قراءات نقدية

هدية حسين تتحدث مع الصخر في رواية صخرة هيلدا

neeran alobaydiرواية صخرة هيلدا الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتي سبق وان اصدرت للكاتبة هدية حسين عدد من الروايات والمجاميع القصصية منها قاب قوسين مني_ بنت الخان _ ومابعد الحب _ ومطر الله _ وفي الطريق اليهم_ وان تخاف_ اضافة الى االمجموعة القصصية _ وتلك قضية اخرى_ وكل شيء على ما يرام_ وحبيبي كوديا_ وكتاب نقدي عن خمس روايات للكاتبة . صخرة هيلدا الصادرة حديثا رواية من القطع المتوسط تحتوي على182 صفحة تتطرق فيها الكاتبة لموضوع جديد وغريب على الرواية العراقية بشكل خاص والعربية بشكل عام تحاول فيه توثيقه باسلوب ادبي وسردي جميل وربما تكون الكاتبة العراقية الاولى التي تتعرض لمعاناة مريضة مصابة بحالة الطنين او الرنين التي تصيب الاذن متاْثرة بالدائرة الكهربائية للجسم مما يولد اصواتا تشبه الرنين او الطنين يسمعه المريض بشكل مستمر ، تصيب الكثير من البشر لكنها حالة مسكوت عنها خوفا من اتهام اصحابها بالجنون . حالة تعيشها البطلة محاولة التعايش معها في روايتنا صخرة هيلدا بعيدا عن الاطباء بعد ان تفاجاْ البطلة ان الطبيب المعالج مصاب بذات الحالة التي تعاني منها ، تلجاْ الى نزع اردان خزائن العقل من اسمال الماضي كما تقول البطلة ورمي هذا الماضي خارج صندوق العقل للتحقق من وضع الرنين ان كان نفسيا ام لا و الذي يخبو ويرتفع دون مقدمات محدثا ازعاجا ووهنا للبطلة التي تحاول التخلص من مكنونات الصندوق بالتحدث الى صخرة كتب عليها اسم لفتاة متوفاة من اجل الذكرى الطيبة ، فتاة لم تتجاوز العشرين حسب معلومات الصخرة من قبل حبيبها مورياك وجدت قرب ساحل بحيرة انتاريو في كندا التي تلتقيها البطلة اثناء تجوالها في المنفى بعيدا عن الوطن، لكن الوطن يكون حاضراً امامها على شكل شبح صديقتها سارة المنتحرة او المزمع انتحارها يحدثها ويذكرها بذكريات تريد نسيانها والانتهاء منها مع رمي كل قطعة من اسمال ذكرياتها للصخرة

تبداْ الرواية بدوي انفجارات

دويِ دوي دوي

دوي في السماء

دوي على الارض

دوي في راسي والناس في هياج يركضون ولا يعرفون اين يولون الوجوه … ص 5

الكاتبة هنا تمشي بمستوين من السرد الابداعي الاول خارجي هو دوي الانقجار الذي تنتقل به الى الماضي في الوطن والاخر داخلي هو ارتقاع حالة الطنين محدثا دويا في الراس وهو زمن الحاضر زمن المنفى او السرد الذي تتحدث به مع الصخرة ربط موفق لمسك خيوط الحكاية منذ البداية لتنتهي بنا احاديثها وهي في المستشفى للعلاج وكعادة هدية حسين والغاز رواياتها وقصصها لا تتحدث عن اسرار تواجدها في المستشفى وانما تترك كل الاحتمالات مفتوحة للقارىء ليضع اسباب تواجدها وعلاجها ان كان نفسيا نتيجة الهلوسات التي تتعرض لها ام عضويا بسب حالة الرنين .

المستويات المتداخلة بالزمان والمكان بين بغداد وكندا ترافق الرواية منذ البداية الى النهاية كذلك مداخلات اطياف الاموات من زمن الماضي التي تجلس امامها اشبه بمحاكمة تدافع فيها البطلة عن ارائها وصواب تفكيرها امام محاججات الاشباح التي تذكرها بمواقف نسيتها او تريد نسيانها وهي جالسة على مصطبة خشبية تسرد حكاياتها ورواياتها للصخرة. تقول الكاتبة في ص 68 على لسان البطلة نورهان

قلت لشاهين: ذات مرة : لو اكتشفت انني لست عذراء ماذا ستفعل ؟ حملق بوجهي صارت ، عيناه السوداوان بلون احمر بينما هرب الدم من وجهه وقال : عندها سوف اقتلك هذا ما قاله شاعر تعاطى لغة الجمال فتخيلي يا هيلدا كيف يفكر رجال بلداننا الاخرون ؟

هدية حسين كاتبة جريئة لاتخجل من ان تقول كلمة حق من اجل بنات جنسها فهي في صخرة هيلدا واغلب رواياتها مثل نساء العتبات وزجاج الوقت تتحدث عن العالم السري للمراْة العراقية وتكتب عن معاناتها ببساطة شديدة وعفوية رائعة بعيدا عن الشعارات الكاذبة ، مناضلة من طراز فريد تكتب بلغة ساحرة واسلوب فني جميل وتلتقط صوراً فريدة من نوعها لتجعلنا نتعاطف مع شخوصها وشخصياتها التي تخلقها بيد مطاوعة للكتابة .

في رواية صخرة هيلدا تتعرض الكاتبة لقضايا التحرش الجنسي للاطفال المسكوت عنها في بلد يزخر بالمتناقضات الذي يشحذ سكينه ليقتل البنت والاخت والزوجة لكنه لا يتوانى من ان يدنس الطفولة وميرغ براءتها بالتراب . تروي لنا البطلة عن مقتل صديقتها سارة التي قتلها شقيقها خوفا من الخروج عن الطريق لمجرد كونها مطلقة والمطلقة فكرة منبوذة في بلد ذكوري مثل العراق وكاْنها تريد ان تضع تبريرات للهجرة او اللجوء بعد ان فقد الحبيب شاعريته وامتهن الحرب والحرب الواحدة تناسلت الى حروب اخرى لا اول لها ولا اخر وتؤكد لنا الكاتبة على لسان البطلة رفضها لفكرة الحرب كونها فكرة لا انسانية مهما كانت دوافعها وتظهر لنا تعطش المراْة العراقية لعودة الغائب المحارب ليتكلم معها عن الحب الذي افتقدته ايام الحروب فتقول في ص 99 “ الرجل الثاني هو الطارىء عليك وقد يعود جوهرك الذي اعرفه ذات يوم على الاقل لتدرك ان الحياة ليست تحت ظلال السيوف بل في قلب الزهرة وفي رقة الفراشة وعلى جناح يشدو للجمال " لكنها لا تنساق الى هذا الحبيب الذي اختار الحرب عليها فتقرر رمي كل الاسمال خارج راسها لتعيش جديدة متجددة في المنفى فتقول في العبارة الاخيرة للرواية " اختفى الرجل الاول فيه ، ذلك الذي احببته في زمن القداح وبقي الرجل الثاني الذي اعادت انتاجه الحرب في زمن العوسج .. بملامح مشوهة،” ثم تكمل تبريراتها _ هنا ياسارة لا احد يشهر علي سلاحا ً او سكيناً ولا سيفاً ولا بلوكة من تلك البلوكات التي يهشمون بها الراس " . حين ينكشف سر موت صديقتها من قبل صديقة اخرى مشتركة اسمها سمر التي تلتقيها في الواقع بكندا يكمل الواقع سرد الخيال لتنتقل بنا الكاتبة بين الواقع والخيال لاحكام سرد قصصها التي تخرجها الواحدة تلو الاخرى من صندوف عقلها موهمة البعض منا باْنه سرد عبثي عبارة عن هلوسات البطلة لكن حين تكتمل الرواية نكتشف اننا امام واقع يعجز الخيال عن وصفه .. في صخرة هيلدا تفوقت الكاتبة على نفسها في وصفها للطبيعة الكندية الخلابة فهي تتبع تغير المواسم وتكتب عن المطر وتساقط الثلج وزرقة البحر وتلون الوان الخريف على اوراق الاشجار قبل تساقطها ، يوقظها زعيق سرب بط طائر مهاجر ولا تنسى طائر الروبن الحناء عندنا وهو رمز قدوم الربيع في كندا ، هذا الوصف الخارجي للمكان هو مستوى اخر كان موازياً للسرد الداخلي ففي كل يوم وطبيعة حكاية تبثها هدية حسين بكاميرا طبيعية بالالوان لتنقلنا الى اجواء المنفى الساحر رغم المعاناة والذكريات

 

نيران العبيدي

ايلول 2013 كندا

 

في المثقف اليوم