صحيفة المثقف

حديث في المواساة: إكليل لروحها

ضحى الحداد(الى القديسة الهام شنكري .. تذكارا لبطولتها في الرحيل مع الغياب)

بالتأكيد لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فهذه الطريق اختطتها الآلهة منذ ان وقف جلجامش امام جثمان انكيدو، فهبّت "سيدوري" لتواسيه يا جلجامش .. لقد كتبت الآلهة الفناء على البشر، واستأثرت بالخلود لنفسها) فماذا نقول ونحن، ونحن جنود الغياب ورفقاء الرحلة المستحيلة التي لا مناص من القيام بها، غدا او غدا .. أو.. بعد غد!

2-

قالت القدّيسة لنفسها ..لايؤلمني موتي القادم بقدر ما يقلقني شعور أمّي التي ستفجع برحيل وحيدتها, وحزن اولادي الذين اشعر بيتمهم منذ الان ,انا التي سأسبق كل من في العائلة بالغياب..

...

بعض الأمراض مغفرة، وتنظيف من الذنوب الدنيوية، فكيف اذا كان المرض مما لم تجد البشرية له دواء، ولذلك اسمته السرطان، لأنه يأكل الجسد كما تأكل رحمة الله ذنوب الصابرين على بلائه، وأشهد الا احد كان بمثل صبر هذه القديسة، فهنيئا لها مغفرة الله برحمته الواسعة، وهنئيا لنا بما تركت من نبل وذكريات،

نحن ايضا محزونون يا "الهام" يا سيدة الصبر وسيدة الكفاح الانساني، وانت كنت تواجهين الـ"كيمياوي" بكل ما عرف عن اهلك من بسالة، وايمان باقدار الله، وبكل ما عرفناك فيه: عزة وشموخا وتكابرا على الأوجاع.

3-

قالت القديسة لروحها في لحظة صفاء :

هذا هو "السرطان" اذن !!

الذي كنت اسمع به فقط.. وأراه الآن .. يحيل جسدي اصفر.. نحيلا , ويصبح واحدا من رفقاء أيامي، فأتعلم منه الكثير والكثير ..

..

انتم .. يا من تتمتعون بالصحة التي ادعو لكم بدوامها، راقبوا من يحتاجون الى اكتفاكم للاستناد اليها، كونوا آية من آيات الله في الرحمة والتوادد الانساني،

فها أنا .. وها هي جرعة (الشيميو) تحرق جسدي واقاومها بجرعات صلاة فيملأ قلبي الاطمئنان، بحيث لا غياب يقلقني سوى دمعات أمي ..وتفقدّ طفليّ الاثنين ..

4-

يقول – انسي الحاج

"التفاصيل الصغيرة تقتلنا وتطحننا بلا رحمة"

واتسائل ماهي هذه التفاصيل؟

قطعا الموت لايأتي متاخرا ابدا ..

ها انا اضمحل شيئا فشيئا

تموت قدماي , اذوي , اتبخر , انصهر

وكل ما يتبقى مني : ذكرياتكم يا أهلي ..

-

- لا تبكيا، اريد ان اتاملكما وانتما تبتسمان للمرة الاخيرة، أريد ان اراك يا أمي، وأنت يا أبي بكامل هندام ابتسامتكما التي ياما غمرتني بالسلام، وياما منحتني الأمان حتى في لحظات النزع الأخير..

- اخوتي ,, طارق , كمال , منير .. رشيد ,, حتى وان عجزت عن احتضانكم بعد كل هذا الخراب الذي طال جسدي وغير ملامحي، لكنكم في داخلي.. ضحكاتنا ونحن صغار، مشاكساتنا ونحن في أوائل الشباب، ودموعنا في اليسر و.. في اليسر، فكل ما كان يربطنا من اخوة وارومة ووثاق هو الحنان الذي زرعه الله في قلوب عباده، فأثمر غرسا طيبا رافقني حتى حفنات التراب الأخيرة..

أمّا انتما يا ولدايّ .. فروحي ستبقى تعانقكم وهي تدندن اغنية (الله يا مولانا) قبل نومكم

5-

رسالة أخيرة

ارى دموعكم تغرق شوارع ازمور ,,

لكنني الان اشعر بالراحة، فقد اتعبني المرض ..

الان ارتفع..

فقد اخترت جوار ربي، حيث تغمرني السكينة فيعود بامكاني ان اعانق ارواحكم .. وأذهب الى سجادة صلاتي.

× ـــــــــــ ×

 6 -

ارفعه الى زوجي، والى اهله..، عسى ان تضمد كلماتي جراح فجيعتهم، بوفاة الهام التي حاربت السرطان اللعين، وانتصرت عليه بالرحيل..

 

ضحى الحداد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم