قضايا

محمود محمد علي: أخلاقيات الأستاذ الجامعي.. أين ذهبت؟ (4)

محمود محمد علييعد الأستاذ الجامعي اللبنة الأولى التي تقوم عليها العملية التربوية والتعليمية في التعليم العالي، وتقع على عاتقه مسؤولية كبرى في تربية الشباب وتوجيههم الوجهة التربوية المناسبة التي تضمن تحقيق الأهداف المسكرة في رؤية ورسالة المؤسسة الجامعية، والتي من أجلها تم التحاقهم بها .. وليست مهمة الأستاذ الجامعي عملية وتعليمة فقط، بل يتعدى ذلك إلى الصفات الأخلاقية (الأكاديمية والشخصية) التي يتصف بها، ويمارسها أثناء عمله ويؤثر بها، حيث يظهر ذلك علي أدائه الوظيفي، وتعامله مع غيره، مما ينعكس علي طلابه باعتباره عنصرا أساسيا في تكوين شخصياتهم . والأستاذ الجامعي يقوم بعدة أدوار ومهام فمنها المربي الذي يغرس القيم التي يحددها المنهاج التربوي والتعليمي المعتمد السائد والذي ينتمي إليه، وعليه أن يلتزم بعناصر الرسالة التربوية التي يحملها، لكي تبقي واضحة في سلوكه مع الآخرين، ومما يساعد في تحقيق ما لديه من أهداف سامية هو ممارسته للأخلاق الحسنة، خاصة كما ذكرنا من قبل مع طلابه، وزملائه الذين يتزودون بعلمه ويتأثرون بشخصيته حيث يعتبرونه قدوة لهم ينتهجون سلوكه ويسترشدون بفكره وعلمه (38).

إن أي توجه فكري يصعب أن يصل إلى ما يصبوا إليه صانعي السياسات التربوية، إلا إذا كان في خطابه بعد أخلاقي مؤثر، فكل نظام بحاجة إلي المنظومة الأخلاقية والقيمية التي تنظم سيره،وعدم تفعيل هذه المنظومة يكون سببا في السقوط الحتمي لهذا النظام، وبهذا يكون الأستاذ الجامعي هو الأساس في تأهيلهم وأحد مصادر التأثير علي طلابه ولهذا يعد نموذجاً يحتذي به، ويتأثر به، وهذا يحتم عليه الالتزام بطريق ومنهاج واضح متكئ على أسس ثابتة، وهذا يتأكد فيما توجه وتنص عليه أخلاقيات الأستاذ الجامعي، وذلك في أنظمة الدول التي تهتم بتميزه وتعتبره مؤتمناً علي ما يقول ويفعل (39).

إن تأثير الأستاذ الجامعي علي من يخالطهم بالجانب الإيجابي قد يحقق تطوراً وبناءً اجتماعياً شاملاً، والعكس أيضا صحيح لو كان التغيير للأسواء لا تنقل ذلك للمجتمع قاطبة، حيث إن فشله أو نجاحه يكون متعدياً للجميع سواء كان فكريا أو فعليا. فالأخلاق تكتسب وتنمو بالتدرب والممارسة والمجاهدة، وهذا مؤيد بالفكر التربوي الإسلامي، حيث ورد في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام " العلم بالتعلم والحلم بالتحلم"، ولكن لا بد من وسيلة تساعد في تثبيت هذه الممارسة حتى تكون مبادئ متبعة، وبما أن الأستاذ الجامعي من الناس الذين يؤمل عليهم بهذا، فينبغي أنن يكون متمسكا بالأخلاق الحسنة في شخصيته لكي ينتقل أثره للمستهدفين بعمله وهم طلابه ومخالطيه، وقد يكون عن طريق القدرة أو الإعجاب بسلوكه (40).

إن مهنة الأستاذ الجامعي لا بد لها من أخلاقيات تنظم سلوكها وتضبط عمل أعضائها وعلاقات بعضهم ببعض ومع غيرهم، وتكون هذه الأخلاقيات كمثل أخلاقيات غيرها من المهن إذ تعتبر مبادئ يلتزم بها (41).

ولما كان من المعروف أن قيم البحث العلمي تتمثل أساساً في أمانة الباحث في اختيار المنهجية المناسبة لتصميم بحثه، واختيار عينة ممثلة لمجتمع بحثه، وسلامة إجراءاته، وطرق الحصول على بياناته ومعالجتها الإحصائية وعمق تفسيراتها واستنادها إلي نظريات علمية ذات موثوقية .

والجدير بالإشارة هنا إلي الأستاذ الجامعي قد يقع في أخطاء علمية غير مقصودة، ولكنه من المفترض – قيميا- ألا يحاول الغش، أو الخداع، فالعلم المتقن شيء والعلم المغشوش شيء آخر ؛ ويتمثل الغش والخداع في البحث العلمي في عدة مظاهر لا أخلاقية، نشير إليها فيما يلي بقصد أن يبتعد أستاذ الجامعة عنها تماماً تحقيقاً لامتلاكه القيم الأخلاقية الأصيلة للباحث الجامعي:

(أ) الانتحال: حيث ينتحل " الباحث" أفكاراً أو ابتكارات، أو إبداعات، أو أوراقاً بحثية قام بها غيره وينسبها لنفسه. وقد يكون الانتحال كاملاً أو جزئياً. من بين طرق الانتحال شديدة العدوانية استبدال اسم الباحث الأصلي باسم الباحث الداعي على دراسة بحثية منشورة في مجلة علمية خاصة إذا ما كانت المجلة تصدر بإحدى اللغات غير الشائعة في موقع وبيئة المنتحل أو الدعي (42).

(ب) الاقتباس: هو نوع من الانتحال الجزئي غير المباشر يتم بنقل جزء كبير من عمل باحث أصيل وكتابته، أو صياغته بأسلوب يختلط فيه الاقتباس مع الاختلاس .. دون الإشارة إلي صاحب الفكرة، أو الاكتفاء بذكر اسمه في المراجع شأنه في ذلك شأن المراجع التي يستخدمها، أو بتجهيل مصادرها (43).

(ج) الركالات الخفية للمعلومات: يلجأ البعض أحيانا إلي استبعاد معلومات، أو بيانات يري " الباحث" أنها قد تضر ببحثه، أو لأن آخرين توصلوا إليها قبله، أو أنه يصعب عليه معالجتها، أو قد تأتي بنتائج متناقضة بسبب اختيار العينة، أو عدم سلامة أدوات الحصول علي البيانات والمعلومات (44).

(د) التلفيق: حيث يقوم " الباحث" بالتلاعب في بيانات تجارب يجريها، أو بيانات يحصل عليها من تطبيق استبيانات، أو استطلاعات رأي، أو نتيجة عدم صدقية، أو عدم ثبات ما يحصل عليه من بطاقات بقصد الانحياز المسبق لنتائج معينة يفترضها (45).

(هـ) الضلالات الإحصائية: وذلك بأن يستند نتائج " الباحث" إلي تحليلات إحصائية لا تتفق أدواتها وطبيعتها مع تصميمات البحث . وقد يكون ذلك نتيجة تفادي متغيرات تؤثر في المتغير التابع مما قد يتيح للباحث نتائج ذات " دلالات" (هي في حقيقتها) ضلالات) لصالحه في حين أن المعالجات والتحليلات السليمة يمكن أن تثبت غير ذلك . من بين ممارسات هذه " الضلالات" ترك العمليات الإحصائية، وبحث الدلالات وحجم أصر المتغيرات المستقلة والمعالجات التجريبية لغير المتخصصين، أو غير ذوي خبرات حقيقية في مجال البحوث والتحليلات الاستدلالية (46).

أضف إلي هذه اللا أخلاقيات عدم الالتزام بمواثيق شرف وقوانين استخدام التكنولوجيا ومعطيات شبكات الإنترنت الدولية والمحلية البينية من حيث حقوق الملكية للأفراد والمؤسسات العلمية والبحثية (47).

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

................

38-حسين باشيوة: حول ميثاق الأخلاقيات الأكاديمية والشخصية للأستاذ الجامعى وفق منظور الجودة الشاملة من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة د / محمد لمين دباغين سطيف 2 / الجزائر، المجلة العربية للجودة والتميز، مركز الوراق للدراسات والأبحاث، المجلد الثالث، العدد الثاني، 2016، ص 123.

39- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

40- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

41- المرجع نفسه، ص 124.

42- فاطمة الزهراء بلحسين:  المرجع نفسه، ص 279.

43- وليم عبيد: إحداثيات البعد القيمي في تكوين أستاذ الجامعة، المؤتمر القومي السنوي الثالث عشر - الجامعات العربية فى القرن 21، جامعة عين شمس - مركز تطوير التعليم الجامعي، 2006، ص 205.

44- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

45- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

46- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

47- المرجع نفسه، ص 206.

 

في المثقف اليوم