قراءات نقدية

بسام فاضل: الغايات السامية والدنيئة كما جاءت عند الروائي العالمي تشيخوف.. الأعمال المختارة

من روائع الروائي العالمي الروسي تشيخوف وصفاً يعبر عن مبتغى الحياة وحفظها من السقوط في الرذيلة والتنزه بها عن مكامن النقص الذي يدفع الإنسان إلى هاوية سحيقة ويجره إلى عالم المعرفة البخسة كما أن فيها ما يدفع الإنسان إلى الإرتقاء بالحياة عيشاً لأجل السمو فوق هامات الصغائر والفناء دون هدف سامي يخلد غاية الإنسان الشريفة ويؤرخها معلماً للاهتداء بها .

في أحد الروايات القصيرة للأديب الخالد يسرد بما يشبه حديث الأنبياء وما أنزل في كتب الرسل السماوية إذ يصف أن أصحاب الغايات السامية تكون حياتهم كممات الملائكة والأنبياء مريحة تترك أثراً عطراً ,كما ينفث العطر الزكي من نفاياتهم وبقايا أجسادهم لا تخالطهم ما ينفر البشر منها وتدل على أنها تجذب الجمع اليها جذباً ويهنى السائرون خلف الجسد بطيب الرائحة الفواحة كما يستهويهم الوقوف على عتبات القبر.

تتسمر أقدامهم إلى نهاية المطاف وتتلذذ بالإقامة في قربهم حتى أن الأجساد الحية تندمج أندماج روحي فريد مع الجسد المســـبي في القفص الذي ستخفيه الأرض وتنهال عليه بترابها ويتوارى إلى أن يصبح عظاماً رميم وتحؤول من أن تنفصل عنها الانفصال الأبدي .

وتكون المغادرة حياة للتوق إلى الحياة الخالدة في الأخرة الموعودة فتظل ملهمة وقدوة تشع في سموها وعلوها للالتحاق بها كما هي كانت في دنياها ومن هنا يظل نورها يكسو الحياة علو فوق علو يتوج المنئ .

من ترك هذه الحياه وقد ملئها بأهداف وغايات جملت الحياة وبنت الأنسان وغرست فيها معان التُقى والعبقرية التي أبلتْ بلاءً حسناْ لأجل بني البشر لاشك أن حياة كهذه لم تكن من الهين النحي منحاها ولا من السهولة المضي في هذا المضمار ولذا فإن الحياة على قسوتها ستبعث من أحب هذا النهج وارتضاه سلوكا لا رجعة عنه ومبدا يقاوم محاولات الأشرار ثنيه عنه ويصمد أمام الانكسارات الرهيبة التي ستحدث وتواجهه وما اشد هول العواصف الهوجاء التي تشكل أعاصير وزوابع عاتية لدحر الخير عن طريقها الملي بالأضداد .

ستضل روح الأتقياء ومراثيهم وميراثهم وسيرهم زاد للعطاء والدفع نحو فعل الجميل وهكذا يتم التوالد فتاتي النهاية كما هي السيرة سامية بالمقابل كما يرى تشيخوف في رواياته العذبة المحلاة بالمقابلات الجميلة والمقاربات التي تتأنق بناء يوحي بعظمة الغايات التي يراء أنها تصل إلى عظمة المدبر الأوحد في علاه وتقاه .

فهو يرى أن السقوط في الانهزام والانحلال القاتل كتلك الجثة وتلك النهاية للجسد التي تتحلل إلى الأفظع والبشاعة التي يكرهها البشر في الحياة وتلفظها الطبيعة وذلك التوافق العجيب لكل الكائنات على مداراتها واخفائها كسوءة ما ينبق الإيثار بها اقتداء من أصلها والحديث عنها بل يجب ان تحارب ويحارب مروجها على قدر بشاعتها المخزية .

كان عظيم الروائي تشيخوف في تصوير هذا التضاد والفرق بين الطبيعة المعطاءة والجميلة التي تكون بقدر خاتمتها والفطرة السليمة التي فطر الأنسان بها وتلك الغاية الدنيئة التي يتمحور حولها الرفض القاطع في الطبيعة على قدر خاتمتها والتي يأبى الأنسان السوي على أن يصل اليها والتي تجابه بالرفض حتى من الحيوان الذي قلل الله من شانه وأنقص عقله ويجتهد هوليتجمل بجمال آخرته .

 

عرض وتحليل الكاتب الصحفي: بسام فاضل

 

في المثقف اليوم