قضايا

صراع "المركزيات" بين الثقافة والسياسة (2-3)

علي ثوينيمكث العداء المعلن للغرب وإسرائيل شماعة يعلق عليها كل (متدين) أو(ثوري) شعاراته، ولايشترط أن يمارس ذلك. وقد تمادت تلك الحركات في "مهدويتها" والتبشير بالقدم المزهر المثمر، وأعلنت "رومانسياً" أنها ستعيد الخلافة الإسلامية التي الغيت عام 1923 في تركيا الحديثة، وكأنها إشعار بنهاية مصائبنا، حينما نختار خليفه بمواصفات السلطان العثماني الذي ترك شعوب وقبائل تتقهقر حضاريا لينعم بقصوره على البسفور، او الخليفة المستعصم العباسي الذي أختزن المال ليغوي التتار ويحتلوا بغداد ويستحوذوا على الذهب المخزن. ومن المفارقات أن (الولي الفقيه) في إيران لم يدعوا إلى خلافة، بل إلى ولاية سلطوية له وجماعته. وكم راق لي أن أشابه بين تلك الولاية المختارية مع دعاوى لينين في (دكتاتورية البروليتاريا) في حالة للطبيعة البشرية للتمركز حول الثلة والجماعة الصغيرة والحزب، وهي مركزيات بصفة أخرى.

نقرأ في هذا السياق أن المرشد العام لجماعة (الإخوان المسلمين) في مصر الدكتور محمد بديع أنه قال في تصريح له بعيد حصول حزب (الحرية والعدالة) ([5]) على الأكثرية في انتخابات مجلسي الشعب والشورى التي أُجريت في مصر: (يبدو أن حلم حسن البنا في استعادة نظام الخلافة الإسلامية قد قارب على التحقق وسنصبح من بعد - كما خطط لذلك - أساتذة العالم)([6]). لا بل أن جماعة (داعش) التي يثار اللغط بصدد مؤسسها وداعمها ومررها والمستفيد منها ، أستغلت تلك الأوضاع المضطربة في سورية، وأرادت أن تختصر الطريق فأعلنت قيام دولة (الخلافة الإسلامية) في سورية والعراق، وتمت البيعة لأبي بكر البغدادي باعتباره (خليفة المسلمين)، رغم الشكوك حول أصله وفصله وسيرته. ثم توسعت الظاهرة في بلدان عربية أخرى مثل ليبيا، لتبايعه وتمشي على خطاه، ويذكرنا بالتوسعات (القومية) التي بدأت بجمال عبدالناصر وأمتدت لسلطات عروبية في اليمن وليبيا والعراق وسوريا.

لابد من الإقرار بأن المركزية الإسلامية ليس موحدة ومنسجمة مع أهداب الدين المحمدي الواحد، فلكل فئة وطائفة مركزيتها وخطابها، وربما كان هذا سبب في تشرذم الخطاب وعدم وإنضاج برامج دفاعية وهجومية وذرائع وحجج مفاهيمية مشتركة، تؤطر تلك المركزية، كما حدث مع المركزية الغربية رغم عواهنها، سيراً على مبدأ (الجود من الموجود). وهنا نلمس أن الغربيون طرقوا بمركزيتهم الجانب الثقافي بعمق، وذلك من خلال وعيهم بأنه الأخطر والأمضى أثراً، بينما الإسلاميون طرحوها من خلال خطاب روحي مفعم بالغيب والإعجاز الملتبس، ولايطأ البرهان العقلي في كثير من حيثياته، ويلجأ للاسطرة والمهدوية حينما لايجد الحجة المقنعة، في عالم مطنب بماديته وأجيال غمرت بهذا التوجه.

وهنا لابد ان نقر بأن المعرفة تشكل بذاتها سلطة، أي أن الخطاب الواعي الواقعي أو المتفذلك يجد من يذعن له من سواد الناس أو نخبهم. لذا فإن من يسبق إلى الحقيقة وطرحها، سوف يتحصن بمناعة، بل ويكتسي سلطة، لم نعيها بالثقافة العربية للأسف، فتركنا المبادرة للآخر وأذعنا في كثير من التوجهات المصيرية في الثقافة والسياسة. ولنضرب مثلاً إصرار الأمريكان على تطوير علوم الحاسوب، كونه شكل بالنتيجة جزء من هيمنتهم على العالم، بل أنه أخترق العالم، وأطلع على مالم تعرفه جيوش من جواسيسهم في السابق، لابل وجهوا من خلال أحجية (مواقع التواصل الإجتماعي) آراء الناس إلى مايشتهون ويراد أن تكون الأمور والرأي العام. وهنا نقر بحقيقة أن الثقافة الأمريكية جاءت منقذة للثقافة الأوربية بعد ترنحها، بما استوجب الرضوخ لها والإذعان لخطابها، رغم حساسية الأوربيين من عدم مسكهم زمام المبادرة للعالم، لكن بالنتيجة مازالت الأمور تسير لصالحهم ولو لحين. وحسبنا أن (مشروع مارشال) لإعادة بناء أوربا الخربة بعد الحرب الثانية وربط إقتصاديات وثقافات الأوربيين بالحلول الأمريكية المفعم بالعنجهية والأنانية، كان بداية الإستسلام الأوربي وبداية عالم جديد، بل ونفس جديد للمركزية الغربية.

 لقد اشار الشيوعي الإيطالي انطونيو غرامشي صاحب مفهوم (المثقف العضوي)، بإن القوة الخارقة للتغيير الإجتماعي تكمن في الثقافة والفكرة التثقيفية، وأن الاحتلال الحقيقي هو الاحتلال الثقافي لا العسكري أو السلطوي، لأنها تخترق العمق، فنحن لا نسيطر على الثقافة التي نكتسبها ولا على الفكرة التي نتبناها ونؤمن بها، بل هي التي تسيطر علينا، وهذا ما أسماه غرامشي بالهيمنة الثقافية Cultural Hegemony. وهنا نعيد الذاكرة لما طرحة الرعيل الإسلاموي الأول مثل الشامي عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد" بأن الاستبداد (الهيمنة)، ستطأ اقصاها من خلال أدوات الاستبداد الديني، لأن الدين الذي وصل زماننا اليوم، يحاول من خلال الخطاب السلطوي وبمعين وعاظ السلاطين "كما سماهم علي الوردي"، يشكّلون حالة من الخنوع والعبودية التي يتطابق بها حافرا الوضع السلطوي مع الديني ، لتجعل من الإنسان يخاف التفكير في رفض السلطة كما الكفر بالخالق المنزه، وهذا مناف لحقيقة وسببية وجود الدين الذي كان يعني منذ مفهوم (Di)السومري، بما يعني الحق والعدل، ومنه ورد المدين/المدينة، الذي هو الحالة الحضارية التي يمارس بها الحق والقانون بمثالية عالية للهيمنة على نزوات وأنانية وجشع وطمع الإنسان. لذا فالدين الذي نحن به والمركزية التي تدعوا لها القوى الدينية محرفة عن المنطلقات التي تأسس عليها الإسلام.

وحري أن نطرح مركزية قريبة من الثقافة العربية تناصبها العداء وتنتظر التشهير والإستهانة بها، وهي المركزية الإيرانية(الفارسية)، فهي وبسبب التكوين الديني واللغوي تعد من هالات الثقافة العربية بل وتابعة لها، لذا لجأت لتغطي هذا الوهن بالسياسة، وتستغل التشيع لتمرير مركزيتها ولاسيما في منطقة الخليج والجزيرة العربية والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وبدأت تتمدد نحو أفريقيا بفعل بعض اللبنانيين التابعين لخطابها، مصلحة أو تعصبا أو تغريراً. وتلك المركزية تعتمد على مقولات تراكمية تحمل وتحث على تأجيج مزاعم تأريحية، أكل الدهر عليها وشرب، وتشوبها ضبابية السرد والنقل والزعم، وتحاول أن تؤطرها بيقين العيارة والحيلة، لتخلط المقدس بالتاريخ والسياسة بالمدنس، وتسعى لأن تكون قطب متبوع وليس تابع، في حالة من نزعة للإنتقام المبطن من الثقافة العربية التي دمغتها منذ التأسيس الأول لتلك الثقافة.

ومن المعلوم أن حوالي 70% من اللغة الفارسية هي مفردات عربية وأنها تكتب بالخط العربي وأن دينها عربي بل أن مذهبها الذي أصله سياسي من خلال التشيع للإمام علي، والإمام عربي وقدوة أخلاقية وثقافية، لكنها تسعى جاهدة للنيل من تلك الثقافة، رغم أنها مقطوعة ثقافياً وتحتاج إلى بعد ومدى ثقافي تتكأ عليه، فهي ليست هندية رغم أن جذور لغتها سنسكريتية، وهي ليست تركية، بل أثرت بالثقافة التركية خلال هجرتها من آسيا البعيدة للصغرى، وهي ليست سلافية رغم غزلها مع الروس جيرانه الشماليين، وهي ليست تترية ولا خراسانية ولا كردية، بل والأنكى تنكرت بأن صلبها الثقافي والتاريخي عربي، وتعيش بها اقلية عربية صادرتهم بمؤامرة مع الإنكليز حينما صادرت منطقة الأحواز العربية.

ونجد أن المعارضين السياسيين، القوميين والشيوعيين والعلمانيين فيها يذهبون أن سلطتهم (الملالي) عربية، رغم التوجه المظلل، والموحي بعداء ومحاولة إحتواء من طرف تلك السلطة الغرائبية، كما حدث في العراق من أثر الإحتلال الأمريكي الذي يبدوا أنه كان مدستر سلفاً مع الإيرانيين حينما تقاسموا السلطة معهم، ثم رجحت لهم اليوم بالحيلة والتزوير والتدوير، وهو الأمر الذي لم يهم الأمريكان قطعاً، فهم اي نعم يمثلون المركزية الغربية ويدافعون عنها، لكن تدفق النفط وبناء القواعد يهمهم أكثر من الثقافة وحيثياتها. فهم لايريدون أن يغيروا العراقيين ثقافيا من خلال مركزيتهم التي أمست سياسية، بيد أن الإيرانيين شاركت مركزيتهم سياسياً، لكنها تسعى للثقافة، بل وتغيير وجه العراق الثقافي من خلال عدة إجراءات تطبيقية تقوم بها سلطة العراق التي عينتهم وهم بجلهم من اصول غيرانية، او ممن يسير بركبهم.

 كان العراق قد تبع لآخر ثلاث ممالك أنطلقت من فرس هي الأخمينية التي قطعتها المقدونية لقرنين ونيف ثم عادت الفرثية ثم كان آخرها (الساسانية)، واستغرقت تسعة قرون، وقد أنهاها المسلمون عام 630 م دون أن تعود ثانية منذئذ، رغم محاولات البويهيين والصفويين لأعادتها دون طائل. لكن مكث القوم يسعون جاهدين للعودة بالهجرة والسياسة والثقافة واليوم بالإحتلال، وسط فوضى عارمة تعم العراق من أثر التحول من الشمولية البعثية إلى (الفوضى الخلاقة) الأمريكية والنهب الإيراني الممنهج.

 وفي لعبة الصراعات التي تلتبس بها السياسة بالثقافة ، كما الإحتلال الأمريكي\ الإيراني للعراق اليوم، والتي لا تفوت اللبيب والمتابع، حينما يوصله وعيه إلى إيحاءات بأن المركزيتين(الغربية والإسلاموية) محركهما واحد، ومسيّرتان من آمر ناه مشترك، تسير نحو خلق بؤر صراعات دائم، يموه ويتماهي مع معطيات الظروف العالمية. فقد ألفنا في الماضي القريب ولاسيما في تجربة تأسيس الأحزاب السياسية والسلطات ببلداننا، بأنها ومن أجل أن تمسك وتتحكم بمجمل خيوط اللعبة، فأنها تصنع التوجه ونقيضه، وتشير المعطيات المنقولة والمعقولة، بأن القوتان اللتان تنازعتا وأقتتلتا وقدمتا (الشهداء) من القوميين والشيوعيين في الماضي القريب، قد اسستهما جهة واحدة كانت تحرك الواحد ضد الآخر، ولايشترط علمهم في ذلك، بين قواعد مغرر بها وتواقة للخلاص وقيادات تعمل بالمبطن مع تلك الجهات، وتابعة لأملاءاتها. وقد أستثمرت تلك اللعبة بشكل مثالي إبان مادعي (الحرب الباردة 1947-92). فنجد اليوم مثلاً أن سلطة العراق التي عينها المحتل الأمريكي بإتفاق إيراني معلن ومبطن، تتعارك مع داعش التي أسسها نفس المحتل الأمريكي ومررتها إيران بالبر من أفغانستان(القاعدة)، ومولها بعض الخليجيين كما قطر المريبة، ومررها أردوغات السلطان التركي الجديد، وسيرتها إسرائيل بعناية، بل عالجت حتى المصابين من المقاتلين في مشافيها، وذلك بغرض إستنزاف سوريا والعراق وتفريق شمل العرب، وإشغال الشعوب بما يديم بقاءها، والأهم تحريك ذيول مخابراتها لتمرير المؤامرة، وإعطاء الإنطباع الاسوء عن الإسلام الذي يتهم بأنه (دين إرهاب) كما سوقوا في الإعلام لذلك، ويكاد أن يصبح مسلم به في المركزية الغربية.

نقرأ للباحث العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم في كتابه عن صراع المركزيات :(المطابقة والاختلاف: بحث في نقد المركزيات الثقافية)، حيث خصص فصل فيه لتلك المركزية وأفرد لها عنوان: (المركزية الإسلامية: التفاعلات المعاصرة وحدود المفهوم)، وأرجع نشوءها تاريخياً إلى التفرقة التي أقامها القدماء بين (دار الإسلام) و(دار الحرب). وفي رأينا أن (المركزية الإسلامية) قامت على عدم إدراك وتأويل دقيق وغير واقعي للقبس القرآني (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، التي تشير "بماضويتها" إلى دين إبراهيم الخليل، ومن تبعه في خط تصاعدي توج بالإسلام المحمدي، ولم يشر إلى تفاضل أو مختارية كما قال اليهود (شعب الله المختار). ويذهب الدكتور عبدالله إبراهيم إلى أن المجتمعات الإسلامية تعيش حالياً ازدواجية خطيرة تختلط فيها قيم روحية وقيم مادية ولم تفلح أبداً في فك الاشتباك بينهما على أسس عقلانية واضحة، فالقيم الأولى حبيسة النصوص المقدسة وحواشيها، وقد آلت إلى نموذج أخلاقي متعال يمارس نفوذاً يوجه الحاضر انطلاقا من الماضي! ([7]). وهذا برأينا دين كل المركزيات، فلم تتنصل المركزية الغربية عن مزاعم جذرها الماضوي اليوناني الروماني رغم وهنه، ومن المسيحية رغم انها "مستوردة" على ثقافتهم وعقليتهم.

ثمة أمر مريب لابد من تذكره في سياق (المؤامرة)، يشير إلى أن كل الإنقلابات التي حدثت في البلدان العربية سارت على هدى خط مرسوم لها. بل من المستغرب أنها أقتصرت بعشرية الستينات لجلها تقريباً، وكأنها كانت مبرمجة بعناية بعيد الإستقلالات الوطنية الواهية. ولم تتكرر تلك الظاهرة العجائبية إلا اندر. وفحواها أن يتفق مجموعة من العساكر(الضباط الصغار وضباط الصف) ويركبون كم دبابة وآلية عسكرية ويقتحمون قصر الحكم ومحطة الإذاعة، ويذيعون البيان الأول، المعد بتكرار ممل مثل سابقيه ولاحقيه، لتصبح لهم بعد ذلك وبقدرة قادر شرعية (ثورية) وسط تهليل وإسناد مكشوف من قوى خارجية. وكانت في العراق وسوريا نموذجية، ولاسيما في سيناريو إيصال حزب البعث (العروبي) لسدة الحكم عام 1963، بينما لم تحدث في الأردن الواقع بينهما مثلا، كونها وببساطة تتبع سلطة ملكية مرغوب بها، بل منصبة من الاساس، ولايحبذ المساس بها، أو مصلحة بتغييرها.

وحدث إستقرار نسبي لتلك السلطات (الثورية) في بداية السبعينات، أن تنضج حالة صراع طائفي عابر للعلمانية التي سارت عليها كل السلطات الإنقلابية. ويمكن أن نؤرخ للشروع بمشروع الصراع الديني منذ 1979، ومؤشراته الدامغة كانت أربع: أولها إيصال صدام حسين لسدة الحكم وسلطة القرار في العراق بعد 16 عام من إيصال حزب البعث([8]). وثانيها إعادة آية الله الخميني من فرنسا على طائرة (آير فرانس) ليصادر الثورة الشعبية الإيرانية الناضجة. وثالثها هجوم إبن جهيمان العتيبي على الحرم المكي، ورابعها تحريك الروس لأحتلال أفغانستان وإعلان النفير الجهادي بما يشبه حرب بين الإيمان الإسلامي والكفر الشيوعي، رغم أن أفغانستان أحتلت عام 2001 ولم يعلن أحد هذا النفير لنصرتها. لا بل أن بغداد عاصة الخلافة الإسلامية لـ 508 سنين شمسية، أحتلها الأمريكان ولم يبادر أحد لأعلان الجهاد لإفتكاكها حتى اليوم، بل شمت البعض بالعراقيين وأتهموهم بأنهم خذلوا صدام حسين، ولم يفكروا بأن العراق ضاع على أثر ماحدث. وتداعت تلك الأحداث بالنتيجة إلى حالة الفتن الطائفية التي نعيشها اليوم في عالم المسلمين، لاسيما بين (السنة والشيعة) كما في العراق وسوريا مثلا، أو سلطة العسكر و(المجاهدين) كما في الجزائر ومصر.

لقد استمرت دعاوى التفرقة بين الغرب والشرق قروناً أخلت سبيلها إلى مفهومي(العالم الغربي) و(العالم الإسلامي) رغم أننا نعيش في عالم متداخل المصالح والعلاقات والأفكار، بل أن فسيفسائية جغرافيتنا تجعل من الصعب وضع خريطة كتلية منفصلة للعالمين. وهذا الوضع المتأزم يكرر ببغاوية سجالات القرون الوسطى التي يقوم نموذجها الفكري على الثنائيات الضدية العدوانية. لكن ماتناساه مؤلف الكتاب بأن المركزية الغربية نشأت أيضا في حقبة الثنائيات إياها، وبداياتها تشير إلى سبب إقتصادي\سياسي، حينما هيمن المسلمون على مستعمرات شرقية بيزنطية وفارسية، بل واسقطوا الدولتين، والأهم أنهم هيمنوا على طرق القوافل في العالم القديم التي كانت سببا كافيا في إفقار الغرب، بل أن القرون الوسطى ودخول الغرب في دوامة التخلف يعود لأسباب إقتصادية محضة، وتصاعد حتى النهضة بعد الف عام، ولم ينقذهم إلا نهب المستعمرات في العالم الجديد والقديم. لذا لم يكن ممكن أن لايناصب الغرب، الشرق، بل يبيت له كل ضغينه ويتهمه بكل سئ، ويتربص للإنقضاض عليه والإقتصاص منه. وربما كانت الحروب الصليبية إحدى سماتها، ثم حروب (الإسترداد) التي شنتها إسبانيا ومن ورائها الغرب على شمال أفرقيا وأستغرقت ثلاث قرون وتوجها إحتلال فرنسا للجزائر عام 1830. ونتذكر تأريخ دخول القوات الفرنسية، دمشق 1920، حيث قام قائد القوات الفرنسية فى الحرب الأولى، الجنرال هنرى غورو، بالتوجه نحو قبر صلاح الدين الايوبى وذكره اللواء راشد الكيلاني فى مذكراته، حيث قال: (ها نحن عدنا فانهض لترانا فى سورية).

 

د. علي ثويني

 

في المثقف اليوم