قضايا

الذكاء الاصطناعي ودوره في مواجهة وباء كورونا! (1)

محمود محمد عليالأيادي البشرية وحدها لا تكفي للخروج من مأزق كورونا العالمي، ومنذ ظهور الفايروس والذكاء الاصطناعي يقف في الصف الأمامي من عمليات المواجهة، لا بل إن دوره قد سبق البشر في الخطوة الأولي وهي مرحلة الاكتشاف؛ فقد تابعنا خلال الشهور الماضية انتشار فيروس كورونا (COVID-19) الذي صنف مؤخراً كجائحة عالمية تستدعي أخذ الاحتياطات اللازمة؛ حيث أتى مع هذا المرض الكثير من الضوضاء والمعلومات المغلوطة التي زادت من ذعر الناس أكثر من إفادتهم، لكن الأسئلة المهمة التي نود أن نطرحها هنا هي كالتالي : أين هو دور التقنية في مكافحة هذا المرض؛ وبالذات الذكاء الاصطناعي الذي نسمع عنه ليل نهار؟.. وهل الذكاء الاصطناعي يعد أكثر الأسلحة  فاعلية لمحاربة فيروس كورونا؟.. وهل تطبيقات الذكاء الاصطناعي تساعد في التنبؤ بتفشي الفيروس، والسيطرة عليه؟.. وما هي طبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في مواجهة وباء «كورونا» المستجد، بالتشخيص والوقاية، والبحوث، والعلاج؟ .. وهل بإمكان الذكاء الاصطناعي يتيح العديد من الفرص، التي تعزز التصدي لوباء «كورونا»، والأوبئة بوجه عام؟.. وهل الروبوتات باتت قادرة على تقييم احتمالية إصابة الأشخاص بالأمراض والأوبئة، وتقدير حجم الخطر؟.. وهل يمكن أن تساعد المعلومات الناتجة عن الفحص باستخدام الذكاء الاصطناعي، في تحديد الأمراض بسرعة أكبر في المطارات ومحطات السكك الحديد ومباني الإدارة العامة والمصانع؟.. وما هي كيفية استخدام الروبوتات لضمان التباعد الاجتماعي؟ .. وكيف تم استخدم الذكاء الاصطناعي لإيصال التحديثات الرقمية إلى السكان لتجنب المواقع التي انتشرت فيها العدوى؟.. وما هو دور الذكاء الاصطناعي في تطوير تقنيات استخراج المعطيات لمساعدة المجتمع العلمي وتوفير أجوبة للأسئلة المهمة عن كوفيد-19؟.. وكيف دخلت تقنيات الذكاء الاصطناعي على خط المواجهة ضد تفشي كورونا المستجد "كوفيد 19"  مبكراً؟..

من خلال تلك التساؤلات يمكننا القول بأنه مع انتشار فيروس كورونا المستجد، شكّل الذكاء الاصطناعي أحد خطوط الدفاع في مكافحة تفشي هذا الفيروس التاجي في أول اختبار كبير للتكنولوجيا المستقبلية التي يمكن أن تمنع الأوبئة؛ حيث أظهرت أزمة كورونا أهمية انتشار الذكاء الاصطناعي بشكل واسع في شتى المجالات وشتى دول العالم، إلى جانب أدوار واستخدامات البيانات الضخمة وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة كإنترنت الأشياء والبلوكشين، وكيفية تعزيزها للقدرة على ابتكار الحلول للتغلب على المشكلات والصعوبات التي تواجه الحكومات والمنظمات والمؤسسات أثناء الأزمات؛ ففي ديسمبر الماضي 2019 تمكنت شركة بلودات bluedot  الكندية من استخدام هذه التكنولوجيا من رصد فايروس شبيه بالإنفلونزا في إقليم هوبي الصيني وعلمت كذلك مسبقاً بتفشية إلي جنوبي شرق أسيا بناءً علي حركة الطيران وبيانات تذاكر السفر التي بيعت في مدينة ووهان ..

كذلك طورت شركة Alibaba الصينية أيضًا نظام ذكاء اصطناعي يمكنه الكشف عن الفيروس في التصوير المقطعي المحوسب للصدر، ووفقًا للباحثين الذين طوروا النظام فإنه يتمتع بدقة 96% في التشخيص، وقد دُرب على بيانات من 5000 حالة مصابة بالفيروس، ويمكنه إجراء الاختبار في 20 ثانية بدلاً من 15 دقيقة يستغرقها خبير بشري لتشخيص المريض، كما يمكنه تحديد الفرق بين فيروس كورونا المستجد (COVID-19) والالتهاب الرئوي العادي بسرعة، وبحسب ما ورد تعتمد نحو 100 مستشفى في الصين على هذا النظام الآن.

إن حلول الذكاء الاصطناعي أسهمت في رفع كفاءة الإجراءات الوقائية من الفيروس في العديد من الدول ومنها دولة الإمارات، التي استخدمت على نطاق واسع نظام الكاميرات الحرارية لقياس حرارة الأجسام، واستعانت بالروبوتات وطائرات "الدرونز" في عمليات التعقيم، إلى جانب تطبيق تقنيات الطباعة الثلاثية لإنتاج الأقنعة الواقية، وغيرها من الإجراءات التي تم تنفيذها بالاعتماد على مخرجات الذكاء الاصطناعي، ولم تتوقف المساهمات على التكنولوجيا الرقمية فحسب، بل شهدنا تطوير واستعمال العديد من أنظمة إنترنت الأشياء (Internet of things) والنظم الفزيائية السيبرانية (Cyber physical systems) عامة. حيث استُعملت السيارات الذكية في الصين لنقل المرضى، ولتوصيل الطلبات تفادياً للاحتكاك. كما لعبت أنظمة الكاميرات الحرارية التي تتعرف على الوجوه في الصين وكوريا دوراً كبيراً في الكشف عن المسافرين في محطات النقل العمومية الذين يعانون من أعراض مشبوهة.

كما أظهرت أزمة كورونا أهمية انتشار الذكاء الاصطناعي بشكل واسع في شتى المجالات وشتى دول العالم، إلى جانب أدوار واستخدامات البيانات الضخمة وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة كإنترنت الأشياء والبلوكشين، وكيفية تعزيزها للقدرة على ابتكار الحلول للتغلب على المشكلات والصعوبات التي تواجه الحكومات والمنظمات والمؤسسات أثناء الأزمات.

ولقد أخذت الحكومات والشركات العملاقة بعد الأزمة تتجه إلى زيادة التركيز على استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في التنبؤ المسبق بحدوث الأوبئة، ومناطق انتشارها وفك شفرة الفيروسات الناقلة لها، والتنبؤ بأنواع اللقاحات المناسبة لمعالجتها، وتسخير الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر في خدمة البحوث والأغراض الطبية وتصميم أنظمة خبيرة لتشخيص الأمراض وتطوير عقاقير طبية جديدة.

ففي المرحلة الحالية وبلوغ معظم الدول ذروة انتشار كورونا أصبحت البيانات الرسمية متاحة بشكل أكبر، وهذا بالطبع وسع دور الذكاء الاصطناعي في توفير المعرفة من خلال جمع البيانات بسرعة ودقة تسبق قدرة البشر .. بأدوات هذه التكنولوجيا تُجمع بيانات العلماء والأطباء الضخمة حول العالم وتدخل إلي قواعد الأوراق البحثية والعملية لمنظمات مختلفة، أهمها منظمة الصحة العالمية ومجمع كود مانتين الذي أنشأته الحكومة الأمريكية مع عمالقة التكنولوجيا (مايكرو سوفت وجوجل) .. خلاصات هذه الأبحاث إلي جانب بيانات الآثار الرقمية التي ترصد وتحدد الأشخاص والمجتمعات الأكثر عرضة للإصابة، تكشف سلوك وطرق انتشار كورونا، حتي أنها تساعد بالتنبؤ في المستقبل القريب والبعيد لسيناريوهات نهاية الفايروس والعمل علي أساسها .. أما في حلبة الصراع المباشرة أي المجال الطبي برز دور الذكاء الاصطناعي أيضا ليجنب العالم المزيد من الخسائر البشرية، فقد رأينا الصين تصنع روبوتات بأغراض مختلفة وأجهزة كشف الحرارة بأنواعها في الولايات المتحدة وأدوات فحص دقيقة سريعة ومبتكرة للمرض في أوروبا وأجهزة متقدمة لصناعة الأدوية والعقاقير حول العالم والأهم أن الذكاء الاصطناعي إلي جانب البشري يشكلان دوق الخلاص من الأزمة، حيث إن تكنولوجيا جمع المعلومات وغيرها المستخدمة في الأدوات الطبية والعلمية اساسية في تطوير وتصنيع اللقاح المنتظر.

كما طورت الصين نظاماً إلكترونياً في محطات القطارات والحافلات والموانئ الرئيسية يسمح للشاشات الذكية والكاميرات الحرارية بقياس درجة حرارة المرضى الموجودين في المحطات، وتطلق إنذارًا عند رصد ارتفاع في درجة حرارة أي شخص أو تظهر عليه أعراض الفيروس، ولجأت الصين إلى استخدام سيارات بدون سائق لتوصيل الطلبات والأغذية والمواد الطبية إلى المستشفيات، فضلاً عن أن مدينة شنيانغ الصينية استخدمت الروبوتات في توصيل الأغذية لنزلاء الفنادق

وبحسب دراسة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بالإمارات، تعتمد الصين على تطبيقات الهواتف الذكية للقيام بأمرين رئيسيين؛ أولا التحكم في صلاحية دخول المرضى للأماكن العامة، وذلك من خلال إنشاء بطاقة تعريف إلكترونية لكل مواطن عبارة عن QR code تحدد ما إذا كان هذا الشخص سليما ولا يعاني من أعراض الفيروس، أو أن هناك احتمالية لإصابته أو أنه مصاب.

هذا بخلاف البيانات الكبيرة Big Data المتاحة الآن في كل مكان حولنا، مما يولده المستخدمون عبر الشبكات الاجتماعية، وشبكات الاتصالات، ومحركات البحث، والعديد من المعاملات الإلكترونية. وكمثال على ذلك، يمكن عبر تتبُّع حالات البحث المتزايدة يومًا بعد آخر عن أعراض مرضٍ ما على محرك بحث مثل محرك جوجل، ربما يصلح كمؤشر لقرب ظهور وباء معين في منطقةٍ ما.

وبالرغم من المحنة التي يمر بها العالم حاليا بسبب الوباء، أقدمت بعض دول العالم مثل الصين والامارات العربية المتحدة إلى انتهاز الفرصة لتوظيف العديد من تطبيقات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والتعلم الالي على أرض الواقع لتتبع انتشار الوباء والتشخيص المبكر للمصابين وتسريع عملية اكتشاف العلاج وتعقيم الأماكن العامة وإدارة الازمة بفعالية مما يبرر العائد على الاستثمار الذي قامت به هذه الدول في البحث والتطوير في مجال علم البيانات والذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة الماضية.

فمع تزايد سرعة تراكم البيانات بوتيرة تفوق قدرة العقل البشري على معالجتها، أصبحت الحكومات مدركة إدراكا تاما بالضرورة الحتمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي بتطبيقاته المختلفة. بالإضافة الى ضرورة التنسيق والعمل المشترك خصوصا مع القطاع الخاص والأكاديمي من أجل توسيع القدرة الحالية للذكاء الاصطناعي وضمان قدرته على التعامل مع وباء فيروس كورونا المستجد.. وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقل بجامعة أسيوط

...................

المراجع

1- سامر عبيدات: كيف يكافح العالم وباء كورونا باستخدام الذكاء الاصطناعي (مقال).

2- محمد علي: الذكاء الاصطناعي في مواجهة تفشي فيروس كورونا (مقال).

3- صبري صقر: خبراء: الذكاء الاصطناعي يسرّع اكتشاف الأدوية ويتوقع الأوبئة المحتملة مستقبلاً (مقال).

 

 

 

في المثقف اليوم