قضايا

محمود محمد علي: محمد السيد الجليند وموقفه من قضايا الفلسفة الإسلامية (3)

محمود محمد علينعود وننهي حديثنا عن موقف محمد السيد الجليند من قضايا الفلسفة الإسلامية، وهنا نركز حديثنا في هذا المقال حول موقفه من التصوف الإسلامي والطرق الصوفية، فنجده يقول عن التصوف الإسلامي: "نحن نعتبر القرن الثالث الهجري علامة فارقة في تاريخ التصوف الإسلامي، نستطيع أن نفرق في هذا القرن بين التصوف كما ورثه المسلمون عن القرنين الأول والثاني سلوكا صافيا ملتزما بالكتاب والسنة، متطابقا مع ما أوصى به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من خلال أحاديثه النبوية ووصاياه وما حدث بعد ذلك في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع من ما نسميه بالتصوف الفلسفي الذي دخل الإسلام مع بعض العناصر الفارسية التي مارست سلوكيات تحت اسم التصوف وهي متأثرة بالثقافة الهندية والثقافة الفارسية وبالغنوصية المسيحية، هذه الروافد الثلاثة كانت بوابة واسعة دخل من خلالها الانحراف في تاريخ التصوف الإسلامي فوجدنا بعض الصوفيه ابتداءً من أبي يزيد البسطامي، الشبلي، الحلاج، ذي النون المصري، يمارسون سلوكيات لم يرد عنها أثر في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا في أحاديثه، بل هي تتعارض تعارضا كاملا مع صحيح العقيدة الإسلامية، خاصة بعد ما ظهر على أيديهم ما يسمى بالشطح الصوفي أو الجذبة الصوفية التي يدعي فيها الصوفي أنه غاب عن نفسه فيما يسمى بالفناء الصوفي ووصل بهم الأمر إلى أن بعضهم صرح بعبارات تنبئ عن عقيدة فاسدة إذا كان يعتقدها وعن خطأ في الألفاظ إذا كان يقول ما لا يعي، كما قال بعضهم: ما في الجبة إلا الله، وكما قال الحلاج: سبحاني ما أعظم شاني، هذه العبارات ظهرت في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع لتنبئ عن أشياء غريبة دخلت في التصوف، هذه الأشياء نحن نسميها بالحلول والاتحاد نسميها بالفناء الذي يغيب فيه الصوفي عن وجوده كما يدعي، بحيث يرى الله حالا في الأشياء متحدًا بها، فإذا سألته ما هذا؟ يقول هذا تجلى إلهي، هذه أشياء غريبة دخلت في التصوف الإسلامي وأثرت في مسيرته التاريخية ولما حاول بعض الصوفية كأبي حامد الغزالي أن ينقد التصوف من داخله سلط الأضواء على هذه النماذج، وحاول أن يتلمس لها المعاذير في كتابه المنقذ من الضلال، لكننا نجده أيضا وقع فيما وقع فيه غيره من استخدام ألفاظ ومصطلحات قد يراها البعض تتعارض مع صحيح العقيدة الإسلامية، ولكن ينبغي أن نعلم أننا هنا نتعامل مع ألفاظ قرأناها في كتبهم وعبارات نقلت عنهم في مؤلفاتهم أو مؤلفات غيرهم، هل كانوا يعتقدون ما يقولون أو لا يعتقدون هذه قضية، ينبغي أن نسلم الأمر فيها لله سبحانه وتعالى؛ لأننا لم نؤمر بالتفتيش في قلوب الناس، وإنما نحن نتعامل ونحكم على أقوال وكلمات وردت في مؤلفاتهم أو نصوصهم (19).

وأما فيما يخص موقفه من الطرق الصوفية ، فنراه يقول: كلمة الطرق الصوفيه لم تظهر إلا في القرن الخامس الهجري حين حاول بعض الصوفية أن يجمع حوله بعض التلامذة أو المريدين يلقنهم بعض الأوراد في الذكر والدعاء ويتعلمون منه كيفية الأذكار التي يراها هو أفضل الأذكار التي يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى، وظهر في التصوف ما يسمى بالقطب الصوفي أو الشيخ فيلتف المريدون حول هذا الشيخ يتعلمون منه كيفية الأذكار، وظهر ما يسمى بالورد وظهرت كلمة الطريقة مرتبطة بظهور الشيخ والتفات المريدين حوله فظهرت الطريقة الجيلانية، وظهرت الطريقة الحلاجية، وظهرت الطريقة الجنيدية نسبة إلى الجنيد والطريقة التسترية نسبة إلى سهل بن عبد الله التستري، وهذه الطرق كانت في بداياتها أشبه بالمدارس التربوية، وينبغي أن نعي هذا جيدا، كانت مدارس تربوية تربي المريد على ذكر الله تبارك وتعالى وعلى الإخلاص في العمل وعلى الإتقان في العمل، ولكن تطورت فيما بعد بحيث أصبحت طرقا لكسب العيش ودخلها من الانحراف ما عدلها عن بداياتها الصحيحة التي قصدها أوائل أصحاب هذه الطرق، فبداياتها كانت صحيحة وأهدافها كانت صحيحة، وكانت أشبه بالمدارس التربوية، ولكن طرأ عليها الانحراف في المسيرة التاريخية كما نشاهده الآن نحن عندنا في مصر طرق كثيرة جدا تتبنى أورادًا كثيرة جدًّا وتسلك سلوكيات فيما يسمى بالموالد أو المناسبات الدينية بعيدة كل البعد عن صحيح الدين الإسلامي، وللأسف الشديد فإن الذين حكموا على التصوف الإسلامي نظروا إلى سلوك المتصوفة ولم ينظروا إلى حقيقة التصوف في بداياته الصحيحة (20).

ويخلص الدكتور الجليند  إلى أن:" كلمة الطرق الصوفية لم تظهر إلا في القرن الخامس الهجري حين حاول بعض الصوفية أن يجمع حوله بعض التلامذة أو المريدين يلقنهم بعض الأوراد في الذكر والدعاء ويتعلمون منه كيفية الأذكار التي يراها هو أفضل الأذكار التي يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى، وظهر في التصوف ما يسمى بالقطب الصوفي أو الشيخ فيلتف المريدون حول هذا الشيخ يتعلمون منه كيفية الأذكار، وظهر ما يسمى بالورد وظهرت كلمة الطريقة مرتبطة بظهور الشيخ والتفات المريدين حوله فظهرت الطريقة الجيلانية، وظهرت الطريقة الحلاجية، وظهرت الطريقة الجنيدية نسبة إلى الجنيد والطريقة التسترية نسبة إلى سهل بن عبد الله التستري، وهذه الطرق كانت في بداياتها أشبة بالمدارس التربوية، وينبغي أن نعي هذا جيدا، كانت مدارس تربوية تربي المريد على ذكر الله تبارك وتعالى وعلى الإخلاص في العمل وعلى الإتقان في العمل، ولكن تطورت فيما بعد بحيث أصبحت طرقا لكسب العيش ودخلها من الانحراف ما عدلها عن بداياتها الصحيحة التي قصدها أوائل أصحاب هذه الطرق، فبداياتها كانت صحيحة وأهدافها كانت صحيحة، وكانت أشبه بالمدارس التربوية، ولكن طرأ عليها الانحراف في المسيرة التاريخية كما نشاهده الآن نحن عندنا في مصر طرق كثيرة جدا تتبنى أورادًا كثيرة جدًّا وتسلك سلوكيات فيما يسمى بالموالد أو المناسبات الدينية بعيد (21).

وحول موقف الدكتور الجليند من الإستشراق والمستشرقين في مجال الفلسفة الإسلامية، فنجده يؤكد علي أن المستشرقين ليسوا كلهم على درجة من الموضوعية والنزاهة تجعلنا نطمئن إلى كل ما يقولونه عن الإسلام والمسلمين، فمثلا في مجال التصوف الإسلامي يقول الدكتور الجليند:" لم أجد مستشرق حاول أن يكتب بروح الإنصاف عن التصوف الإسلامي، فهو ما بين مشكك أو مروج لأثر غريب عن الإسلام في التصوف الإسلامي، يمكن في العصر الحاضر بعض من الذين هداهم الله سبحانه وتعالى إلى الإسلام بعد قراءات طويلة في القرآن وفي السنة النبوية بعضهم بدأ -الحقيقة- يكتب مقالات أو بحوثًا صغيرة عن الجانب الروحي في الإسلام وهو يقصد به التصوف الإسلامي (22).

ويستطرد الدكتور الجليند:" أما الحياة في الغرب وطغيان الجانب المادي عليها وظهور الحاجة الماسة إلى غذاء روحي يعيشون عليه ويتلمسون فيه الشفاء من الأمراض المادية التي يعيشونها فهذا أمر وارد على النفس البشرية، لكن كثيرين منهم لا يتلمسونها في الإسلام وإنما يتلمسونها فيما يسمى بالموسيقى أو الفن أو النيرفانا الهندية، لكن أن يقرؤوا الإسلام ويقرؤوا التصوف ويقفوا على ما فيه من غذاء روحي وعقلي يشفي كثيرا من الأمراض النفسية.. للأسف الشديد نحن لم نحسن عرض الإسلام عليهم، ولم نحسن عرض التصوف الصحيح عليهم، وبالتالي هم لم يفهموه حق فهمه، وهذا عيب فينا نحن أكثر مما هو عيب فيهم (23).

وأخيراً إذا أردت عزيزي القارئ أن تتعرف علي بعض جوانب وقدرة ومهارة الدكتور الدكتور الجليند في النقد والتحليل، وإذا أردت أن تتعرف علي براعته الفلسفية وطريقته الفريدة في البحث وراء معاني التصورات والمفاهيم في بحر الفلسفة العميق المترامي الأطراف، فعليك بقراءة كتبه علها تفتح شهيتك لقراءة المزيد من كتاباته وتستحثك للخوض بنفسك في بحار الحكمة ومحيطات المعرفة.

وفي نهاية حديثنا عن الأستاذ الدكتور الدكتور الجليند لا أملك إلا أن أقول تحية طيبة للأستاذ الفاضل الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجا فذا للمفكر الموسوعي الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

وتحيةً أخري لرجلٍ لم تستهوه السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً... وللحديث بقية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

........................

19- محمد عبد العزيز الهواري (محاورا): حوار لا تنقصه الصراحة مع أستاذ الفلسفة المتخصص في الشأن الصوفي.. مجلة الصوفية العدد السابع ،  1429هـ.

20- المرجع نفسه.

21- المرجع نفسه.

22- المرجع نفسه.

23- المرجع نفسه.

 

في المثقف اليوم