قراءات نقدية

تمثلات الألوان ودلالاتها.. قراءة في رواية: تحريات كلب لـ"كافكا"

أننا امام رواية وظفت سردها لغاية الإنسان ومصالحه، وقد يصطدم القارىء بعنونة الرواية اولاً، ثم بغلافها .

يحمل الغلاف الخارجي للرواية سيميائية رمزية متقنة ومباشرة للقارىء بنوعيه المثقف والعادي، والذي يعطي الخيط الأول لفهم المتن السردي.

يوظف خفاء ظاهر ومعلن، ويستمد التأويل، شخصية البطل بارزة، وهو يتناسب مع المتن السردي، فالشخصية ظاهرية، تحمل دلالات خطابية، ورمزية عميقة، وتحمل كلا الدلالتين المجازية والحقيقية، فأهمية الغلاف موازية لأهمية المتن السردي، وتستنطقه بلغة سردية مفهومة بعيدة جداً عن الغموض والمواربة.

وتتميز بالتشكيل البصري المتقن، عن طريق بصرية الالون، خط العنوان باللون الأزرق وهو لون السماء، والماء، والطبيعة، ثم ليغلب اللون الرمادي الذي يرمز الى المأساة، ليأتي الأمل بلمحة بسيطة وزيارة خفيفة باللون الأخضر وهو دلالة للحدوث والتجدد، واشار اللون البرتقالي الى لون الحركات السياسية، ويرمز ايضاً الى التمرد والعصيان، أما دلالة رمزية الكلب فهي دلالة للحيوان لكنه تقنع برداء الإنسان، وأحسب أن الروائي كان على قصدية عالية عندما فضل الكلب على غيره من الحيوانات؛لأنه يحمل نسبة من الذكاء العالي فهو يصلح للمهمة التي أوكلها اياه الروائي، ثم لأنه يستعمل في العمليات العسكرية أغلبها، ويعد الأساس الأول والمساعد للإنسان في اجراء العمل الميداني والتحريات والكشف عن طريق حاسة شمه القوية؛ ولأنه امتاز من بين الحيوانات بالوفاء، لذا فإنه سيتفوق في مهمته التي أوكله أياها الروائي.

وقد أمتاز كلب (كافكا) بالكاريزما، فـإلبسه القميص الأبيض الذي يدل على السلام والنقاء، والأسود رمز الأناقة وهو سيد اللألوان، يحمل تأثير قوي ومباشر، اضافة الى أنه يحمل دلالتان: الأولى: ايجابية: رمز القوة، والآخرى: سلبية: عندما يتوافق مع الموت والشر، واشار لون شعره-الكلب-باللون الأصفر وهو لون الابداع والتفكير، ويمكننا القول: إن ملابس المحقق (الكلب) جاءت بصرية، اعتمدت على علامة غير لغوية، وبهذا تكون اكثر فعالية، وهي دلالات تواصل بين القارىء والروائي، هذا من ناحية الغلاف ومايشير اليه.

واذا ما انتقلنا الى المتن السردي فإننا نقع بإزاء مواجهة مباشرة ومعلنة أمام مهمة (الكلب)، فالروائي قد وضع جملة تسأولات في مخيلة كلبه، تحمل عدداً من القضايا بنوعيها (الأساسية والثانوية)، ليحاول عن طريقها أكتشاف المعلن والمضمر، ليكتشف العالم من دون مؤثرات خارجية أو داخلية، فهو محقق وهذا عمله، ولذا نجده جرده من المؤثرات جميعها، ثم سعى الى تجريده من اية أفكار مسبقة، وهذا ماجعل الفلسفة تحتل الجانب الأول في مهمة المحقق (الكلب)، ليختلج مزيجاً من الصراعات النفسية، والأيديولوجية.

والكلب يقع بإزاء نهاية عالم مغلق وخفي، لينهض من فزعه وتنقض عليه الموسيقى وتكاد تقضي عليه وهو الجرو الصغير، ليمارس صومه في سكون الغابة، وسيميائياتها، وهذا امتياز يحسب للروائي ؛لأنه وظف الجانب الروحي عندما وظف الموسيقى، والجانب العضوي عندما وظف الطعام، وبدوره-الطعام- غاية لوجود الإنسان والحيوان .

والحت الرواية عن طريق اسلوب التكرار في فكرة تأمل الحياة بوساطة تفسخ وتحليل الأحتياجات المادية وغير المادية للإنسان والحيوان وخصه بالغذاء، وناقشت مفهوم كيفية أنبات الغذاء في الأرض.

ثم يتطور كلب (كافكا) وهو الصغير الذي يفرض نفسه عضواً في منظمة غذائية، كل هذه الأساليب والتدخلات من قبل (جرو أو كلبه الصغير) خرجت لغاية خدمة الإنسان اولاً؛ لأنه-الإنسان- قضية (كافكا) الأساس، ونجده دائماً يعمد الى ربطه بالحيوان، لأقتراب حاجات كليهما من ناحية الطعام، والمسكن، والأمان، والأبتعاد عن الأضطرابات، والعنف الموظف بإزائهما.

ويوظف الفعل المضارع الدال على الأستمرارية (تسأل، ترجو، تنبح، تعض، تحقق ...الخ).

وخص عالم الكلاب بالقول: (مؤسسة رائعة من كل الجوانب)، وامتاز كلبه بالذكاء والفطنة عندما نقد وضعهم بالقول: (كانت هذه الكلاب تنتهك حرمة القانون. ربما كانوا من كبار السحرة، لكن القانون ينطبق عليهم بدورهم. كنت أعرف ذلك تماماً على الرغم من أنني كنت جرواًصغيراً...)

اضيف، أن العالم الروائي منذ الوهلة الأولى التي انطلق فيها، وظف سرده لغايات أجتماعية بالدرجة الأساس، ولخدمة الواقع المتردي ثانياً، وهذا ماجعل الرواية تحتل جانباً متميزاً .

 

بقلم: وسن مرشد

 

في المثقف اليوم