قراءة في كتاب

أبو الحسن الجمال: السفارات والرسائل بين المرابطين والأندلس للدكتورة هالة خميس

2936 كتاب السفاراتصدر مؤخراً عن دار "نور حواران" بسوريا الشقيقة  كتاب "الرسائل والسفارات بين دولة المرابطين والأندلس منذ قيام دولة المرابطين في المغرب وحتى سقوطها في أيدي دولة الموحدين 448هـ/1056م- 541هـ /1146م)" للدكتورة هالة خميس مراجع عويضة، وهي باحثة مجتهدة من بدو محافظة مطروح من مدينة الحمام، وقد ضربت المثل الأعلى للطموح والاجتهاد، وتحملت المشاق في السفر، حيث كانت تقطع الساعات لجمع المادة العلمية لأبحاثها، حتى أرضت في النهاية طموحها الاستثنائي، في بيئة لها عاداتها وتقاليدها وظروفها الخاصة.

والكتاب في الأساس رسالتها للدكتوراه التي حصلت عليها من كلية الآداب جامعة الإسكندرية، سنة 2020 بإشراف الدكتور حمدي عبد المنعم، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية في كلية الآداب جامعة الإسكندرية، والموضوع فريد في بابه، وقد بذلت فيه مؤلفته المزيد من الجهود وذلك لندرة المصادر والمراجع حوله، فاستقصت كل ما كتب عن دولة المرابطين وملوك الطوائف ودولة الموحدين وممالك إسبانية النصرانية، وكانت تطالع السفر الكبير لعلها تظفر بسطر يهديها إلى حقيقة تاريخية، وهي خبيرة في هذا الموضوع الدقيق، حيث سبق لها أن أعدت رسالتها للماجستير في رسالة بعنوان "السفارات والرسائل المتبادلة بين ملوك الطوائف وأوروبا المسيحية والمغرب الإسلامية (422هـ /1031م- 479هـ /1086م)"، وحصلت عليها سنة 2015م.

وقد قدم لهذا الكتاب الدكتور حمد خالد شعيب، خبير الثقافة البدوية والسيوية وعضو الأمانة العامة لأدباء مصر، وقد زين الكتاب بهذه المقدمة التي تعد قطعة أدبية فريدة، ولأن بيئة المرابطين وحضارتهم وثقافتهم تتشابه مع بيئة محافظة مطروح فقد عرفنا منه إضافات رائعة.

ودولة المرابطين هي دولة عريقة في المجد والمحتد منذ أن ظهرت في النصف الأول من القرن الخامس الهجري ومع الأيام والسنوات توسعت وتمددت من بحيرة تشاد شرقاُ إلى المحيط الأطلسي غرباً وبلاد شنقيط وحوض نهر السنغال جنوباً، وتجاوزت البحر المتوسط وعبرت إلى العدوة الأندلسية وأنقذت الأندلس من موت محقق بعد سقوط أهم حواضره طليطلة سنة 478هـ، وهذا السقوط أغرى الفونسو السادس بالصلف والغرور، حيث راوده هذا الغرور في ابتلاع ما تبقى من مدن الأندلس، وهنا استعان ملوك الطوائف بالدولة الفتية الناشئة في المغرب الإسلامي، وصدح المعتمد بن عباد أحد ملوك الطوائف بقولته: "رعي الجمال خير من رعي الخنازير"، وكانت معركة الزلاقة الفاصلة التي ردت المعتدي الصليبي الذي كان يتربص بالمسلمين الدوائر، وهزم المرابطون ومعهم الطوائف قوات قشتالة بقيادة الفونسو السادس سنة 479هـ، ثم عبر يوسف بن تاشفين العدوة الأندلسية مرة أخرى ليقضي على ملوك الطوائف ويضم الأندلس كلها إلى مملكته واستمرت هذه الوحدة حتى نهاية دولة الموحدين في القرن السابع الهجري.

وكان لدولة المراطين الدور الكبير في نشر اللغة العربية في المغرب الإسلامي وازدهار ألوان من الأدب في عهد يوسف بن تاشفين ونجله علي بن يوسف بن تاشفين، وعملت دولة المرابطين في المغرب على استخدام الأدباء والشعراء والمفكرين والكتاب، وحدث امتزاج بين الثقافتين البربرية والعربية، نتج عنه حراك أدبي مثمر، ومن هنا استعان المرابطون بهؤلاء الأدباء في سفارتهم إلى دولة الإسلام في الأندلس وإلى الدول النصرانية في الشمال الأندلسي وقد نجحوا إلى أقصى مدى في سفارتهم هذه .. وهذا ما تحدثت عن المؤلفة في كتابها الذي جاء في مقدمة وأربع فصول، واتبعت فيه المنهج العلمي التاريخي القائم على التحليل والاستنباط والاستنتاج من أجل التوصل إلى حقائق جديدة تلقي الضوء على هذه الفترة التاريخية الهامة.

وفي الدراسة التمهيدية تناولت الدكتورة هالة خميس مفهوم السفارة لغة واصطلاحاً والمقومات الشخصية للسفراء في الإسلام والحصانة التي منحت لهم وشرح مبسط عن ديوان الرسائل في عهد دولة المرابطين إضافة إلى تفاصيل عن قيام دولة المرابطين في المغرب.

وفي الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان "الرسائل والسفارات المتبادلة بين دولة المرابطين والأندلس قبل معركة الزلاقة"، بدأت الباحثة بالتعريف بممالك الطوائف، واستعانتهم بالمرابطين في صراعهم مع النصارى، كما تناولت مراسلات يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين مع الفونسو السادس ملك قشتالة (431-502هـ /1040- 1109م) ورسائل التهديد المتبادلة فيما بينهما والتي انتهت بنشوب معركة الزلاقة سنة 479هـ /1086م، كما ذكرت بعض رسائل التهنئة بنصر المراطين في المعركة.

وفي الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان "السفارات والرسائل المتبادلة بين دولة المرابطين والأندلس بعد معركة الزلاقة"، وهي الفترة التي أعاد فيها ملوك الطوائف الاستنجاد بالمرابطين في صراعهم مع النصارى، وذكرت بعض الرسائل المتبادلة بين أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وأمراء الطوائف مثل إشبيلية مع حاكمها المعتمد بن عباد، ومملكة غرناطة مع حاكمها عبد الله بن بلقين حتى سقوط غرناطة في أيدي المرابطين، ومراسلات بن تاشفين مع مملكة بطليوس، ومملكة سرقسطة، ومدينة بلنسية. كما تناولت المؤلفة في هذا الفصل مراسلات ابن تاشفين مع الخلافة العباسية في بغداد، إضافة إلى رسائل بعض الفقهاء المؤيدة لخلع ملوك الطوائف والتي اعترفوا فيها بحكم ابن تاشفين على الأندلس.

أما في الفصل الثالث وموضوعه "الرسائل والسفارات في عهد علي بن يوسف بن تاشفين"، فاستعرضت فيه فترة حكمه التي بدأت بتهديده للخارجين عليه، ورسائله المتبادلة مع الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية. كما تناولت المراسلات المتبادلة بين علي بن يوسف وقواده في الأندلس، إضافة إلى موقفه من نصارى غرناطة بعد قيامهم بإرسال سفارات إلى الفونسو المحارب والتعاون معه ضد المسلمين، وفي هذا الفصل أيضاً أشارت المؤلفة إلى السفارة الت وجهها علي بن يوسف بن تاشفين إلى أمير برشلونة رامون برنجير الثالث (485-525هـ /1092-1131م).

وفي الفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان "السفارات والرسائل المتبادلة بين دولة المرابطين والموحدين حتى سقوط دولة المرابطين 541هـ -1146م"، وقد مهدت لهذا الفصل بالحديث عن قيام دولة الموحدين، ثم قسمت هذا الفصل بعد ذلك إلى قسمين، الأول يتناول المراسلات المتبادلة بين المرابطين والمهدي بن تومرت صاحب دعوة الموحدين، وما تم بينهما من رسائل تهديد ومعارك عسكرية، أما القسم الثاني فيتناول المراسلات المتبادلة بين المرابطين والموحدين في عهد عبد المؤمن بن علي، المؤسس الحقيقي للدولة الموحدية، والذي تمكن من إخضاع بعض مدن الأندلس وحكامها وضمهم إلى صفوفه حتى يده دولة المرابطين.

ثم ختمت الكتاب بذكر أهم النتائج التي توصلت إليها إضافة إلى ملحقات بكل مصادر البحث المخطوط منها والمطبوع والمراجع الحديثة والموسوعات والمقالات وعدد من الخرائط التوضيحية والتي أسهمت في بناء الهيكل العام للبحث.

وفي النهاية نشكر الدكتورة هالة خميس على هذه الجهود التي بذلتها خلال رحلتها مع السفارات والرسائل سواء في الماجستير أو الدكتوراه، وقد أثنى عليها في كلتا الرسالتين الأساتذة الفضلاء الذين ناقشوا الرسالة، ونأمل في القريب أن نرى رسالة الماجستير وقد طبعت لتعم الفائدة على طلاب البحث العلمي والقارئ العادي الذي تجتذبه مثل هذه الدراسات الأندلسية التي تثير الشجن في النفوس، فمازالت الأندلس تعيش في وجدان المسلمين بعد كل هذه القرون من السقوط.

 

عرض: أبو الحسن الجمال

 

في المثقف اليوم