قضايا

أهلُ البيت

مجدي ابراهيمتعددت الوسائل الشريفة لتكون رياضاً نضرة يتخذها الصالحون طريقاً لمحبة الله ومحبة رسوله؛ صلوات الله وسلامه عليه؛ ومنها محبة أهل بيت رسول الله؛ فما من أحد يزعم أنه يحب سيدنا رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - وهو في الوقت نفسه لا يحبُّ آل بيته رضى الله عنهم وأرضاهم؛ فمن أحبه أحب أهل بيته. في هذا المقال لستُ أضيف جديداً بوجه من وجوه الجدّة المتعارف عليها، غير أني أضيف محبة ليس أكثر؛ فالذي دفعني إلى الكتابة هو الحبّ. من أجل ذلك سأركز على تلك النقاط التالية ولا أزيد.

(1)

إذا كان جوهر الإيمان الحب، وكان جوهر الحبّ الإتباع فمن المؤكد أن طريق الإتباع هذا يعني تجريد الطاقة كلها ناحية المحبة لله ورسوله وآل بيته وللمؤمنين؛ ثم اتصال هذه الطاقة كلها بمنابع الحب الشريف في أشرف وأطهر وأنقى بيوتات الشرف والمكرمة.

ولئن كانت محبة الله مجعولة في عين الإتباع لحب رسول الله، عليه السلام، فمحبة رسول الله مجعولة في حب أهل بيته رضى الله عنهم، بهم تتنزل الرحمات. وفي الحديث قوله صلوات الله عليه:" لا يحب أهل البيت إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق"؛ فقد جعل من مقومات الإيمان ومقتضياته حبّ أهل البيت بمقدار ما جعل من مظاهر النفاق وأركانه بغض أهل البيت، ولا يبغضهم إلا منافق لم يذق طعم الإيمان ولا يشتاق مطلقاً بأشواق المحبين.

وبالجملة؛ فمحبة أهل البيت فريضة على كل مسلم ذاقَ حلاوة الإيمان لا بل هى امتدادُ موصول بحب الله مادام الله قد أوجب علينا مودتهم كما في قوله تعالى:" قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى"؛ لما أن نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وَجَبَتْ علينا مودتهم؟ قال عليه السلام: علىُّ، وفاطمة، وولدهما، وأبناؤهم".

(2)

علامة حبّ الله هى محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإتباعه، كما جاء في قوله تعالى:" قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، وليس يخفى كذلك أن من علامات محبة رسول الله محبة آل بيته الأطهار. وفي الحديث أنه صلوات الله عليه قال:" أحبوا الله لمِا يَغْذُوكم به من نعم، وأحبوني يحببكم الله، وأحبّوا أهل بيتي بحبّكم لي". وعن ابن عمر رضى الله عنهما عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه موقوفاً عليه أنه قال:" ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته". والحديث رواه البخاري موقوفاً غير مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام ومعناه: راعوه واحترموه وأكرموه فيماذا؟ في أهل بيته. ومن المؤكد إنّ إكرام أهل بيت رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ومحبتهم وبيان فضلهم، شعيرة إيمانيّة لا شك فيها ولا خلاف:" ومن يُعَظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب". وقد قال تعالى:" إنما يريد الله ليُذْهِبَ عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً". وأهل البيت: هم بنو هاشم: وبنو المطلب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد".

(3)

في حديث طويل رواه مسلم بسنده عن يزيد بن حيَّان أنه قال:" انطلقتُ أنا وحصين بن سبرة، وعمرو بن مسلم، إلى زيد بن أرقم رضى الله عنهم، فلمّا جلسنا إليه قال له حُصين: لقد لقيتَ يا زيد خيراً كثيراً؛ رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسمعتَ حديثه، وغزوتَ معه، وصليتَ خلفه، لقد لقيت خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال يا ابن أخي والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما حدثتكم فأقبلوا، وما لا فلا تكلِّفُونيه ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى حُمَّاً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثني عليه، ووعظ، وذكر، ثم قال:" أمّا بعد: ألا أيها الناس؛ فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب؛ وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به "؛ فحثَّ على كتاب الله وَرَغَّبَ فيه، ثم قال:" وأهل بيتي؛ أذكِّركم الله في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي". فقال له حُصَين:" ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته مَنْ حُرِمَ الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال هم آلُ عليُّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس؛ قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال نعم.

وفي رواية:" ألا وإني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله وهو حبل الله؛ أي عهده وسببه؛ من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة. والثقلان: يقال لكل عظيم الشأن خطير الأمر (ثقل)، لعله من عظم شأنه وخطر أمره على الله، وما أعظم القرآن هدى وبيان، وما أعظم قدر أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم قدراً مرفوعاً على الدوام بمقدار رفعته وبمقدار مكانته صلى الله عليه وآله وسلم في كل قلب يؤمن بالله ورسوله.

(4)

من هم أهل البيت؟

كثيرة هى اختلافات العلماء حول تحديد المقصود بأهل البيت. إذا كان زيدُ بن أرقم قد رأى أن أهل البيت هم من تُحَرَّم عليهم الصدقات بعد النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ فمن العلماء من يرى أن أهل البيت هم أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأزواجه، والحسن، والحسين، وكذلك علىُّ بحكم معاشرته لفاطمة الزهراء رضى الله عنها وملازمته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا رأيُ الفخر الرازي، في حين يذهب كلٌ من عطاء وعكرمة وابن عباس إلى أن أهل البيت هم زوجات النبي عليه السلام؛ استناداً إلى قوله تعالى:" إنما يُريدُ الله ليُذْهِبَ عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً"؛ اعتماداً من جانبهم على سياق الآية الوارد في خطاب الله سبحانه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم في ست آيات. وضَعَّفَ آخرون هذا الرأي حين رأوا أن آل البيت هم: على وفاطمة والحسن والحسين وأبناؤهما. وأن الآية الكريمة قد نزلت فيهم؛ بدليل أن الخطاب فيها جاء بميم الجمع، ولم يرد بنون النسوة، وأيّدوا رأيهم هذا بحديث أم سَلَمَة رضى الله تعالى عنها حيث قالت:" نزلت هذه الآية في بيتي، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم، علياً وفاطمة وَحسناً وحسيناً، وأدخلهم معه في كساء خيبري، وقال:" هؤلاء أهل بيتي وقرأ الآية؛ ثم قال:" اللَّهم أذهب الرِّجس عنهم وطهّرهم تطهيراً ".

تقول أم سَلَمَة رضوان الله عليها فقلت: يا رسول الله، وأنا معهم؟ قال: " أنت على مكانك وأنت على خير". وفي حديث أبي سعيد الخدريّ عن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: نزلت هذه الآية:" إنما يُريدُ الله ليُذْهِبَ عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً"؛ فيَّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة.

(5)

المقصود بأهل البيت في رأي آخرين من العلماء ممَّن كانوا قد اختلفوا حول تحديد من هم أهل البيت؟ هم جميع ذريّة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام:" ما بالُ قوم يؤذونني في أهل بيتي؟ والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني، ولا يحبني حتى يَحب ذريتي". وهذا هو الرأي الذي يرجح بين جميع الآراء التي شَقَّتْ صف الأمة نصفين (سُنَّة وشيعة) وهى اختلافات موجّهة لا يعول عليها، لعبت فيها السياسة في المنشأ دوراً مهماً وَظفت المحبة لآل البيت عند بعض فرق الشيعة توظيفاً سياسيّاً.

أهل البيت هم: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وأبناؤه وبناته، وذُريتّه بما فيهم فاطمة رضى الله عنها، وعلى كرم الله وجهه، والحسن والحسين، والسيدة زينب رضى الله عنهم وسائر ذُريَّاتهم؛ مع وجود خصيصة بلغت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم مبلغها كانت تتجه مباشرة للحسين وإخوته، وممّا رواه أبو هريرة أنه كان عليه السلام يَدْلَع لسانه للحسين، فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه، وكان صلوات ربي وسلامه عليه هو الذي سَمَّاه؛ وسمى من قبله أخاه، قال على رضىَ الله عنه:" لمّا ولد الحسن سميته حرباً فجاء رسول الله فقال:" أروني ابني ما سميتموه؟" قلت (حرب) فقال: بل هو حسن. فلما ولد الحسين سميته حرباً، فجاء رسول الله فقال:" أروني ابني ما سميتموه؟" قلت (حرب) فقال: بل هو حسين. وكان يقول لفاطمة:" ادعي إليَّ ابنيَّ" فيشمهما ويضمهما إليه، ولا يبرح حتى يضحكهما ويتركهما ضاحكين .. صلوات الله وسلامه عليه.

 

بقلم: د. مجدي إبراهيم

 

 

في المثقف اليوم