قضايا

حوار الحضارات في فكر أحمد زويل (2)

محمود محمد عليفي عام 2007 أصيب "زويل" بورم سرطاني في النخاع الشوكي وتوفي في الثاني من أغسطس عام 2016 عن عمر ناهز السبعين عاماً وأوصي زوجة بأن ينقل جثمانه إلى مصر، وأن يوارى الثرى فيها وأقيمت له جنازة عسكرية، وتقدم السيد الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" وأسرة زويل المشيعين في ساحة مسجد المشير "طنطاوي" بمنطقة "التجمع الخامس" في شرق القاهرة  (13).

وكتاب "حوار الحضارات" آخر ما كتب الدكتور "أحمد زويل"، وهو عبارة عن نص محاضرة بعنوان "حوار الحضارات كيف نصنع التاريخ بفضل رؤية جديدة للعالم"، وفيه يؤكد علي فرضية مهمة وهي أن : العلم هو العمود الفقرى للحضارات وهو الذى يحدد مصير الشعوب إما للخلود أو للفناء، والتاريخ يذكر أنه قد تم فى مصر منذ فجر التاريخ أول تجربة لتحديد عمر الزمن لتكوين أول حضارة في العالم تخرج من التقويم القمرى إلى التقويم الشمسي، وعرفوا بشكل دقيق أن السنة ٣٦٥ يوماً، عرفوا ذلك من متابعة فيضان النيل، وأن تحتمس هو أول من صنع ساعة عرفها العالم، وهى موجودة في متحف برلين.. وفي حياة الشعوب لحظات انكسار، وفي هذه اللحظة لا نستطيع الانطلاق علمياً، ولكن علينا أن نحاول التحرك ولو بخطوة طفل، وهذا أفضل من الانتظار بالقاع، وهذه الخطوة في رأيي هي إنشاء مراكز مضيئة علميا وأدبية (14).

وكتاب "حوار الحضارات" هو عبارة عن محاضرة كان قد ألقاها "زويل" في باريس أمام منظمة اليونسكو، خلال الكتاب قدم حلولا تهدف للوصول لحوار حقيقي بين الحضارات، وقال: أعتقد أن الأبعاد المتواجدة فيما وراء العلم، أي وجودنا الإنساني في خضم الحضارات والثقافات، التي يمكنها أن تتسم أو لا تتسم بالصراع فيما بينها . وبحكم وضعي باحثاً علمياً، فإني أري هذه المسائل معقدة، إلا أن هذا التعقيد بالتحديد، هو الذي يستلزم في إطار بحثنا المتواصل من أجل فهم الإنسان، مقاربة جديدة لا دوغمائية ومعقولة. أكيد أن هنالك من جهة، بحثنا عن الحقيقة وعن معارف جديدة بوساطة العلم ؛ غير أن هنالك من جهة أخري أيضا، فهمنا لدلالة وقيمة الحياة من خلال الإيمان. وفي الواقع، فإن أفكاري وتأملاتي موجهة إلى يومنا هذا، من قبل تجربتي من خلال ثلاث حضارات، المصرية والعربية الإسلامية والأمريكية (15).

ويستطرد "زويل" فيقول: لقد قام بعض المثقفين، من خلال ملاحظتهم للعالم، كما تراءي  لهم فجر هذا القرن الجديد، بتشكيل مفاهيم تشاؤمية ومحزنة ؛ وهكذا ظهرت في واجهة الساحة الجيوسياسية إنتاجات فكرية، مثل صدام الحضارات (صمويل هنتنغتون) Samuel Huntington، ونهاية التاريخ (فرانسيس فوكوياما  Francis Fukuyama، غير أنه إذا كان هذان المؤلفان، يدافعان عن نظريتيهما بقناعة، فإن أفكارهما تتواجد دوماً محط انتقاد ومناقشة . وبوصفي باحثاً علمياً، فإني لا أدري أي " فيزياء أساسية" لهذه المفاهيم ؛ وبعبارة أخرى، فإن مبدأ حضارياً أساسياً ليس هو ما سيترتب عنه، وضع هذه المفاهيم في حالة صراع فيما بينها، أو وضع حد للتاريخ، من خلال تمكين نظام معين من سحق كافة الأيديولوجيات الأخرى (16).

ثم يؤكد قائلاً: "بالفعل، فأنا أشاطر الطرح الذي يفيد بأن الفوضى التي يعيشها العالم حالياً، ناتجة في جزء منها عن الجهل بالحضارات،أى عن اللاوعي، أو الذاكرة الانتقائية للماضي، أو انعدام الأفق بالنسبة للمستقبل؛ وفي جزء آخر منها عن البؤس الاقتصادي والحيف السياسي الذي يعيشه الفقراء، والذين يشكلون حوالي 80 % من ساكنة المعمور، المنتشرة حول كوكب الأرض، وتحيي في قلب حضارات مختلفة . وتشكل هاتان النقطتان، الحواجز الرئيسية أمام تطور النظام العاملي ؛ وإذا أمكن أن نتجاوزهما يوما ما، فإننا سنصل إلى مستوى أمثل، ألا وهو إرساء حوار بين الحضارات (17) .

وحول سؤال أثاره "أحمد زويل" فيما يخص : حوار أم صدام؟

فقال "زويل" : يدل لفظ " حضارة" تبعا للقاموس، علي وضع متقدم للمجتمع البشري، وهو وضع تم فيه بلوغ مستويات ثقافية، وعلمية، وصناعية، وحكومية عالية . ونحن، بصفة فردية، متحضرون عندما نصل إلى وضع متقدم من القدرة علي التواصل مع الآخرين واحترامهم، بعاداتهم وثقافاتهم ودياناتهم الخاصة ؛ أما بصفة جماعية، فإننا نتحدث عن العولمة كوسيلة لتحقيق الرفاهية في العالم. ومع ذلك، فإن العولمة لا يمكنها أن تشكل مفهوماً عملياً، إذا كانت هنالك شقاقات فيما بين الحضارات . وتاريخياً، هناك العديد من الأمثلة المتعلقة بحضارات، تعايشت فيما بينها دون أن تعرف صراعات تذكر (18).

وتتجسد الحجة المزرية لأطروحة "هنتنغتون" في كون أهم الاختلافات الملاحظة بين الشعوب، في ظل حقبة ما بعد الحرب الباردة، ليست ذات طايع إيديولوجي، أو سياسي، أو اقتصادي، وإنما هي اختلافات ذات طابع ثقافي. وتركز هذه الحجة علي كون الناس يحددون "هنتنجتون" العالم إلى ثماني حضارات رئيسية، وهي : الحضارة الغربية، الأورثودوكسية، الصينية، اليابانية، المسلمة، الهندية، الأمريكية، اللاتينية، والإفريقية (19) .

إن هذا التحليل يطرح في نظر "زويل" إشكالا علي مستويات مختلفة ؛ ولعل الأسئلة والتعليقات الموالية، قد يكون باستطاعتها أن توضح موقف زويل من هذا التحليل، وذلك علي النحو التالي كما يقول زويل :

أولاً : ما هو أساس هذه التقسيمات علي مستوى الحضارات؟. إن الشعوب تنتمي لثقافات مختلفة ؛ ولقد مارست الأمم وقاربت ثقافات مختلفة وما زالت دائبة على ذلك؛ وبإمكان أمم تنتمي لنفس القارة، أن تخضع لتأثير حضارات مختلفة . بالنسبة لي، بإمكاني، منذ ميلادي إلى غاية اليوم، أن أستمد هويتي في الآن نفسه كمصري، وعربي، ومسلم، وإفريقي، وأسيوي، ومشرقي، ومتوسطي، وأمريكي. وبالملاحظة عن كثب، ولو لواحدة من هذه الحضارات، فإنني ألاحظ أن المصريين أنفسهم ينتمون لحضارة ديناميكية مكللة بهالة من الإرث المتعدد الثقافات : فرعونية وقبطية وإسلامية، دونما حاجة لذكر التأثيرات الفارسية والهيلينية والرومانية والعثمانية (20) .

والقول نفسه كما يقول "زويل" :"يسري علي الحضارتين الأوربية والأمريكية، وحضارات أخرى غالبة في مختلف القارات . إن ثقافات غرب أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، هي أبعد من أن تكون متسقة ومتجانسة . وبالنظر لعدد الثقافات المتواحدة بأوربا والولايات المتحدة الأمريكية، علينا أن نتوقع إذن، صراع حضارات داخل واحدة من بينها، دونما حاجة لملاحظة الحضارات السبع الأخرى ؛ غير أنه يلزم الملاحظة بأن الطاقات التي تجمع بين الثقافات والحضارات، ليست نتيجة لمجرد تقسيمات" (21) .

ثانياً: هل من الأساسي أن تولد اختلافات الثقافات صراعات بالضرورة ؟ يصرح "هنتنجتون" أنه إذا ما فقدت الولايات المتحدة الأمريكية موروثها الأوروبي، أي اللغة الإنجليزية، والديانة المسيحية، والأخلاقيات البروتستانية، ومصداقيتها السياسية، كالحرية والمساواة علي سبيل المثال، فإن مستقبلها سيكون محفوفاً بالمخاطر . وبالنسبة لي، فإني أصل إلى الخلاصة النقيضة ؛ إذ من وجهة نظر شخصية، لم أكن أتكلم اللغة الإنجليزية إبان وصولي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولست مسيحياً، ولم أتعلم الأخلاقيات البروتستانية ؛ ومع ذلك، فقد اندمجت في ثقافتي الأمريكية الجديدة، مع الحفاظ علي ثقافتي أو ثقافتي الأصلية ؛ وأنا مقتنع أن ثقافتي، الشرقية والغربية، قد استفادتا من هذا الإلتقاء، وبدون أن يولد ذلك أي صدام (22) .

وفي أفق أوسع، فقد تجسدت قوة أمريكا تاريخيا بوثقة الإنصهار أو الإندماج ؛ إذ أن هذا البلد كما يري زويل قد اغتنى وما يزال، بالتعددية الإثنية والثقافات المختلفة لسكانه. ونتيجة لذلك، فإن التسامح اتجاه الديانات والثقافات المختلفة، قد أصبح جزءً لا يتجزأ من الحضارة الأمريكية . إن الشعب، طالما بإمكانه أن يعيش في ظل نظام سليم دستوريا، على مستويي الحرية والمساواة، فإن الصدامات الدولية لن تكون ذات أهمية بقدر ما تكون عليه بعكس ذلك، مشاكل أخرى هي كذلك بالفعل (23)... وللحديث بقية..

 

الأستاذ الدكتور / محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط .

..............

مراجع المقال وهوامشه

(13) أحمد زويل : ويكبيديا.

(14) زينب عبد الرزاق: المرجع نفسه.

(15) أحمد زويل: حوار الحضارات : كيف نصنع التاريخ بفضل رؤية جديدة للعالم، مجلة عالم التربية، نشر عبدالكريم غريب، ع 1 17، 2007، ص 185.

(16) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(17) المصدر نفسه، ص 186.

(18) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(19) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(20) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(21) المصدر نفسه، والصفحة نفسها، ص 187.

(22) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(23) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

 

في المثقف اليوم