صحيفة المثقف

المفهوم الجمالي للصدق

عقيل العبودبداية ما هو مفهوم الجمال بشكل عام، هل هو حسي، أم مادي، ام كلاهما معا، وما علاقة الصدق بذلك؟

للجواب على هذا السؤال، كلمة الجمال وردت في اصلها على انها امر مرتبط بالحس aesthesio، والحس إيجابيا يدخل فيه التوافق والتطابق مع مواضع الأشياء وموضوعاتها الخارجية، اما سلبيا فيدخل فيه التخالف، والتنافر.

ومن المناسب التطرق الى ان الحس امر داخلي، اما الأشياء فأمر خارجي، بإعتبار ان وجوداتها خارج النظام الحسي للإنسان لكن الحس يتفاعل مع وجوداتها الخارجية ومتغيرات وجوداتها المرتبطة مع المؤثرات، أوعوامل التأثير.

وجسد الانسان بما يمتلكه من القدرة الحركية يعتبر الفاصل بين بيئتين الحس والعقل من جانب، والاشياء من جانب اخر.

وهذا الجسد هو المتحرك الخارجي، هو مثل عربة القطار حيث يقود الإنسان بنظاميه المادي والحسي الى هذه المحطة اوتلك؛ يرشده لأن يتحرك من هذا المكان الى ذاك وفقا لحالة التأثر بحركة الأشياء وظواهرها سلبا اوايجابا. فالموظف النزيه مثلا لا يشعر بالارتياح عندما يعمل وسط بؤرة فاسدة، لذلك تراه يسعى لأن ينفر من مكانه.

والصدق هنا هو لغة التعبير العقلي والحسي معا، باعتبار ان العقل والحس يشتغلان في دائرة واحدة، العقل هنا يعمل مثل ال traffic light فهو يسمح للاشياء المقبولة حسيا ان تدخل الى عالم الحس، ويرفض دخول الأشياء المرفوضة حسيا ليمنعها من الدخول. فالرجل الصادق يرفض ان يغش في الامتحان مثلا، وهذا الرفض هو قانون يفرضه العقل والحس مع جميع المفردات المرتبطة بالغش، ذلك لأن احساس الانسان الصادق يقول له ان الغش لا يتلائم اويتوافق مع نظامه الحسي، فهو مرفوض بحسب الدستور الحسي لذلك الانسان.

لذلك تعريف الصدق بناء على مفهومه الجمالي هو تفاعل العقل والحس في قبول وجود الأشياء، أوعدم قبولها.

وهذا سايكولوجيا يؤثر في كيان الانسان النفسي ومزاجه ويحدد شخصيته في المجتمع، بل يرسم مساراته وخطواته العامة والخاصة وفقا لعاملي التجربة والتعايش.

ولو بحثنا عن معنى مفردة الجمال في قاموس المعاني، لوجدنا انه اي الجمال امر مرتبط بالارتياح الحسي. بمعنى اننا نشعر احيانا بالارتياح بإزاء صورة، اوفكرة، اوظاهرة أوسلوك ما، اوبالعكس. والسلوك الدائم تجاه حالة ما، بالتكرار يتحول الى صفة دائمة مثله مثل خاصية هذا المعدن اوذاك. لذلك يقال الصادق الأمين مع ذكر محمد (ص).

وبما ان الجمال امر حسي بحسب فلسفة الجمال- aesthesio، لذلك تجد ان الفلسفة اليونانية أعطت هذا العلم حقه ومستحقه في باب تغذية الروح والحس من خلال فنون الآداب والموسيقى والمعرفة بكل أنواعها، حتى ان الحكمة صارت موضوعة مهمة من موضوعات علم الجمال، باعتبارها تشرف على مكونات هذا العلم وتفاصيله الدقيقة.

وغاية الموضوع هو كيف لنا ان نوظف الصدق في علم الجمال؛ نفهم مفرداته وخصائصه، نخلق نسيجا اجتماعيا يتصف بهذا الجمال، نبني هذا الصدق في حياتنا العامة، ننبذ حالات الغش، والمحسوبية، والكراهية، والتفريط بحقوق الاخرين، نوظف المشاعر، نرتبط معها بشكل سليم.

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم