قراءة في كتاب

محمود محمد علي: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي .. قراءة نقدية لكتاب د. محمد البهي (3)

محمود محمد عليهناك سؤال أود أن أسأله للأستاذ الدكتور محمد البهي: لماذا اختار لكتابه عنوان " الفكر الإسلامي الحديث وصلتة بالاستعمار الغربي "، ولم يختار له اسم “مشكلة الفكر الإسلامي في ضوء الاستعمار الغربي "، أو " أزمة الاستعمار الغربي في ضوء تحديات الفكر الإسلامي الحديث " أو ” الفكر الإسلامي الحديث والاستعمار الغربي بين المحنة والمنحة، أو " الفكر الإسلامي الحديث في مجابهة الاستعمار الغربي ".. الخ؟

وهنا يجيبنا الدكتور محمد البهي ضمن ملاحظة سجلها في مقدمة الطبعة الثامنة الصادرة عام ١٩٧٥ م بأنه حسب قوله كتاب "مواجهة مباشرة لتيارات فكرية مستترة، وراء عناوين خادعة، وهي في جوهرها محاولات عنيفة لفصل المسلمين عن دينهم، ووضعهم في مجالات التبعية لغيرهم... ويواجه تيار الماركسية الإلحادية، المتخفي وراء اسم العدالة الاجتماعية، وبهذا دخل الكتاب في طرح لا يهدأ مع الدافعين لهذا التيار أو ذاك، خارج المجتمعات الإسلامية أو داخلها (11).

والكتاب من خلال الطبعة الرابعة التي بين أيدينا يقع في (619) صفحة، وهذا الكتاب ليس رواية من نسيج الخيال، ولا سرد لأحداث تاريخية عن الفكر الإسلامي الحديث وصلتة بالاستعمار الغربي، وإنّما هو عبارة عن مراجعة لمئات المصادر والمراجع، فالمهمة الأولى لكتابه كما يقول: "أن يكشف عن قيم الإسلام، وعن صلاحية هذه القيم وحدها لتلافي مشاكل المادية في المجتمعات المعاصرة (12).

ولهذا، أكّد المؤلف بأن هذه الدراسة تهدف إلى الكشف عن التاريخ الفكري والثقافي لمصر والعالم العربي في العصر الحديث بعد اتصاله واحتكاكه بأوروبا والاستعمار الأوروبي. وإن كان يختلف عن بعض هذه المؤلفات والدراسات من حيث طبيعته الإيديولوجية، ومن كونه ينطلق من فكرة المواجهة، وينتصر للاتجاه الفكري والإصلاحي الذي قاوم الاستعمار الغربي. ومن هذه الناحية، ونتيجة لهذه الطبيعة فإن هذا الكتاب يصنف كذلك على نسق المؤلفات والدراسات التي توجهت بالنقد الثقافي والأخلاقي للغرب الاستعماري، والغرب الاستشراقي، والغرب المادي والإلحادي، وللتيارات والاتجاهات المتأثرة والتابعة لمرجعيات الفكر الأوروبي التي ظهرت في مجتمعات العالم العربي والإسلامي.

وينقسم الكتاب إلى موضوعات، حيث تحدث في فاتحة الكتاب عن الاستعمار الغربي وكيف تسلل إلى العالم الإسلامي (13)، والعالم الإسلامي في نظر الغربي المستعمر (14)، ووسائل الاستعمار في إضعاف المسلمين في إسلامهم (15).

ثم انتقل للحديث عن اتجاه حماية الاستعمار أو الاتجاه الفكري الممالئ (16)، كما تحدث عن حركة السيد " أحمد خان" وحركة "ميرزا غلام أحمد" في القرن التاسع عشر كحركتين ممالئتين للاستعمار الغربي (17)، كما ناقش قضية المستشرقون والاستعمار، وذلك من خلال النزعة الأولي : إضعاف القيم الإسلامية، والنزعة الثانية : تمجيد القيم الغربية المسيحية (18).

ثم انتقل المؤلف للحديث عن مقاومة الاستعمار العربي حيث أفرد لحركة السيد جمال الدين الأفغاني (19)، وحركة الشيخ محمد عبده (20) ؛ ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن التجديد في الفكر الإسلامي في القرن العشرين والذي يصطلح بتحديد المفاهيم الدينية، حيث يري الدكتور البهي بأن التجديد في رقعة الشرق الأدنى مع بداية القرن العشرين هو معادلة أخذ الطابع الغربي والأسلوب الغربي في تفكير الغربيين، سواء في تعبيرهم عن الدين، أو في تحديدهم لمفاهيمه، ومفاهيم الحياة التي يعيشونها، أو في تقديرهم للثقافات الشرقية الدينية والإنسانية. ويستدل البهي على ذلك بكتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر" الصادر عام ١٩٣٨ م، ويبالغ في تأثيره، ويعتبره الكتاب الذي رسم خطة التجديد للفكر الإسلامي الُمغرَّب في مصر؛ وهذا الاتِّباع والتقليد للفكر الغربي في نظر البهي سار في اتجاهين: اتجاه التأثر بالفكر الغربي الاستشراقي في مجال الدراسات الإسلامية منذ بداية القرن العشرين. واتجاه التأثر بالفكر الوضعي العلمي، والمادي الماركسي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (21).

ثم يتطرق الدكتور البهي للحديث عن بشرية القرآن، وذلك ضمن نطاق التأثر بالفكر الغربي الاستشراقي، وحسب رأي البهي تتجسد في صورتين صورة أن القرآن هو انطباع في نفس النبي صلي الله عليه وسلم، نشأ عن تأثره ببيئته التي عاش فيها، بمكانها وزمانها ومظاهر حياتها المادية والروحية والاجتماعية؛ وصورة أن القرآن هو تعبير عن الحياة التي عاش فيها النبي، وهناك تلازم في نظر البهي بين هاتي المستشرق الإنجليزي هاملتون جيب، والذي يعده البهي مثالاً للاتزان من بين المستشرقين الغربيين، وقد ظهر هذا التأثر حسب اعتقاد البهي فيما ذهب إليه طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي " الصادر عام ١٩٢٦ م؛ وهو الكتاب الذي أحدث ضجة فكرية ودينية واسعة في قوته، باتت معروفة للمهتمين بالشأن الثقافي. والنتيجة التي يخلص إليها الدكتور البهي: أن هناك صلة وثيقة بين ما يسميه بنزعة التجديد في مسألة بشرية القرآن، وبين مصادر هذه المسألة في الفكر الغربي الاستشراقي؛ الأمر الذي يؤكد عنده أن التجديد في الفكر الإسلامي هو عبارة عن أخذ من الغرب في كل شيء، بطريقة عمياء ومن دون احتياط حسب وصفه (22).

ثم انتقل الدكتور البهي بعد ذلك للحديث عن موضوع مهم وهو الإسلام دين لا دولة، حيث يناقش هنا كتاب الشيخ علي عبد الرازق"الإسلام وأصول الحكم " الصادر عام ١٩٢٥ م، وهو الكتاب الذي أحدث ضجة فكرية أيضً ا في وقته، ويعتبره البهي من كتب التجديد في الفكر الإسلامي الحديث، ويعرض دعوي أن الإسلام دين لا دولة؛ وفي عرضه لهذه الدعوى، كما يضيف البهي، فإنه يأخذ ويستعير من الدراسات به المسيحية بين أتباعها أساسا في تقدير الإسلام كدين، على نحو ما صنع الغربيون في حكمهم عليه، ولهذا فهو كتاب يحكي عن الغرب أكثر مما يتحدث عن جوهر الإسلام. كما يعتبر البهي أن كتاب "الخلافة " الصادر عام ١٩٢٤ م، للمستشرق الإنجليزي "توماس أرنولد" الذي كتبه عقب الثورة الكمالية في تركيا، تمجيداً لهدم الخلافة وإبعاد الإسلام عن مجالات الحياة العامة هناك، هذا الكتاب يعد من المصادر الموجهة لكتاب "علي عبد الرازق" في تحديد طبيعة الإسلام كدين لا دولة (23).

بعد ذلك ينتقل الدكتور البهي للحديث عن قضية " الدين خرافة"، ويقصد هنا كتاب الدكتور "زكي نجيب محمود"، والذي يتضمن حسب رأي البهي خرافة الدين، وإنكار قيمته في التوجيه، وهي وليدة الفكر المادي السابق على ظهور الشيوعية. والنموذج الذي يشير إليه البهي لتسرب هذه المشكلة والتأثر بها في الفكر الإسلامي الحديث هو كتاب "خرافة الميتافيزيقا" الصادر عام 1953م، والذي يرى البهي أنه كتاب منقول من الفكر المادي الأوروبي (24).

ثم يتطرق الدكتور البهي بعد ذلك للحديث عن قضية الدين مخدر وهو شعار الشيوعية والماركسية. وتتضمن هذه المشكلة في نظر الدكتور البهي مطاردة الدين وإبعاده عن مجال الإنسان والجماعة. وفي هذا النطاق يعرض البهي ثلاثة نماذج اعتبرها متأثرة بهذا النهج وتابعه له، وهي كتاب خالد محمد خالد "من هنا نبدأ" الصادر عام 1950م، والذي تحدث فيه ناقداً من أسماه بالكهنة والسلطة الدينية. وكتاب رشدي صالح «رجز في القاهرة" الصادر عام 1957م، ويقصد به ابن خلدون ويتحدث فيه عن التغيير المادي والاقتصادي للتاريخ. وكتاب مصطفى محمود "الله والإنسان" الصادر عام 1958م ويتحدث فيه عن الصراع بين العمل ورأس المال . ويرى البهي أن رشدي صالح كان أكثر مهارة من المؤلفين الآخرين؛ لأنه أخذ حسب رأيه بالأفكار الماركسية، وأكَّد على تبعية القيم المعنوية والأخلاقية والعقلية للمادة والفكر المادي في جو الثقافة الإسلامية، ولكن في تعثر واضح حسب تقدير البهي نفسه. ويختم البهي حديثه في نهاية هذا الفصل عن التجديد في الفكر الإسلامي بهذه النتيجة التي يقول فيها: "ونرى أن المجددين في الفكر الإسلامي الحديث في الشرق، أتباع مرددون، وليسوا أصحاب حكم ونقد، تدفعهم رغبة الترديد، وسطحية الفهم، أو يدفعهم الاحترام إلى ترديد ما يرددون. وهم لأي واحد من هذه الأسباب ليسوا أصحاب فلسفة، ولا أتباع مدرسة فلسفية خاصة؛ لأنه تنقصهم الذاتية في بناء الفكر ونقده "(25)... وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

....................

الهوامش

11- د. محمد البهي : الفكر الإسلامي الحديث وصلتة بالاستعمار الغربي، مكتبة وهبة، القاهرة، 1959، ص 4.

12-المصدر نفسه، ص 5.

13-المصدر نفسه، ص 17.

14-المصدر نفسه، ص 23.

15-المصدر نفسه، ص 25.

16-المصدر نفسه، ص 52.

17-المصدر نفسه، من ص 23-37

18-المصدر نفسه، من ص 39-52.

19-المصدر نفسه، من ص 61-103.

20- المصدر نفسه، من ص 61-103.

21- المصدر نفسه، من ص137 إلي ص201.

22- المصدر نفسه، من ص 202 إلي ص 223.

23- المصدر نفسه، من 227 إلي ص 264.

24- المصدر نفسه، من 269 إلي ص291.

25- المصدر نفسه، من 295إلي ص389.

 

 

في المثقف اليوم