات وقف إطلاق النار، وتسريح أفراد الجماعات المسلحة، ونزع سلاحها في ليبيا، ودمج الأفراد المؤهلين في المؤسسات المدنية، والأمنية، والعسكرية، بالدولة، على أساس فردي، وبناء على إحصاء لأفراد الجماعات المسلحة، وعمليات تدقيق مهنية. ندعو أيضًا الأمم المتحدة إلى تقديم المساعدة لإنجاز هذه العملية.

12- ندعو إلى وضع ترتيبات أمنية مؤقتة فعّالة يحمي من خلالها الجيش، والشرطة، وقوات الأمن، المناطق السكنية، ومرافق البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المقرات الحكومية، والمطارات، والموانئ، والمعابر الحدودية، ومنشآت النفط، ومحطات الكهرباء، ومرافق البنية التحتية الاستراتيجية الخاصة بالمياه.

13- سوف تؤكد جميع الأطراف مرة أخرى على انفصالها عن أي جماعات إرهابية مدرجة على قائمة الأمم المتحدة.

14- ندعو إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2368، والقرارات الأخرى ذات الصلة المتعلقة بتنظيمي «داعش» و«القاعدة»، والأفراد المصنفين إرهابيين، والجماعات والكيانات المصنفة إرهابية، خاصة البنود المتعلقة بحظر السفر، والتجميد الفوري للأموال وغيرها من الأصول المالية، أو الموارد الاقتصادية للأفراد المصنفين إرهابيين، والكيانات المصنفة إرهابية.

15- ندعو الأمم المتحدة إلى تيسير مفاوضات وقف إطلاق النار بين الأطراف، ويشمل ذلك إنشاء لجان فنية فورًا لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، والتحقق من ذلك، إلى جانب تسريح أفراد الجماعات المسلحة، وتنفيذ الترتيبات الأمنية المؤقتة.

16- ندعو مجلس الأمن إلى فرض عقوبات ملائمة على من يثبت انتهاكه ومخالفته لترتيبات وقف إطلاق النار، وإلزام الدول الأعضاء بتنفيذها.

17- ندعو الدول الأعضاء إلى الالتزام بدعم البند الخاص ببعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2486 لعام 2019 بتوفير ما يلزم من أفراد ومعدّات لدعم عملية وقف إطلاق النار بنجاح.

18- نلتزم بشكل صريح وكامل باحترام حظر توريد الأسلحة الوارد في قرار مجلس الأمن رقم 1970 لعام 2011 وتنفيذه، وكذا ما أعقبه من قرارات المجلس بما في ذلك حظر انتشار الأسلحة في ليبيا، وندعو جميع الأطراف الفاعلة الدولية إلى القيام بالمثل.

والسؤال الآن: كيف نقرأ مؤتمر برلين من خلال تلك البنود من وجهة نظر الجيش الليبي ومصر والعالم العربي، ومن زاوية المغانم والمخاسر بالنسبة للطرف الأخر وهو رجب طيب أردوغان وحكومة السراج، وذلك علي النحو التالي: إن هذا المؤتمر أفرز عن وثيقة لابد من الالتزام بها ويشهد عليها الكثير من زعماء العالم الذين حضروا المؤتمر من أمثال مصر وفرنسا وانجلترا وأمريكا... وهلم جرا، كما كشفت تلك البنود أن الطرف التركي كان خارج المعادلة، حيث أدرك أنه لا مكان له وسط المعادلة وأن التكتلات التي قامت بها مصر وإيطاليا وفرنسا والإمارات جعلت هذا المؤتمر يسير في تكتل واضح جدا لاتجاه فيما تفكر فيه تلك الدول ومعهم الاتحاد الأوربي؛ وبالتالي فإن كل القرارات التي صدرت في الوثيقة تصب في مصلحة حفتر ولا تصب في مصلحة السراج من خلال ما ورد في الوثيقة من وقف إطلاق النار وكيفية نوع السلاح .

وأخيرا نختم مقالنا بتساءل المراقبون للمشهد الليبي وكواليس "مؤتمر برلين" ماذا بعد نجاح أو فشل المؤتمر؟ ما السيناريوهات المتوقعة وإلى أين ستمضي بالبلاد؟

والإجابة علي ذلك نقول: ذهبت كل التوقعات إلى ترجيح أربعة احتمالات في ليبيا ما بعد برلين، الأول تثبيت الهدنة والاتفاق على سلام دائم بإشراف دولي. والثاني فشل المفاوضات وفرض استمرار وقف إطلاق النار بقوة دولية. والثالث انهيار المفاوضات لتتبعها الهدنة وتشتعل المعارك من جديد؛ وهناك سيناريو قاد حدة الاصطفاف وعمّق الخلاف بين معسكري الصراع الليبي إلى مطالبات غير مسبوقة، يتمثل في اقتسام البلاد باعتباره حلاً أخيراً لخلاف استنزف كثيراً من المقدرات والدماء، وهذا الخيار الرابع كانت أصوات كثيرة قد صرحت بالتحذير من وقوعه وانزلاق البلاد إليه طيلة السنوات الخمس الماضية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم