قراءات نقدية

قراءة في رواية: الجريمة، الفن، وقاموس بغداد للروائي علي بدر.. يوتوبيا الخواجات في قاموس الأسرار الملحمية

haidar abdullradaلم تعد قيم المعالجات في نمط روايات الميتاتأريخية تشكل بذاتها حزمة تلك الأصوات الميثولوجيا والتي تخرج من بواطن حبكتها تلك الرؤية التسجيلية الباردة التي من شأنها طرح عاملية المواقف والرؤى والمحاور والأخبار إلى عتبة نهاية توثيقية واهنة .. بل أننا وجدنا على العكس تماما في رواية (الجريمة، الفن، وقاموس بغداد) للروائي علي بدر .. إنها باختصار شديد رواية الميتاتأريخية التي راحت تسخر كل معادلاتها الواقعية والمخيالية وفقا لتقنيات أخذت تقدم النص السردي الحداثوي التنصيص بموجب خطاطة الملحمة الدرامية التي أخذت تملي على أجواء النص ذلك الأساس الاستعاري المشدد في مساحة اللقطات الأزاحية والتكثيفية والمتماهية والخرافية في القادم من مجالية امتلاك الروائي لخاصية المؤثر الفاعل في نمو توقعات رؤيته السردية والتي تميل نحو رؤى الأمساك بتفصيلات المتصاعد من صراع حياة أفراد الطائفة الخواجية مع تصاعد وتيرة حدة عساكر السلطانية وثلة القضاة والفقهاء .. إنها ببساطة رواية تجسد وجهة نظر المؤلف المنحازة لموقع الطائفة الخواجية في كافة تشعباتها العقلية والروحانية والخرافية مع عنصر توزعات شخوصها نحو تمثلات تطهيرية تناولت الأحداث في زمن صعود الحس اليوتوبي لدى أفرادها كتركيز أسراري وعلني في غربتها ومغامرتها في جمع فصول رسائل أخوان الصفا . ومن خلال الفصل الأول الموسوم بـ (من أوراق الخواجة نصري عن قاموس بغداد) تتضح لنا سمات الشخصية الناطقة أو الشخصية القولية للسان شكل الحكي السردي في الرواية . حيث تعد هذه الشخصية بمثابة الضمير المتكلم أو الضمير الشاهدي والموقعي لحال حضورية سيرة الأحداث الموضوعية في العملية العلائقية لمستوى طرح رسمية النص المنطوقي والأفهامي المتداول مع ظهور رقعة وسائل الأتصال المروية تبعا لموقعية زمان الحدث والصورة المخطوطية في فضاء المكان السردي .

بيئة النص وتسليط الضوء على حياة الشخصيات

من أبرز فصول وعتبات أحداث الرواية هو تسليط الضوء على سيرة الخواجة نصري والخواجة عماد والخواجة عباس والخواجة سنان وكيفية العمل على صيانة إعداد فصول ذلك الكتاب المقدس المسمى بـ (قاموس بغداد) في هذا الكتاب اليوتوبي المنحى تتركز فاعلية وحقيقة المدينة الفاضلة لبغداد وهنا نترك القول للرواية: (أن عمل الخواجات كما أراد الله بالنسية للطائفة الخواجية يثبت أن المدينة الفاضلة هي مدينة ممكنة .. وأن البناء هو البديل عن عتمة هذا العالم .. والأمل في مواجهة اليأس والنفي المطلق لتضخيم الكراهية ونتائج الخراب ونهاية للضغينة والتعصب .. وهؤلاء البناءون والصناع من فلكيين وخيميائيين وأطباء وموسيقيين وشعراء في عهد العباسيين وعهد السلاجقة وعهد البويهيين وعهد الأليخانيين هم الذين أطلعوا بهذه المهمة وهم الذين أرادوا أن تكون بغداد فاضلة لا بقببها ومدارسها ونقوشها ومذهباتها ومساجداها وقصورها أنما بأخلاقها العظيمة . /الرواية)

فاعلية التوظيف ومعالجة رؤية الصياغة

على الرغم من وضوح اتجاهات النص الروائي وحقوق قضاياه الأصلاحية التقدمية من قبل الطائفة الخواجية غير أنه في الوقت نفسه يلاقى بشديد الرفض والإنكار والكراهية والضغينة من طرف سلطة القضاة والفقهاء والحرس السلطاني . وقد قام في غضون مكونات هذا الشد الدرامي الشاق الروائي على كشف مشروعية مجسات الخواجية في حكاية الرواية وكيفية وصول نزاعها حتى مع أقرب خواجات الطائفة والذي كان يتمثل بشخصية الخواجه سنان وما قد شيع عنه بأنه المسبب الأكيد في أنهيار فردوس هذه الطائفة وذلك بسبب تسريبه لأسرارها القاموسية المكينة في لحظة كانت الخواجية في الطائفة تتكتم على سرانية طريقتها في حفظ كتاب بغداد المقدس وعلى نحو يمكن وصفه بالكائن الملكوتي الأعظم لهذه الطائفة . إذا نحن في رواية علي بدر نعاين مجريات المباحث الخواجية عن يوتوبيا المدينة الفاضلة والأنسان الكامل . وعند ولوجنا القرائي نحو لعبة (الميتا سرد) نلاحظ بأن الطائفة الخواجية من حيث الكيفية المهنية كانت تشكل أعلى مستويات تفعيل المقاومة الضدية إزاء طبقة القضاة والفقهاء والسلطة حينذاك .. بل أنها أي الخواجية راحت تملك أعلى درجات المقاومة لنبذ افتراءات وأكاذيب السجل القضائي والفقهي وذلك بالكشف عن الحيز السراني لقاموس بغداد . أن الحد القاهر لفئة محاولات القضاة للحصول على ذلك الكتاب وبأعلى الأثمان ذلك لأنه كان يشكل بالنسبة لهم ـ أي القاضي عبد الرحمن ـ تحديدا ذلك الزخرف بمحاسن الدنيا والركون عن حقيقة عالم الملكوت الرباني الخالد . والحديث منا عن فصول رواية (الجريمة، الفن، وقاموس بغداد) يتطلب منا توضيحا كيفيا لتحديد هوية المطلوب الغائي من دال (الجريمة) أولا ثم بدال (الفن) ثانيا وثالثا بدال (قاموس بغداد) . في الواقع أن القارىء لأحداث الرواية لربما يواجه ثمة مراحل مثيرة في الوحدة العضوية التي أسهمت في بناء نزوعات الحكي في النص بدءا بعتبة الفصل الأول المعنون بـ (الجريمة) والتي نستدرك من خلالها دخول الشخصية الخواجية نصير الى مجلس الخواجة عباس أبن محمد الطغرلي حيث قال له وبصوت خافت: (أطعنه ؟) ومن هذه المنطقة الأولى في عتبة هذا الفعل نستعلم وحدة دلالة (الجريمة) في وحدات النص الإجرامية المتشعبة كحال مصرع الخواجة عماد على أيدي سلطة القضاة . أما المعنى أو الشق الثاني من دال الفن فقد كان يتركز بمواهب الصناع والفلكيين والنقاشين وأهل الحرف في الطائفة الخواجية التي تم غبابها وافتلاعها تماما في أواخر الحقبة العباسية كما أخبرتنا بذلك مقدمات الرواية وبأسباب تتعلق بطرائق عناية خواجاتها بكل ما هو زخرفي / دنيوي وهذا الأمر ما كان بدوره محفوظا في رسائل أخوان الصفا والتي كانت تشكل بدورها أحدى أهم فصول قاموس بغداد كتمهيدا ملفوظيا لمحاولات إنشاء تلك المدينة الفاضلة .

الرواية / الماهية / السياق

أ: ـ المرجع / النص

في رواية (الجريمة، الفن، وقاموس بغداد) يشغل المرجع النصي فيها اطارا ميتا تأريخيا راح يدون بوساطة تحققات العلاقة السير ذاتية للشخوص بالمقابل من حالة الوظيفة المروية للشخصية الناطقة والمتمثلة بالخواجة نصري . فهذه الشخصية في الرواية بمثابة ذلك المؤشر الحكواتي الذي يستقدم ويستأخر تفتح وانغلاق تموقعات وتموضعات الحكي في تجربة فضاء زمكانية أصوات الشخوص الروائية وتحديدا في مرحلة صنيع أحداث ومسارات دلالات الرؤية للكاتب الروائي . ونص الرواية عند حال تتبع مراحل مكوناته الاستطرادية راح يظهر لنا وفقا لهذه الثنائية: ـ 1ـ المرجع / النص 2ـ التعاقبي / التزامني 3ـ السيرة الذاتية في المكان الذي فيه يحدث تقاطع الرؤى ومحاور صراع الأقطاب المتضادة . فالنص كما نفهم من عنوانه ومحاوره الثلاثية يجسد حالات الصراع بين طائفة الخواجية وسلطة القضاة والفقهاء وصولا الى اغتيال رئيس الطائفة عماد وتشريد أعضاء الطائفة التي تتشكل من مجموعة خواجات تحتفظ بالولاء الدائم على صيانة أسرار ذلك الكائن الملحمي المسمى بقاموس بغداد . في الحقيقة أن دلالات رواية علي بدر ليست كشاكلة أعماله الروائية التي قرأناها بل أنها رواية راح يغلب عليها الطابع الخاص من الفراده والاستثنائية الفنية الآخاذة . وبأي حال من الأحوال يبقى حضور هذا الروائي ضمن العلامات البارزة في السرد الروائي العراقي والعربي . مما جعلنا ننظر الى روايته هذه بعين التمايز والتفريد دون أعماله الروائية الأيروسية الأخرى لاسيما وأنها أخذت تتموقع داخل قراءة نصانية متعددة المشارب والأساليب الإدائية والتخييلية الساحرة . وعلى هذا الأمر نعود للحديث عن أحداث رواية علي بدر موضوع دراسة مقالنا لنستوضح من فقراتها ومشاهدها السردية كيفية العلاقة بين نصية التخييل ونصية الوثيقة الميتاتأريخية ومن يكتب سيرة وفصول قاموس بغداد ومن يتخلى عنه ب:ـ الأفتتاحي من ذخيرة صورة سياق النص:

تأخذ التعريفات الدلالية في كتاب قاموس بغداد حيزا كبيرا فهو الدليل المهيمن على العالم الخواجي في هذه الطائفة بدءا كما قلنا سلفا برئيس الطائفة عماد وعباس وسنان ونصري وآخرون ممن ستتضح علامات مواقعهم النسبية وذلك من خلال استعراضنا لبعض من فقرات وتنصيصات الرواية . فيما يؤكد الفرع المعنون بـ (مقدمات عن قاموس بغداد) ذلك الأهتمام بحالات ودقائق وظلال مكونات وموجهات وسياقات هذا الكتاب وهنا نترك الحديث للرواية: (هذا القاموس ليس كتابا جامعا لفنون بغداد وقصة في خلقها واساطينها فقط ..أنما هو فن مطلق لا يعتريه عيب أو نقص .. أراده الخواجات أن يكون بنسختين: واحدة للعامة وأخرى للخاصة .. فالنسخة المقدمة للعامة هي التي تشمل على معارف بسيطة وجزئية ومقدمة الى قراء من خارج الطائفة .. ولا تخرج هذه النسخة على الدين الشعبي ولا تحرج الحكام .. أما نسخة الخاصة فهي النسخة التي لا يفوقها مؤلف في الجلال والمهارة .. مكتوبة بلغة رمزية هي مزيج مذهل بين الرياضيات ولغة الموسيقى .. ولا يداولها إلا من هم داخل النظام . وتدور حول البناء الروحي لبغداد وكل أفكارها مستمدة ببراعة من المضلع الروحي لرسائل أخوان الصفا .. حيث كانت الرسالة الثالثة والخمسون المفقودة والتي عثر عليها بعد مئة عام هي الملهم الأول في كتاب هذا القاموس . / الرواية) يتبين من الرواية بأن هذا الكتاب يحمل في صفحات رسائله ووصاياه الروحية مذكرات عديدة محفوفة بالسيجالات والخصومات التي تخص الطائفة في وقائع تواريخها القديمة .. فيما يتطرق هذا القاموس على ذكر حيوات علاقات أعضاءها السرية وقواعد أصولها العرفانية وطلاسم ومخطوطات بناءات مدينة بغداد الفاضلة والتي كانت تشكل أتون الأهمية من محفوظاتها ورسائلها الغائية في مقصدية مضمونها المفصلي والأجمالي . إذ توضح الرواية بمعرفة الخواجة عباس أحد عقول الطائفة وذلك لبيان العلاقة الميثولوجية بين موقع حياته كخواجة مفكر وعقائد الخوارزمي والسلسلة الذهبية للفلاسفة الفيثاغوريين أو ما يقال عنه في الحياة الأسلامية بالمجموعة (الجابرية) مما جعل (أمر رسائل أخوان الصفا عظيمة / الرواية) وتبعا لهذا الأمر كانت عقول الخواجية من تلك الطائفة تتنفس من ريحانة الموارد والمصادر والإحالات الفيثاغورية والجابرية المحفوفة باللامعات المعرفية الكونية الشاملة . هذا ما تخبرنا به أحداث الحكي السردي في الفصول الروائية والتي تتحدث أيضا حول علاقة الخواجات الملحمية حول قاموس بغداد وهنا الحديث للرواية: (أما قاموس بغداد فهو موسوعة علمية ذات طبيعة فيثاغورية الميول مقدسة بأسلوب رياضي وتحاكي الكتابات الجابرية العظيمة .. فجابر أبن حيان الكوفي ـ ونحن نسميه ـ الخواجة جابر قد كتب رسالة سرية وصلتنا عن طريق سلسلة المريدين ـ قال فيها بأن ما أراد تقديمه للمسلمين هي معارف حكماء الأغريق وخاصة معارف فيثاغورس وأبولونيوس التياني ـ بالينوس ـ وليس هذا فقط قدم لنا الخواجة جابر حكمة اليمنيين القدماء التي قيل أنه أخذها عن حربي الحميري ./ الرواية) فيما بعد تطلعنا أخبار الخواجية عن قاموس بغداد من أنها قد أفادت من مناهل العلوم الهندوسية إذ أنها أي الطائفة كانت تؤكد تعزيزها بالمجموعة الجابرية حيث تضم أعدادا من المكونات ذات الفرق القواعدية الفيثاغورية والهرمسية وهناك من الأفكار المنسوبة الى الفرس والهنود والصينيين: (فالقاموس ربما هو الموضع الذي أختاره الله ليشيد عليه خواجات بغداد مخيلتهم ولكي يؤسسوا لأهل بغداد مدينتهم المثال كما هي مخيلة الجمال الطلق ـ جميلة كما هي في ذهن صانع الجمال . / الرواية)

البنى السردية لسلطة الرؤساء الثلاثة

إذن تتشكل البنى السردية للرواية من ثلاث مكونات مركزية هامة هي شخصية الخواجة عماد الدين أبن أبي النقاش والآخر هو الخواجة عباس الطغرلي وصولا الى الخواجة سنان أبن ميمون ـ وهؤلاء الثلاثة من أضحى يجسد منزلة من المنازل العليا في الفن والحكمة والبرهان في محضر يقين الطائفة . كانت غاية الطائفة كما تخبرنا الرواية هو الولوج نحو أواصر حصون البناء والفن والحكمة وتشييد مقامات العدل والسلام . فيما كان يترتب في الوقت نفسه على العضو العامل فيها أن يواجه ثمة امتحانات واختبارات شاقة تبعا لحياة صعبة عليه أن يمارسها ذلك العضو حتى يتسنى إليه بالمقابل عملية تفويضه الروحي الى منزلة تقترن بمقامية الآلهة على حد قول الرواية أي بمعنى ما هو حالة بمثابة سفينة النجاة السارية نحو ضفة الخلاص مما يسهل أمر البلوغ نحو بناء تلك المدينة الفاضلة وانشاء مقومات ذلك الأنسان الكامل .

أ: ـ الراوي / المروى / المروى له:

فإذا نظرنا الى العلاقات التي تربط الخواجات الثلاثة في قرار حاكمية الطائفة لوجدنا ثمة علائقية ربطية بين هذه الاقطاب الثلاثة بدليل أن كل شخصية مكونة لا تتحد أهميتها إلا بوجود الشخصية الأخرى . أنما هي علاقة أقرب ما تكون إلى وظيفة المروي / المروى / المروى له . وبالمقابل أيضا من هذا نجد بأن كل من هؤلاء الخواجات الثلاثة لا تتحدد أهميته أحيانا إلا بذاته . أنما بعلاقته مع ذاته سرا وبالمقابل أقول بأن هذه العلاقة الثلاثية تبدو أحيانا متلاصقة وأحيانا بعيدة على حين غرى .. أن دور الرواي في هذه العلاقة الثلاثية يندرج حينا ومن خلفه الكاتب الضمني داخل حيثية مراوية تتخذ لذاتها وضعا ارساليا بين هوية المروى وهوية المروى له وحينا تبدو صورة هذه العلاقة الثلاثية غيابا بين التوفيق والاختلاف وهنا الحديث للرواية: (و علي أن أقول الآن ببهجة غامرة رغم الحزن الذي يعصر قلبي أن قاموس بغداد المقدس قد نجا من الفتنة الكبرى .. الفتنة التي ذهبت برقاب زهرة شبابنا أما حزني العظيم الذي لا يزول بسبب خيانة الخواجة سنان التي أدت الى مقتل الخواجة عماد الدين وأكثر مجلس الخواجات أيضا وقد أختفى الخواجة عباس الطغرلي بعد أن نجا من موت أكيد . / الرواية)

تعليق القراءة

هكذا راحت تتضح حلقات الفصول النصية من راوية (الجريمة، الفن، وقاموس بغداد) على إيقاع الزمانية اللاخطية والمكانية المتركزة في المحك الوظائفي الدال في مؤشرات الواقعة السردية المركزة . ففي مكونات هذه الرواية تقع قدومات حدثية خالصة لأنتاجية ما لا تتضح مستقراتها إلا في أفق مواضعات بنى سردية خاصة بوظائفها القصدية . فالروائي راح في نصه يمنح القارىء خلاصات منوهة تستدرك من وراءها موضوعة الرواية بكاملها ودون بلوغ حتى مرحلة القراءة بصبغتها المضمونية الأخيرة . فهو ومنذ البدء أعطى القارىء مضمون الرواية مع أيضاح مواقف وحالات الخواجات من القاضي عبد الرحمن والفقهاء والحرس السلطاني مع إعلان مصرع الخواجة عماد تنكيلا على أيدي ما يسمى بالحرس السلطاني فضلا عن أخبارنا بخيانة الخواجة سنان للطائفة الخواجية والذي كلف الخواجة نصري بقتله بناءعلى طلب من الخواجة عباس وهنا الحديث للرواية: (كان باب الحجرة مفتوحا ولجته .. فجأة رأيت جاريته واقفة على حد الباب الخشبي الكبير وظهرها متجه نحو الشباك الذي يكشف بعض الطريق وحين صرت في مواجهتها ردت فضلة من خمارها على فمها .. كانت غارقة في دموعها .. فسألتها عن الخواجة سنان بكلمات مضطرة ومتلعثمة لم تجبني بشيء مفهوم .. غير أن عينيها كانتا مغرورقتين بالدموع:ـ ثم قالت لي بصوت أجش حزين أنه هناك .. هناك .. أين؟ / كانت الدكة الكبيرة مفروشة تحته وخلفه حوض كبير من الماء الساخن يتصاعد البخار الأبيض منه ومع البخار تضوع رائحة طيبة في فضاء الحجرة كلها ..نظرة ألي بعينيه الغائرتين وبشفتيه المرتجفتين تمتم قليلا وطلب مني أن أجلس عنده / وجلست على الدكة وقد حاذى جانب من فخذي رداءه الأبيض في تلك اللحظة بدأت أراه جيدا / كان وجهه الشاحب جميلا شعره الطويل ينسدل على كتفه ولحيته الطويلة تنحدر على عنقه كان يتنفس بصعوبة وعيناه تذهبان يمينا وشمالا وجهه شاحب متعرق وهناك زرقة على شفتيه: ـ ولكن ماذا حدث؟ ماذا حدث قلت له .. سكت قليلا وقال لي: ـ لقد بعثوك لتقتلني أليس كذلك؟ ... ـ أعرف ذلك وكنت أنتظرك ألا أنهم لم يطيقوا صبرا فبعثوا شخصا آخر لقتلي قبل وصولك .. لأنهم ما كانوا متأكدين من تنفيذك للأمر .. لقد طعنني في خاصرتي .... ـ لماذا خنت الطائفة؟ .. ـ لم أخن أحدا .. ما قلته كان صحيحا .. ـ كيف؟ سألته فقال لي: الأسرار .. فهمت أراد أن يقول أن الأسرار تجعل الناس تفكر بأخطار ومؤامرات لكن لم يفهمه أحد . / الرواية) . يبدو لنا بأن نهاية رواية علي بدر قد حلت حلولا كبيرا في شخصية (اللاموقع) أو في تذويب هوية الشخصية المركزية المموقعة فيما بقيت موقعا قوليا يترك أثره في محورية أصوات الخواجات الموقعية المتفرقة . فالروائي بدر أقدم على جعل وظيفة (تحييد الراوي) فلا يبدو هناك مثالا للبطل المحوري في الرواية .. بل هناك تحديدا موقعية متحركة لمختلف الأقوال والأصوات الروائية الصادرة لمحا عن هوية الراوي الشخصية والذي غاب سعي صوته في مدارج أصوات الطائفة وفي مجلى أتفاقاتها واختلافاتها ليصل السياق الروائي نحو غايته المرتبطة بلبوس موقعية يوتوبيا حكاية الخواجات في قاموس أسرار بغداد الملحمية الكبرى .

 

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم