قضايا

الإرهاب البيولوجي.. خطر كبير يهدد بفناء الإنسانية

محمود محمد عليبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 التي هزت الوسط العالمي والأمريكي؛ خاصة بعد وقوع مجموعة هجمات إرهابية توجهت طائرات نقل مدني تجارية لتصطدم بأهداف محددة وبعد رفع وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد مستوى الديفكون إلى 3 وهو مقياس أمريكي يحدد درجة التهديد على الأمن القومي الأمريكي ومستوى إنذار للقوات الأمريكية للتعامل مع التهديد، حدث أنه بعد شهر من الكارثة ومع اشتغال العالم بما حدث في قلعة الحرب على الإرهاب اصطدم المجتمع الأمريكي بوفاة أول مريض بمرض الجمرة الخبيثة وبعد وفاته بأيام قليلة يسقط عشرون ضحية أخرى.

ولأن أعراض هذا المرض غير مميزة فكان عدد الموتى يزيد ولهذا قامت السلطات الأمريكية بفتح تحقيق تحت إشراف مركز السيطرة على الأوبئة والوقاية منها CDC على عودة المرض فجأة بعدما كان مختفيًا منذ مدة طويلة جدًا وجدوا أنه قبل ظهور الأعراض كان يصل للمرضى مجموعة رسائل مرسلة من مجهول مع محتوى غير محدد لكن الرسائل تلك كانت تحتوي على شيء أكبر من مجرد كلام غير منطقي بل كان فيها غبار وذلك الغبار الذي انتشر في الجو بعد فتح الرسالة هو عبارة عن مليارات من الخلايا الجرثومية المسببة لمرض الجمرة الخبيثة وللأسف بعد وفاة كل هؤلاء المرضى لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية من حل لغز هذه القضية بعد لكن كل ما أدلت به السلطات بأن الحادثة لأنها متعمدة سوف تصنف كعملية إرهاب بيولوجي.

ووسط التغطية الكبيرة لحفل تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد ذلك تداخلت أخبار مقلقة لم يتسني تغطيتها التغطية الوافية، وقد ثبت أنها تستحق أن تعطيها إدارة أوباما الانتباه الكامل، وهي أحداث تتعلق بالإرهاب البيولوجي، حيث بدأت القصة في السادس من يناير بتقرير ظهر في صحيفة الشروف الجزائرية يفيد التقرير أن عددا من الإرهابيين في أحد مخيمات التدريب التابع للقاعدة بالمغرب الإسلامي يموتون من الطاعون، كما وأكدت صحفية النهار الجزائرية أن 50 إرهابيا تم تشخيصهم بإصابة بالوباء، وأن 40 منهم قد لقوا حفتهم جراء المرض الذي سلط عليهم كسلاح بيولوجي .

والإرهاب البيولوجي Bioterrorism  وهو يعني الإرهاب الذي ينطوي على الإطلاق أو النشر المتعمد للعوامل البيولوجية. وهذه العوامل هي البكتيريا، والفيروسات، والفطريات، أو السموم، وقد يتم إطلاق هذه العوامل بشكل طبيعي أو عن طريق إطلاقها من قبل البشر كما يحدث في الحروب البيولوجية.

فوفقاً للمراكز الأمريكي لمكافحة الأمراض واتقائها فإن الإرهاب البيولوجي هو الإطلاق المتعمد للفيروسات والبكتيريا والسموم والعوامل الضارة الأخرى التي تسفر عن مرض أو موت البشر أو الحيوانات أو النباتات. عادةً ما تتواجد هذه العوامل في الطبيعة، ولكن يمكن تحويلها وتغييرها لزيادة قدرتها على إحداث المرض، أو جعلها مقاومة للأدوية الحالية، أو لزيادة قدرتها على الانتشار في البيئة. يمكن أن تنتقل العوامل البيولوجية عبر الهواء أو الماء أو في الغذاء. يميل الإرهابيون إلى استخدام العوامل البيولوجية لأنه من الصعب للغاية اكتشافها ولا تظهر علامات المرض إلا بعد انقضاء عدة ساعات أو عدة أيام. هنالك بعض عوامل الإرهاب البيولوجي التي يمكن أن تنتقل من شخص لآخر، مثل فيروس الجدري وبعضها لا يمكنه الانتقال من وشخص لآخر مثل الجمرة الخبيثة.

وبالتالي أضحي الإرهاب البيولوجي يمثل الآن الظاهرة الأشد خطورة بعد الإرهاب النووي، حيث يستخدم الإرهابيون الأدوات البيولوجية الأشد فتكا والمسببة للأمراض الوبائية في هجماتهم الدامية. ويتكون السلاح البيولوجي من العامل البيولوجي الممرض (البكتيريا، الفيروسات، الركتيسيا، الفطريات)، والحامل (القنبلة، الصاروخ، الرسائل البيولوجية، الحشرات، الحيوانات). تعد هذه الأسلحة من قبيل الأسلحة الصامتة غير المرئية، حيث تستطيع أن تضرب دون إنذار؛ فآثارها لا تظهر إلا بعدما يكون مرتكب الجريمة قد توارى عن الأنظار. أمام هذا الخطر المتنامي تكاثفت الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة و تطويقها

وهذا الإرهاب البيولوجي  له جذور تاريخية  تعود إلي بدايات الحرب العالمية الأولى، عندما استخدمت الجيوش الألمانية الأسلحة البيولوجية  على نطاق واسع إلى 22 أبريل 1915م لمهاجمة الخنادق الفرنسية قرب ايبريس في بلجيكا وفق ما ذكرت منظمة الصحة العالمية، مشيرة إلى أن المقذوفات المسمومة لطالما استخدمت عبر التاريخ .

ولقد قررت ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى استخدام غاز الكلورين الذي كانت تمتلكه وحدها لمحاولة الخروج من جمود الخنادق والتغلب على مشكلة نفاذ ذخائرها بسبب الحصار البحري الذي فرضته القوات الحليفة . فعمد الجيش الألماني إلى نشر 180 طناً من غاز الكلورين المعبأ في 5730 حاوية مضغوطة في الجو في اتجاه خطوط العدو. وقتل في هذه العملية 15 ألف جندي فرنسي وجزائري وكندي وفق تقرير منظمة الصحة العالمية . وذكرت المنظمة في تقريرها الأولي حول الأسلحة البيولوجية والكيميائية الذي يمكن الاطلاع عليه حالياً على موقع الإنترنت الخاص بها «كانت تلك أول تجربة عالمية لأسلحة دمار شامل ».

وفي 1917م استخدم غاز الخردل للمرة الأولى واستخدم مباشرة ضد الجلد الذي تصعب حمايته أكثر من الرئتين ؛ وأطلق الغاز في بادئ الأمر بواسطة قذائف مدفعية ثم بواسطة طائرات واستخدم في روسيا عام 1919م كما استخدمه الفرنسيون في المغرب بين 1923 و1926، والإيطاليون في ليبيا عام 1930 واليابانيون في سينكيانغ في الصين عام 1934،والإيطاليون في أثيوبيا بين 1935 و1940. وعاد اليابانيون مجدداً بين 1937 و1942 إلى استخدام أسلحة كيميائية مثل غاز الخردل، مع ظهور أولى الأسلحة البيولوجية التي استخدمت (على سبيل المثال الطاعون).

ومع استمرار التقدم العلمي؛ تبرز أمام الإنسان تحديات هائلة؛ جرّاء استخدام العلم في وسائل وطرق غير نظيفة، وبما يسيء إلى الحياة بصورة شاملة، ولعل أكثر ما يثير القلق هو محاولة بعض الدول أو العلماء الجشعين، التلاعب بجينات البشر، وإحداث طفرات وراثية قد تؤدي إلى إنتاج تشوهات وأمراض جديدة قاتلة.

من ناحية أخرى .. فإن الشيفرة الوراثية التي تحملها جينات معظم الميكروبات الممرضة قد أصبحت معروفة، وتم تحديد الجينات المسؤولة عن القدرة المرضية .. ويمكن عن طريق تقنية البيولوجيا الجزيئية إنتاج ميكروبات فائقة القدرة المرضية، أو فائقة في إنتاجها للمواد السامة التوكسينات . وأيضاً يمكن - من الناحية النظرية على الأقل - إيلاج الجينات المسؤولة عن القدرة المرضية داخل أنواع من البكتيريا غير الممرضة الشائع وجودها في جسم الإنسان أو في البيئة التي يعيش فيها.. وهكذا تحدث هذه البكتيريا أمراضًا ودمارًا للإنسان والبيئة دون أية شبهة في أن تكون هي المسؤولة عن ذلك.

إن استمرار الصراعات بين الدول، خاصة القوى العظمى، هو الذي يسمح باستمرار التفكير بإنتاج أسلحة فتاكة، ولا سيما تلك التي تحقق الردع المطلوب، ولا تتطلب خوض معارك شرسة وخسارة الكثير من الجنود والعتاد الحربي، وعلى رأس تلك الأسلحة، القنابل الذرية والقنابل البيولوجية. وكان العلماء اليابانيون أول من فعل ذلك، في الحرب العالمية الثانية، فقد كرّس هؤلاء جهودهم لاختراع قنابل بيولوجية، وتم البحث في مسببات أمراض عدة منها: التيفوئيد، التيفوس، التسمم الناتج عن اللحوم الفاسدة، الطاعون، الكوليرا، الحمى، الجدري، وتم تفجير آلاف القنابل البيولوجية، وقتل الكثير من الحيوانات الأليفة، في تجارب التعرف إلى مدى تأثير هذه القنابل. وربما لم تتمكن اليابان من استخدام هذه القنابل على نطاق واسع للفتك بجيوش الحلفاء؛ بسبب ضعف قدرتها العسكرية أمامهم، وانتهت تلك الحرب بخسارتها واستسلامها بشكل مذل. وخلال الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، حاولت كل دولة منهما الاستفادة من العلم استفادة قصوى؛ بإنتاج مختلف أنواع الأسلحة؛ ومنها: الأسلحة البيولوجية، وهكذا تسارعت الخطى لابتكار أكثر الوسائل القاتلة.

ومع استمرار إنتاج الأسلحة البيولوجية في ظل أجواء الحرب الباردة المشحونة بالأحقاد، تداعت الأطراف الدولية عام 1972 إلى الاتفاق على معاهدة دولية تحظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية، وتدمير تلك الأسلحة. وقد تم اعتماد الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي كدول ضامنة لها ومشرفة على تنفيذها. الواقع أن العالم مملوء اليوم بأصناف السلاح البيولوجي؛ لكن يبقى التلاعب بالجينات الوراثية هو الشيء الأكثر خطراً على البشرية. ما حدا باللجنة البيولوجية الدولية في منظمة اليونيسكو، في عام 1996، إلى أن تصدر وثيقة حول الشيفرة الوراثية البشرية وحقوق الإنسان، وتضمنت هذه الوثيقة 23 مادة، قسمت إلى سبعة أقسام تناولت اعتبار الجين البشري العنصر الأساسي للإرث الإنساني، ويدخل في كل ظروف حياة الإنسان؛ لذلك يجب تحديد حقوق الإنسان، التي يجب عدم تجاوزها في هذا المجال، كعدم التمييز بين البشر على أساس صفات جينية، ووجوب تحديد الاستخدام الجيني وأبحاثه على مجالات القضاء على المعاناة، وتطوير الصحة، وتحسين ظروف المعيشة للفرد.

إن خطورة السلاح البيولوجي لا تكمن فقط في قدرته الفائقة على التدمير والقتل والإبادة .. وإنما تكمن في المقام الأول في أنه رخيص نسبيًا.. ويتطلب معدات ومواد يمكن الحصول عليها بسهولة .. ولا تحتاج إلى خبرات نادرة وتقنيات متقدمة ؛ فعلى سبيل المثال يمكن إنتاج البكتيريا المسببة لمرض الجمرة الخبيثة كسلاح بيولوجي فعال باستعمال إمكانيات محدودة .. قد تكون متاحة في مبنى صغير نسبيًا، وبتكلفة لا تتعدى مئة الف دولار .. وبقدرة بشرية لا تزيد على اثني عشر شخصًا من خريجي الجامعات .. يشرف عليهم خبير حاصل على درجة الدكتوراه في مجال الأحياء الدقيقة الميكروبيولوجي. كما أن المواد والمعدات اللازمة لإنماء هذا الميكروب وغيره من الميكروبات المستخدمة في الحرب البيولوجية .. يسهل الحصول عليها من شتى أنحاء العالم دون قيود أو شروط.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل

.........................

المراجع:

1- الإرهاب البيولوجي.. خطر داهم يهدد البشرية، د. محمد علي أحمد.

2- الهندسة الوراثية والأسلحة البيولوجية، د. عبد الوهاب رجب هاشم بن صادق.

3- خطورة الإرهاب البيولوجي، د. حمايدي عائشة .

4- الإرهاب البيولوجي، محمد خليفة.

5- الإرهاب البيولوجي.. الصبغة العصرية للإرهاب، شكيب بوشليتي.

 

 

في المثقف اليوم