قراءة في كتاب

محمود محمد علي: (من هنا نبدأ) للأستاذ خالد محمد خالد.. قراءة فلسفية (1)

محمود محمد عليشهدت الثقافة المصرية في عهدها الذهبي، ظهور مجموعة من الرموز التي شكلت العقل المصري بصورة حضارية، وفكرية، مستنيرة، وفتحت للوجدان المصري، آفاقاً جديدة من الترفع والجمال في مصر ظهرت صحوة فنية رائدة، وتصدرت الساحة مجموعة من المبدعين الكبار في كل التخصصات غناءً وفناً ومسرحاً، ومع هذا هناك مجموعة من رجال الدين الذين فتحوا أبواباً للاجتهاد والحوار (1)

وكان في مقدمة هذه النخبة مفكرنا الجليل الأستاذ “خالد محمد خالد”، والذي يقول عنه الأستاذ “فاروق جويده “:” عرفته سنوات طويلة، وكنت أزوره في شقة متواضعة في حي منيل الروضة، وكانت في الدور السادس بدون أسانسير، وكانت الشقة متواضعة في كل شيء مساحة وأثاثاً، وكان يأنس كثيراً لها، ويحب الحياة فيها، وحين انتقل إلى فيلا صغيرة في المقطم مرض مرضاً شديداً، وكان يتصور أنه لو عاد إلى شقة المنيل لتحسنت صحته “(2).

بدأ “خالد محمد خالد ” مشواره الفكري يسارياً، ثم إسلامياً، وانتهى به المشوار إلى أن يكون من رموز الحريات الفكرية، فكان ليبرالياً مدافعاً بضراوة عن الديمقراطية، وخاض معارك كثيرة مع كل أصحاب الاتجاهات المتطرفة (3).

كان الكاتب والمفكر الإسلامي “خالد محمد خالد”، هو صاحب قلم رشيق وأسلوب أدبى رفيع يفيض بالبلاغة والحجة، وخاطبت كتاباته العقل المعاصر، كما كان واحدا ممن تخرجوا في الأزهر وحملوا عالميته، وعاش في رحاب الجمعيات الدينية، حيث تخرج من كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وعمل مدرساً، ثم عمل بوزارة الثقافة، كان عضواً بالمجلس الأعلى للآداب والفنون.

وكان رحمه الله قد ولد يوم الثلاثاء 27 رمضان سنة 1339هـ الموافق 15 يونيو سنة 1920م ميلادية، في “العدوة” إحدى قرى محافظة الشرقية بمصر وتوفي منذ عقود ودفن في قريته (4)؛ وكان خالد محمد خالد قد أتم حفظ القرآن كله في وقت قياسي وهو خمسة أشهر – كما بين ذلك مفصلاً في مذكراته “قصتي مع الحياة” – ثم التحق بالأزهر في سن مبكرة، وظل يدرس فيه على مشايخه الأعلام طيلة ستة عشر عاماً حتى تخرج فيه، ونال الشهادة العالية من كلية الشريعة سنة 1364هـ – 1945م، وكان آنذاك زوجاً وأباً لأثنين من أبنائه. عمل بالتدريس بعد التخرج من الأزهر عدة سنوات حتى تركه نهائياً سنة 1954م، حيث عين في وزارة الثقافة كمستشار للنشر، ثم ترك الوظائف نهائياً بالخروج الاختياري على المعاش عام 1976 (5).

وفي أحد المؤتمرات الهامة كما يحدثنا فاروق جويدة دارت مناقشة طويلة بينه وبين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ويومها كان “خالد محمد خالد” جريئاً ومقنعاً وهو يقول للرئيس دع الزهور تتفتح مطالباً بالحرية والديمقراطية لأبناء وطنه.. كتب خالد محمد خالد عشرات الكتب مدافعا عن الحرية من هنا نبدأ، مواطنون لا رعايا، الديمقراطية أبدا، أزمة الحرية، لكى لا تحرثوا في البحر، وتناول حياة الرسول عليه الصلاة والسلام فى أكثر من كتاب وكان أمينا صادقا وهو يكتب معا على الطريق محمد والمسيح، إنسانيات محمد.. ومن أعظم ما كتب خالد محمد خالد كتابه الأشهر رجال حول الرسول تناول فيه سيرة عدد كبير من الصحابة وكيف كان الرسول عليه الصلاة والسلام يختار الرجال حوله.. كانت بيننا جلسات طويلة وكان خالد محمد خالد مترفعاً في كل شيء وقد شاهدته بنفسي وهو يرفض أشياء كثيرة وعاش راضيا قانعا بفكره وعلمه وثقافته.. طاف في كل مدارس الفكر وعاش معها وعايشها ورفض منها ما رفض واقتنع بما اقتنع لكنه كان في كل الحالات عقلاً مضيئاً وكانت لغته العربية التي أحبها لغة أدبية ساحرة في رصانتها وجمالياتها وعمق معانيها (6).

ولخالد محمد خالد كتابات كثيرة  أخري تميزت بجمال الأسلوب وطريقة التناول، وأشهرها “رجال حول الرسول ” الذي تحدث فيه عن سيرة ستين من أصحاب رسول الله، وخلفاء الرسول ” الذي ضم بين دفتيه خمسة كتب عن الخلفاء الراشدين: وجاء أبوبكر، بين يدي عمر، وداعا عثمان، في رحاب علي، معجزة الإسلام عمر بن عبد العزيز، ومن كتبه أيضاً: “أبناء الرسول في كربلاء” و” والموعد الله” و"لقاء مع الرسول ” و” كما تحدث الرسول ” و” كما تحدث القرآن” وإنسانيات محمد ” وعشرة أيام في حياة الرسول ” وغيرها.. أما كتبه السياسية والإنسانية والاجتماعية والفلسفية فهي عديدة كتب منها ثلاثة كتب في موضوع الديمقراطية وحدها، وهي: “الديمقراطية أبدا” و” دفاع عن الديمقراطية” و” لو شهدت حوارهم لقلت“…. وكتب – أيضاً – مذكراته في كتاب “قصتي مع الحياة (7) ؛ وهلم جرا..

إن كتاب “من هنا نبدأ” الذي بين يدينا ظهر في مارس عام 1950 ، وكان هناك وجدان الشعب وتفكيره يموجان بثورة عارمة بلغت ذروتها وقمتها في عام 1950 ، وعام 1951، إلي منتصف عام 1952، والذي تمت فيه الجريمة التي لا تزال مجهولة الهوية وهي حريق القاهرة .

في سنة 1950 كان “خالد محمد خالد” كان قد انتهي من كتابه ” من هنا نبدأ ” ، وهناك لفته عجيبة بصدد هذا الكتاب ، وهذه اللفتة تجسدت في خالد محمد خالد وهو في مرحلة الهم والعزم بتأليف الكتاب ، قال “خالد محمد خالد” أنه رأي في المنام رؤية في منامه شجعته بقدر ما أسعدته ، حيث قال رأيت رجلا من أولياء الله ، يحمل في يمينه كتاب ، ثم اتجه إلي وقال أخذ هذا الكتاب ، وهذا الكتاب كان بعنوان ” توالي العطاءات” ، فاستبشرت خير ، وبدأت الشروع في كتابة مقدمة الكتاب إلي أن فرغت منه وتم بحمد الله ، وكانت هناك عقبات أمام نسخه ذللتها قدرة الله وفضله ، إلي أن ظهرت طبعته الأولي في مارس من عام 1950 (8).

والكتاب كان ينتظم أربعة فصول ، يقول المؤلف في مقدمة كتابة : إنّ “أيسر الطرق للحضارة هو الانفتاح الفكري”، ويتجلى عبر الكتاب مدى تأثره بالفلسفة الغربية، سيما فلسفة عصر التنوير في أوروبا، فيستشهد في مقدمة كتابه بفلسفة الولاء للإنسانية التي صاغها الفيلسوف الفرنسي “جان جاك روسو”، كما اقتبس مقولة للفيلسوف الفرنسي “فولتير”، المدافع عن حرية العقيدة والحقوق المدنية، التي قال فيها: إنّ “الذي يقول لك اعتقد ما أعتقده، وإلا لعنك الله، لا يلبث أن يقول لك اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك”.

وفي الفصل الأول وهو بعنوان ” الدين لا الكهانة” ، وأما الفصل الثاني وكان عنوانه” الخبز هو السلام” ، في حين جاء الفصل الثالث من خلال عنوان” قومية الحكم ” وأخيراً يجيئ الفصل الرابع بعنوان” الرئة المعطلة”.

فأما عن الفصل الأول وهو ” الدين لا الكهانة” ، فقد كان “خالد محمد خالد” والتي ظهر فيها الكتاب وقبلها منذ منتصف الأربعينات أو الأربعينيات أن قد بدأ الإرهاص الشديد ، والمحاولات الدائبة لإنجاز تغيير سياسي في مصرنا ليحقق ما هو حق لنا من الحرية ومن العدل الاجتماعي (9) ... وللحديث بقية

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.........................

الهوامش

1- فاروق جويدة : هوامش حرة خالد محمد خالد، الأهرام .. الخميس 15 من رمضان 1439 هــ 31 مايو 2018 السنة 142 العدد 48023,

2- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

3- خالد محمد خالد: من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.

4- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

5- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

6- فاروق جويدة : المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

7- المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

8- البرنامج الإذاعي׃ زيارة لمكتبة فلان ˖˖ خالد محمد خالد.. يوتيوب.

9- خالد محمد خالد: من هنا نبدأ ، دار الكتاب العربي ، ط11، بيروت ، لبنان، 1969، ص 74-49.

 

في المثقف اليوم