قراءة في كتاب

أبو الحسن الجمال: قراءة في كتاب: مدينة هراة في عهد آل كرت للدكتورة ولاء محمد محمود

3071 مدينة هراةصدر مؤخرا عن سلسلة تاريخ المصريين التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب مدينة هراة في عهد آل كرت  للدكتورة ولاء محمد محمود، وهو في الأصل رسالة دكتوراه حصلت بها الباحثة من كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 2017، بإشراف الدكتور عطية أحمد القوصي، وقد تخصصت الباحثة في المشرق الإسلامي وحصلت على الماجستير في رسالة بعنوان "إقليم كرمان في العصر السلجوقي"، ولم يقف نشاطها عند هذا الحد بل شاركت بقوة في الندوات والمؤتمرات العلمية، وقدمت العديد من الأبحاث منها: "مظاهر الحياة في مدينة هراة"، ونشر في مجلة المؤرخ المصري، العدد 49، يوليو 2016، و"ومظاهر تقدم علم اللغة والأدب في مدينة هراة في عهد آل كرت"، مجلة الوقائع التاريخية، مركز البحوث والدراسات التاريخية، العدد 26، 2017، إضافة إلى هذا الكتاب الذي نحن بصدده الآن. كما أنها عضو في العديد من الهيئات العلمية مثل: اتحاد المؤرخين العرب والجمعية التارخية للدراسات التاريخية، واتحاد الأثريين العرب.

وقد اختارت الباحثة التأريخ لمدينة هراة التي هي  واحدة من أشهر مدن الدولة الإسلامية في الشرق الإسلامي وتقع في خراسان (أفغانستان حاليا)، وتناولت أسرة شهيرة هي أسرة عهد (آل كرت) التي حكمت من سنة 643هـ /1245م،  وحتى استيلاء تيمور لينك في سنة 783هـ /1381م، وبينت كيف حافظ ملوك كرت على التقاليد الإيرانية والثقافة الفارسية، خلال حكمهم الذي استمر قرابة قرن ونصف. ولم يحظ تاريخهم بالدراسات الكافية، فقد شمرت الدكتورة ولاء عن ساعد الجد وشخذت كل قواها واستخدمت أدواتها من المصادر والمراجع المخطوطة والمطبوعة، العربية والفارسية، على ضوء منهج تحليلي نقدي، وتوصلت إلى نتائج باهرة رضي عنها مشرفها ولجنة المناقشة وأعطوها أعلى التقدير وهي مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة وتداولها بين الجامعات.. ويرجع الاهتمام بدراسة أسرة آل كرت إلى أنهم قاموا بإعمار مدينة هراة بعد اجتياح التتار لها سنة 619هـ /1222م وتدميرها تماماً كما كانوا يفعلون في كل مدينة يستولون عليها يجعلونها أشباحاً وأثراً بعد عين.. وقد نتج عن هذا الإعمار أن ارتفع شأن هراة بين المدن الفارسية في عهد آل كرت نتيجة لدورهم السياسي في الحفاظ على هراة بعيداً عن الحروب المغولية الدائرة في المنطقة بالإضافة لاهتمامهم بالحضارة والبناء والعناية بالعلماء والفقهاء والمتصوفة. وهذا الاهتمام جعل هراة تتبوأ مكانة فريدة وأن يكون لها تأثيرات على مستوى الأصعدة السياسية والحضارية والثقافية والاقتصادية وهذا ما أفاضت المؤلفة في تناوله بالبحث والدرس.

وقد قسمت المؤلفة كتابها إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة بأهم نتائج البحث، وقد تناولت في التمهيد جغرافية المدينة وأهم خططها، ونشأتها، والأسماء المختلفة التي أطلقت عليها، بالإضافة إلى ذكر أقسامها، فذكرت المدينة الأصلية "الشهرستان"، والقلعة "القهندز"، والربض، وتطرقت إلى أهم مظاهر السطح في هراة من حيث الجبال والأنهار، ثم انتقلت المؤلفة من الحديث عن عبقرية المكان إلى عبقرية الزمان فتناولت تاريخ المدينة بدء من الفتح الإسلامي في عام 22هـ / 643م، في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وعلى يد قائده الأحنف بن قيس، وذكرت المؤلفة أنه بعد وفاة سيدنا عمر ارتد كثير من بلاد فارس عن الإسلام وبخاصة أهل مدينة هراة الذين كانت لديهم نزعات شعوبية، فقاوموا السيطرة العربية، وقد أرسل لهم سيدنا عثمان بن عفان في عام 31هـ عبد الله بن عامر بن كريز لفتح خراسان مرة أخرى، ووجه إليها جيشاً بقيادة أوس بن ثعلبة، وصالح مرزبان، وظلت المدينة تتبع الخلافة الإسلامية في كل العصور، كما تحدثت المؤلفة عن أوضاع المدينة قبل حكم آل كرت لها حتى الغزو المغولي في 617هـ .

وفي الفصل الأول فقد تناولت المؤلفة تاريخ المدينة السياسي خلال الفترة التي اشتمل عليها البحث بدءً من قيام إمارة آل كرت، وأسرة آل كرت من أشهر الأسر الفارسية التي ظهرت في اقليم خراسان، وكرت نسبة إلى والد الملك شمس الدين مؤسس هذه الأسرة، وواضع قواعد ملكها، وذكرت المؤلفة أن الأسرة تمتعت بنفوذ سياسي كبير، وشهرة واسعة، حيث حاولوا إقامة حكم مستقل في بلادهم، واستمر حكمهم ما يقرب من القرن والنصف، وتتابع الملوك على حكم المدينة، كما تضمن سياستهم الداخلية وكيفية توطيد نفوذهم في هراة وسياستهم الخارجية مع المغول الجفاتسن والمغول الإيلخانيين وأهم الأحداث التي تأثرت بها المدينة وأيضاً وضع المدينة تحت حكم آل كرت وأهم الأحداث التي ألمت بها عقب سقوط دولة الإيلخانيين سنة 733هـ /1335م كما تناول الصراع بين خلفاء الملك المعز الدين حسين كرت وأثره على المدينة مما أدى في النهاية إلى استيلاء تيمور لنك عليها في عام 783هـ /1381م .

أما في الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان "الحياة الاجتماعية في مدينة هراة في عصر آل كرت"، فقد استعرضت المؤلفة لعناصر السكان وهم الإيرانيون (الفرس – الطاجيك – الأفغان)، الترك والبلوخ، والهزارة والمغول والعرب، وتناولت طبقات المجتمع وهم ثلاث: طبقة الحكام والطبقة الوسطى وطبقة العامة والرقيق، ومظاهر الحياة الاجتماعية داخل المدينة والاحتفال بالأعياد الإسلامية والقومية، كما تناول مجالس الغناء والملابس وبعض العادات والتقاليد لأهل المدينة، وكذلك المؤسسات الاجتماعية والبيمارستانات والحمامات والربط والخانقاوات، وأهل تقاليد أهل هراة، واختتم الفصل بالحديث عن المرأة ودورها في الحياة الاجتماعية والمصاهرات السياسية.

وتناول الفصل الثالث الحياة الثقافية في مدينة هراة خلال عصر آل كرت وعوامل ازدهارها بالإضافة إلى اهتمام آل هراة بالعلم، والمكانة البارزة للعلماء في المدينة، كما أبرز أهمية دور مجالس المناظرات العلمية، وألقى الضوء على المؤسسات العلمية بالمدينة من كتاتيب ومساجد ومدارس، وتطرق بالحديث إلى مظاهر تقدم العلوم النقلية والعقلية، وأوضح أهم الفنون الإسلامية في المدينة وتقدم فن العمارة والبناء واختتم الفصل ببيان أثر المذاهب الدينية في هراة.

ثم كانت الخاتمة وفتها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة .

 

بقلم/ أبو الحسن الجمال

 

في المثقف اليوم