ترجمات أدبية

كن هناك مستيقظات

صالح الرزوقبقلم: ريبيكا إيفانهو*

ترجمة: صالح الرزوق

 اجتمعت السيدات في وليمة مفاجئة. وحضرت الأطباق الشهية.. الملفوف الأحمر بصلصة الخل، والمطهي ببطء مع البهارات المنوعة والشمرة. وسلطة نيس مع الريحان والزعتر والخضار، وأفضل أنواع السردين الأسباني بزيت الزيتون، والبيض البلدي المسلوق جيدا مع الاحتفاظ بالصفار معتدلا لا هو سائل ولا صلب. وأسعد ذلك السيدات، وبالأخص لقاء الواحدة مع الأخرى. وبعد أن اتخذن أماكنهن حول الطاولة، لزمن الصمت والتهذيب، وتبادلن الفوط والأطباق والقدور، وسكبن  في الصحون من السلطة والملفوف بملاعق خشبية كبيرة. وبعد بضعة أكواب نبيذ، بدأت السيدات بالثرثرة المعتادة، والضحك ودخلت كل منهن بحوار مع الأخريات. مثلا: "آه كنت أفكر بك يا إيما وأنا أشاهد ما ورد في صحيفة اليوم"، و”هل يمكنك يا إيمي توضيح كلامك أكثر بكلمة أو كلمتين". وبدأت الواحدة تلو الأخرى بإفشاء أحلامها. كلهن حلمن أحلامها مقلقة، كل واحدة منهن، مع أن الحياة تعاملهن بيسر وبساطة. وفتحت بيكا باب الكلام وهي تسكب الصلصة على صحن السلطة. قالت:"في الأسبوع الماضي، حلمت أنني أدين بمبلغ لشركة الغاز. ثم جاءت من الباب خبطات عالية، وشاهدت ملاحظة مكتوبة على ورق برتقالي تدعي أنني مدينة لهم بمئات الدولارات. وحملت نفسي إلى مكاتب شركة الغاز - ولاحظت أنها تشبه المكتب الذي أعمل فيه. والرجل، وكان عمي شارلي - أو يبدو مثل العم  شارلي - تعامل معي ببرود وعدوانية، أخبرته أنني سأدفع، وأخرجت المحفظة، وكانت محشوة بنقود لعبة المونوبولي. أوراق زهرية صفراء... وقلت له لا بد أن شخصا يتلاعب بي، وكل ما بحوزتي كان أوراق مونوبولي، فرد بصوت تهديد:"صدقت. هم يلعبون معك. أين نقودك الحقيقية إذا؟". استيقظت مرعوبة، وتأكدت من حسابي أون لاين، وشاهدت أنني دفعت لقاء كافة الخدمات، ولكن لم أتمكن من التخلص لعدة ساعات من الإحساس بوجود فاتورة لم أتكفل بها". ضحكت السيدات وقالت إيما:" أنا أيضا واتاني حلم مخيف، في بداية الأسبوع الماضي، بالعادة لا أتذكر أحلامي، لكن استيقظت خائفة ولم أتمكن من نسيانه، حلمت خلاله أنني في شقة عشيقي السابق. ليس الشقة التي يسكن فيها الآن، بل التي كانت له قبل عشرة سنوات، حينما التقينا أول مرة. وكانت مزدحمة بالأعمال الفنية المذهلة. أعمال فنية نادرة وجميلة وحقيقية، وأتذكر أنه اقفلالباب وراءه، هل تفهمن ما أقول؟. اقصد، رأيته يفعل ذلك، ثم سمح لي برؤية كل هذه الأعمال الفنية الجميلة فنسيت للحظة أن الباب مقفل". قالت إيما بهدوء:"أمر محير طريقة عمل الأحلام، ألست معي؟". ردت:"نعم!. كان الحلم عجيبا. ثم أخبرني أنه عليه أن يتأكد من سلامة كل قطعة فنية في شقته. وبشكل ما كانت هذه طبيعة عملي. مع أنني لم أتمرن على ذلك!. فكيف يفترض بي أن أتصرف؟. وكرر بإصرار'يمكنني بيعها، وأنا أريد أن أبيعها، ولكن لا أريد أن يستولي عليها أحد. ويجب أن تحميني من اللصوص'. وقد حاولت الوصول إلى الباب ولكن كان الأقفال كانت مغلقة". سألت السيدات:"هل خرجت؟". قالت إيما:"لا، لا طبعا لم أفعل. استيقظت عندما لاحظت أن الأقفال مغلقة". قالت كاري:"وأنا شاهدت حلما وقعت فيه بفخ، حلمت أن كارل يوشك على اغتصابي. رأيته قادما للبيت من العمل مبكرا وكنت أقوم بتمارين رياضية. وأخبرني أنني لا أسمح له بما يريد. وكان بنظري يشبه كارل غير أنه أصغر بالعمر. أعني كان يبدو مثل صور كارل القديمة ، صور تعود لفترة سابقة على تعارفنا. لنقل حينما كان يبلغ ثمانية عشر عاما . وقال لي ' عليك أن تمنحيني ما أريد'، وتخيلت ربما يريد أن يغتصبني، وهكذا أسرعت إلى الباب الزجاجي، وحاولت أن أكسره، لأهرب، ولكنه تحول إلى جدار إسمنتي. ولم يكن كذلك حينما ركضت نحوه، ولكن يبدو أنه تحول، أو لاحظت أنه تحول - أنتن تعلمن كيف هي الحال في المنامات - وعندما أدركت أنه لا يمكن عبوره لأنه جدار من الإسمنت، توجب علي أن أستدير، ورأيت كارل، كان بتمام عريه. أقصد كارل الشاب البالغ من العمر ثمانية عشر عاما. ثم رماني على الأرض، واعتقدت أنه سيغتصبني. وهنا استيقظت". وكارل هو زوجها. أطلقت السيدات تنهيدة تعجب وقلن:"يا إلهي!". قالت إيمي:"كارل لا يفعل ذلك، هذه ليست أخلاقه". حان دور سابرينا المطلعة على العالم، فقد سافرت إلى روسيا والصين وجنوب إفريقيا. وقالت:"غشيني كابوس يوم الخميس. كنت أساعد امرأة، في جو يشبه عيادة طبية، وكان الأطباء والممرضات يتجولون من حولنا، وهناك امرأة تعرضت للاغتصاب للتو، وهي روسية، واستمرت بالصياح:' أنت من ارتكب الجناية، دفعت النقود للرجل ليغتصبني'. وتابعت الكلام بهذا المعنى". سألتها ليز:"ولكن لماذا تعتقد أنك دفعت لرجل كي يغتصبها؟". قالت سابرينا:"هو مجرد حلم. وفي كل حال جادلت المرأة وأخبرتها أنني كنت أريد خدمتها، ولكنها غضبت مني، وفي النتيجة تآخينا. أعني أن وجه المرأة في خاتمة المطاف بدأ يشبه وجه أختي. وتابعت القول 'أنا لم ألحق الضرر والرضوض بجسمك. من أصابك بتلك الرضوض؟.". كانت هذه المرأة مغطاة بالرضوض، على طول ساعديها وفخذيها. ثم هربت مني، واستيقظت. كنت شديدة الاضطراب بسبب الحلم. واتصلت بأختي في اليوم التالي، وتأكدت أنها بحالة ممتازة. كانت برحلة استشارية لمصلحة شركات تعمل في هندسة البيئة. وعلمت أنها كانت في الطائرة تتنقل منذ عدة شهور. وتنتظر فرصة العودة إلى البيت". تنهدت السيدات وقلن:"يا لحسن حظها". وقالت إيمي:"هذه حياة ممتعة". وبعد ذلك ذكرت إيمي إنها شاهدت حلما مزعجا أيضا. قالت :"حلمت أنني أحضر البوشار". هزت السيدات رؤوسهن. كانت إيمي تعشق البوشار. وتابعت تقول:"نظرت من النافذة، ورأيت أمي. أسرعت نحو باب المطبخ وفتحته. انتبهت أنها كبيرة جدا بالعمر. ولحق بشعرها الشيب، ووجهها متغضن. وحضنتها بساعدي وعانقتها. ولكن وراء كتفيها شاهدت أمي. نسخة أصغر بالعمر منها، وكانت واقفة في باحة البيت. وكنت لا أزال أعانق هذه المرأة العجوز الضعيفة، وعيناي تنظران لأمي الجميلة الواقفة هناك". وتشوقت السيدات وسألنها:"ثم ماذا؟". قالت إيمي:"استيقظت". سألت بيكا:"وهل هذه أسوأ الأحلام التي شاهدناها، أعني ما هو أسوأ حلم رأيناه؟". قالت كاري:"حلمت بالمدرسة المتوسطة، وأن كلبا التهم فيها وجهي". وقالت ليز:"وفي الكلية بعد عدة شهور من بداية العام، حلمت أن أستاذ الرياضيات يومذاك أخبرني أنني لن أتقن هذا العلم بما فيه الكفاية". وقالت إيما:"طوال أيام المدرسة الثانوية، عاودني حلم متكرر أنني أحاول بإلحاح تحضير وجبة غداء لوالدي، وتابعت إفساد الطبخة - أحرقتها، وكنت أنسى إشعال الفرن، وكنت أشاهد أن المساعدين يوبخونني في غرفة الاستراحة دون انقطاع قائلين 'أنت فاشلة! لا يمكنك أن تنجحي بذلك'!". وقالت بيكا :"حلمت حلما رائعا في العام الماضي، عندما اكتشفت أنني قتلت جون بيدي، صرعته على الأرض وخنقته بضغط يدي حول رقبته، وحينما كنت أفعل ذلك، شعرت أنني قادرة على ارتكاب أي جناية". ابتسمت السيدات بتهذيب، وقالت إيمي:"بالتأكيد يمكنك أن تفعلي أي شيء- فقط انظروا  إلى سلطة نيس هذه. إنها مدهشة". وشكرت السيدات إيمي على ما صنعته يداها. وحملن الشوكات مجددا والتهمن من السلطة اللذيذة. قالت إيما:"انتابني حلم مثله أيضا منذ سنوات. رأيت الشرطة قادمة. ثم، كما يفترض، دقوا على باب البيت، ثم حملوني بسيارة. ولم يخبروني بالسبب واعتقدت أنها غلطة. ثم أودعوني في غرفة، مثل التي نراها في التلفزيون. غرفة تحقيق. وسألوني لماذا قتلت رجلا ما لم أعرفه. وواظبوا على عرض صور مشينة. وهم يقولون بإلحاح 'لقد قمت بضربه. ضربته بأنبوب نحاسي، أليس كذلك؟'". "مرعب". "نعم مرعب. مرعب تماما". "ثم استيقظت، أليس هذا ما جرى؟". قالت إيما:"لا، أعني استيقظت. خيل لي أنني استيقظت. ولكن استيقظت ضمن الحلم. هل هذا واضح؟. ثم فهمت أنني قتلته. ضريته في زقاق. وتصورت أنه يهاجمني، ولذلك حملت أنبوب النحاس من محفظتي وغرسته في رأسه. وتابعت ضربه به، مرارا وتكرارا. ولاحقا هربت. وما أن انتبهت ماذا فعلت، شعرت بالرضا على نفسي". مدت السيدات أيديهن نحو أكواب النبيذ، وسكبن العدس في أطباقهن من أقرب إناء. وقالت سابرينا:"تابعي". قالت إيما:" وبعد ذلك استيقظت فعلا". تنهدت السيدات وضحكن. واعتقدن أن حكاية إيما مختلفة، وتصل لبقعة مظلمة من النفس. وهزت سابرينا رأسها وقالت:" كما ترين، أمر غريب أن نفضح أحلامنا. كلنا نستعمل كلمة انتبهت ولاحظت. 'أنا انتبهت ولاحظت'. ولكن هذا لا يشبه ما يحصل في الحلم حقا. أليس كذلك؟. أننا نعلم ونفهم. نحن نستعمل عبارة انتبهت ولاحظت بعد أن نستيقظ من أحلامنا". قالت ليز:"نعم هذا صحيح، ألا تعتقدن ذلك؟. أنا شاهدت حلما في أيام طفولتي وأدرك الآن أنه شيء فظيع". سألت سابرينا:"وماذا شاهدت". "علمت على وجه اليقين أن أخي عزم على الانتحار. وكان جو الحلم بالضبط يشبه جونا المنزلي فعلا. كان الوقت في يوم عيد الشكر. كل شيء في الحلم مثل عيد الشكر المعروف - كل أفراد العائلة تناولوا الإفطار، ثم حضرت الوالدة الديك المحشي، ولعب أخوتي في الحديقة مع أولاد عمي، وكان البيت يبدو مثل الأفلام القديمة تقريبا. ولكن طوال الوقت كنت أعلم أنه سيقتل نفسه في تلك الليلة بقطع شرايين معصمه في الحمام، وأنني من سيكتشف جثته. واستغرقت أحداث الحلم يوما كاملا - كان كل شيء طبيعيا، باستثناء ما أعرفه - ثم ذهبنا جميعا إلى السرير، وحاولت أن أعانقه، وتابع هو يقول:'ليس الآن يا ليز. عانقيني لاحقا، ليس الآن'". نظرت ليز إلى طبقها وتابعت:"حصل الحلم في وقت سابق. قبل عشرة سنوات. حينما كنت في الجامعة، ولم أتذكره  حتى قتل أخي نفسه فعليا.. لنحسبها.، قبل أربع سنوات". حملت السيدات كؤوس النبيذ، وسألت إيما:"هل قطع شرايين معصمه في الحمام يوم عيد الشكر؟". قالت ليز:"آه، كلا. طعن نفسه ونزف حتى الموت. وذلك في حزيران، كان في شقته. لقد تحقق الحلم بعدة سنوات. هل تفهمنني". قالت بيكا:"يا له من توقيت غير طبيعي ليقتل أخوك نفسه، أليس معظم حوادث الانتحار تجري في عيد الميلاد؟". وافقت السيدات بإشارة من الرأس. وقالت كاري:"نعم، أعتقد أنني قرأت عن ذلك". سألت ليز:"أين هي إيمي؟". نادت إيمي من المطبخ:" أنا هنا!". وظهرت عند الباب ومعها فطيرة ليمون بالكريما. وقالت:"توقعت أننا جميعا نحتاج لبعض الحلوى". صفقت السيدات وتبادلن النظر. "توقيت رائع يا إيمي"."تبدو الفطيرة شهية". قالت إيمي:"اشتريتها من بوبليكس. وهي ليست محضرة في المنزل. وأرجو أن تكون طيبة".

دارت بيكا حول الطاولة، جمعت الأطباق المستعملة وحملتها الى المطبخ، ثم قطعت إيمي فطيرة الليمون بالكريما، وغمست السيدات طرف الشوكة في الأجزاء الطرية منها. وقالت سابرينا:"هذه ليست فطيرة سيئة". قالت كاري:" كلا، الكريمة ناجحة". أضافت إيمي:"لكن الليمون لزج قليلا بالنسبة لي، ويسرني أنها لاقت قبول الجميع". قالت إيما:"مذاقها ممتاز". سألت ليز:"هل شاهدت إحداكن حلما يتخلله قطع شيء ما، مثل فطيرة، ولكنها ترمم نفسها، وتضطرين لمتابعة التقطيع إلى ما لا نهاية؟". وسألت إيمي:"وماذا عن حلم ترين خلاله أنك تحاولين تفريغ شيء ما، ولكنه يمتلئ باستمرار؟". ثم سألت إيما:"وهل شاهدتن حلما يقف فيه الوقت ولا يتحرك". سألت سابرينا:"أو ماذا يكون الحال إذا جمد الزمن ولم يتقدم، في الحياة الحقيقبة؟. أنا عشت حالة من هذا النوع". سألت إيما:"هل تقصدين الجمود أثناء العمل". قالت سابرينا:"كلا، لم يكن ذلك في العمل. حصل معي ذلك عندما سافرت إلى روسيا. عقدت موعدا غراميا مع رجل. وحينما ذهبت إلى الموعد، انتبهت أنه أكبر مني بالعمر". سألت بيكا:"وهل استغرق فترة طويلة. وكان أول موعد لك ولم توفقي به؟". "كلا، انتهى بسرعة. وانتهى بالعودة إلى شقته. وهناك شربنا أبسنتين"."أبسنتين!."."ولم يحدث شيء، فعلا، وتابعنا الشراب من الأبسنتين. وتابع هو القول إنه أبسنتين جيد. وسيهيئنا لشيء ما. وتوقعت أن أهلوس". "وهل حصل ذلك؟.هل هلوست؟". قالت سابرينا:"كلا. أبدا. ثملنا بسرعة، وعندما استيقظت في اليوم التالي كان قد انصرف. وكنت مخمورة جدا وشعرت بالبهجة، الإحساس المتوقع. مثل حالة غامرة من الارتخاء". سرقت السيدات نظرة من أكواب نبيذهن. بعضهن كن ممتلئات ودافئات. وبعضهن تقريبا جائعات وباردات. قالت بيكا:"وهكذا خامرك الشعور كأن الزمن توقف وأنت مخمورة". قالت سابرينا:"كلا، كلا. شربت من زجاجة ماء في الثلاجة وارتديت ملابسي. ثم لاحظت أن شقته مقفلة من الخارج، ولم يمكنني المغادرة". "وهل غادرت من النافذة”.” هل حبسك؟". قالت سابرينا:"لم أجد نوافذ. كانت شقة في قبو. ونعم، حبسني فيها. أول الأمر تصورت أنني مخمورة ومضطربة. فاغتسلت وتناولت بعض الطعام، ثم شربت كل عبوة الماء. وتفحصت كتبه"."ولكنه عاد لاحقا إلى البيت في نفس اليوم؟، وانتبه للغلطة". قالت سابرينا:"نعم عاد إلى البيت. ولكنه تعمد أن يفعل ما فعل. فقد تابع حبسي في تلك الشقة لأسبوعين"."أسبوعان؟". " ألم يبلغ مخدومك عن اختفائك؟". "وهل اغتصبك؟". قالت سابرينا وهي ترشف من نبيذها:"استمر الموقف مدة أسبوعين، وكنت أعمل في صحيفة آنذاك، واعتقدوا أنني استقلت. عموما هو مكان مشين لا يصلح للعمل. ساعات متعبة طويلة فقط. ولكن لم يغتصبني. أعني مارسنا الجنس، لكنه لم بكن اغتصابا. وأغرمت به". سألت ليز:"أين كاري؟". وصمتت السيدات وسمعن صوت ماء يجري.

"آه تسللت لتعتني بالأطباق"."يا لها من إنسانة لطيفة"."لنقدم لها العون". حملت السيدات أكواب النبيذ وأطباق الفطيرة وذهبن إلى المطبخ. تلفتت كاري حولها وقالت:"لقد لحقتن بي. لم أحب أن أثقل على ليز". قالت بيكا وهي تضع كأس كاري على الطاولة:"أحضرت لك النبيذ وما زلنا نتكلم عن الحلم. عندما وقعت بالفخ أو حينما توقف الزمن". قالت كاري:"هذه الأطباق تضعك بنفس الجو!. أنا الآن في كابوس". ضحكت السيدات. فقالت:"أنا أمزح طبعا. تقريبا انتهيت من الصحون". قالت ليز:"اتركي أطباق الفطيرة لي، يجب أن أؤدي عملا مقابل كل هذا الطعام". جففت كاري يديها وحملت كوب النبيذ. وقالت:"طالما شاهدت مثل هذه الأحلام كلما شارفت على الانتهاء من كتاب". كانت كاري كاتبة ولها منشورات. تابعت تقول:"شاهدت أحلاما عن الكتابة. كتبت صفحات في الكومبيوتر، ولكن كلما عدت إلى ما كتبت، أجد عدة سطور قليلة في كل صفحة". "آه ، كلا"."وماذا في تلك السطور؟”. قالت كاري:”مجرد قوائم، وتعليمات، مثلا 'أخبرينا عن أبيك الثاني' أو 'أنجبي ابنا بشعر أسود وأجعد' أو...أو في إحدى المرات قرأت على الصفحة 'اكتبي القصة مرتين، في نفس الوقت'". سألت بيكا:"وكيف يمكنك ذلك، لا يمكن لأحد أن يكتب القصة مرتين في نفس اللحظة". فكرت كاري وقالت:"أعتقد أن هذا ممكن، أن زشعت الحكاية في إطار قصة واحدة". سألت إيما:"ماذا تقصدين؟". قالت كاري:"ستفهمين المعنى إن نظرت للأمر جيدا. كل حكاية هي على الأقل قصتان في نفس الوقت". تهامست السيدات بعد ذلك، وعندما انتهى النبيذ واستقرت أطباق الفطيرة في المغسلة، لتغسلها ليز، اندفعت السيدات نحو الباب. ولعدة دقائق، وقفن بشكل سرب واحد عند الباب، للتخطيط للوليمة التالية. وبأيديهن الأواني الفارغة، والمفاتيح تقرقع ويد واحدة تفتش في الجزادين.

كانت سيارة إيما بعد عدة شوارع، وحينما تقدمت منها، غمرها إحساس غامض أن أحدا يتبعها، ولكن ما أن استدارت لتنظر، شاهدت قطة شاردة جالسة في الطريق. وبقيت مستيقظة في البيت لأربع ساعات، وهي تتدرب على سوناتات شوبيرت بواسطة الكي بورد الإلكتروني. وكانت كاري تعيش بالجوار ولذلك عادت على الأقدام، وفي طريق عودتها إلى زوجها كارل كتبت رسالة قصيرة لعشيقها عن الأسبوع القادم. وقادت بيكا سيارتها إلى شقتها الصغيرة، وأطعمت هرتها، وارتدت البيجاما، وفتحت زجاجة نبيذ أخرى. وفي البيت، حضرت إيمي البوشار قبل أن تدرك أنها ليست جائعة، مع ذلك التهمت نصف العلبة بشكل تلقائي، وكتبت قائمة واجبات اليوم التالي. لكن سابرينا قرأت رواية لقتل الوقت حتى بلغت الساعة الثانية صباحا. ثم اتصلت بالسكايبي مع صديق في الصين، كان عشيقها وأرادت أن تحدد موعد زيارته القادمة للولايات المتحدة. أما بالنسبة إلى ليز، بعد إغلاق الباب خلفها، تركت الأطباق في المغسلة، ووضعت في المسجلة ألحان جاز، وابتلعت نصف قرص فاليوم. تقريبا معا نظرت النساء لساعاتهن، واستغربن أن العشاء تأخر حتى هذه الفترة المتأخرة من الليل، ومع أنهن كن متعبات، امتنع الرقاد على عيونهن

***

 

...............................

* ريبيكا إيفانهو  Rebecca Evanhoe: كاتبة أمريكية شابة، من مواليد كنساس.  تعمل بصفة مدرسة كيمياء.  وهذه القصة منشورة في كتاب “قصص فائزة بجائزة أو هنري/ 2016).  وتعيش حاليا في بروكلين، نيويورك.

 

في نصوص اليوم