صحيفة المثقف

الثقافة قيافة.. من أجل استعادة النمط الثقافي الوطني الغائب

رائد عبيسلا تخفى على كل لبيب القيمة العليا للتفكير، و إظهار البعد العقلاني في كل فعالياتنا الحياتية، وبما أننا أصبحنا محاصرين بين غلو، وتعصب،  وتطرف، وجمود فكري، بات من اللازم على النخب المثقفة،والمتعلمة، والمفكرة، أن تنطلق بصياغة برامج، تحاول بها أنقاذ المجتمع، والمنظومة القيمية، والمنظومة السياسية، والعملية الديمقراطية، واحقاق العدالة وتطبيقها، واشاعة نمط من المدنية يسود الحالة العراقية، بعيداً عن أفكار التراجع، والنكوص، والتقهقر مع التأريخ، فحان الوقت لإعلان صوت العقل على كل ما ينطقنا، وما يدفعنا للكتابة، والبحث والتفلسف، واحكام الأشياء بقواعد منطقية، تعترض على كل ما يزيغ عن طريق الحكمة والعقلانية .

وتنطلق من برامج ثقافية وعلمية ومن تلك الضرورة الوطنية، بحتمية القرار صوب إنصاف ذواتنا، ومجتمعنا من ثقاتنا ومسؤولياتنا بوصفنا أكاديميين، ومثقفين، نمثل قمة الهرم الاجتماعي، والمجتمع مازال ينظر إلى الأعلى، متأملا من الكفاءات والنخب، أن تنقذ ما عجزوا عنه، واسترجاع ما ضاع، نتيجة عوامل كثيرة مر بها البلد وأهله.

إن سكوتنا عن صوت المجتمع ومؤسساته، يشكل حالة من الخذلان التي لا يرحمنا بها التاريخ، ولا تشفع لنا به تحصيلاتنا العلمية ومكانتنا الثقافية، لذا صار لزاماً علينا، أن نسخر طاقاتنا، ونستثمر كل ما يخدم المجتمع، ويخدم مؤسستنا الثقافية التي نطمح أن تكون في أولى الثقافات الحضارية الواعية، من أجل أعلاء شأن العراق بهذا المجال و الطموح الذي يتمثل بمشروع إشاعة نمط ثقافي عراقي،نحاول من خلاله استعادة الغائب منها واسترجاع مكانتها بين الثقافات الأخرى،لأن الثقافة هي اقتفاء أثر وتتبع منجزات الماضي واستعارتها مع الحاضر، وهذا يتحاج إلى مجموعة من الاستراتيجيات التي ممكن أن تحول إلى برامج، بوصفها متطلبات عملية لأعادة العراق إلى مصاف مراحل التقدم والريادة ثقافياً. وهذا لا يتأتى الا عبر تهيئة مناخ فكري ومعنوي لتطوير قابلية المجتمع على إستلهام مفاهيم الحرية والكرامة والعدالة وترسيخها في ذهنية المواطن العراقي، من خلال إشاعة نمط ثقافي موحد في  مؤسسات الدولة والمجتمع والذي يساعد بدورة على فتح نافذة الحوار بين الثقافات المحلية العراقية على أسس فكرية، موضوعية متجردة من صبغة الانتماءات، وبأسس قيمية وعقلية، لتحقيق التعايش المشترك على وفق معاني المواطنة، والإنسانية وإشاعة نمط من الثقافة العقلية، بعيدا عن لغة التعصب، والتمحور،فعادة ما يتسبب الصراع السياسي في العراق بشرخ كبير في تكوين هذه المفاهيم في عقول الناس ؛لأنه يفتقر إلى أسس عقلانية ومنطقية وتحكمه النعرات العشائرية ومنطق الغلبة، فالعامل السياسي بحاجة إلى أن ينطلق من أسس فلسفية ونظريات فكرية، تقوم العلمية السياسية وتغرس مفاهيم المنافسة السياسية بشكل مدني  وتظهر  نمط من التفكر العقلاني عبر الحوار مع الأطراف المتخاصمة، والمتصارعة سياسياً، وتقديم وعي بالحلول المقترحة والمساهمة في دفع العلمية السياسية نحو نموذج مدني، بالتنظير الفلسفي المستند إلى ثقافة المجتمع السياسية. ومع أن العراق يفتقر إلى مدارس فلسفية ومدارس في علم الاجتماع ومدارس ثقافية تعنى بالفكر العراقي أو مشكلاته الاجتماعية،إذ نجد أن أكثر مشاكل المجتمع العراقي لم تدرس ولم تبحث بشكل وافر لا تشخيصا ولا معالجة، ما ندعوا له هو تأسيس مثل هذه المدارس عبر التنسيق مع الدوائر الرسمية والغير رسمية التواقة الى أنضاج نمط ثقافي مدني يسود الحالة العراقية، ويكون سمة مجتمعية يستند إليها الحوار الصريح بين المذاهب الدينية في الدين الواحد، وغيرها من الأديان لمكونات عراقية أخرى، وهذا الحوار بحاجة إلى أسس عقلية وفلسفية وفكرية منطقية وعقلانية وموضوعية، فكل الحوارات السائدة أخذت طابعا سياسياً، لذلك كانت محكومة بالفشل، فالطبقة المثقفة يجب أن تسعى لفتح أبواب التفكير الحر مع أصحاب هذه الديانات بإشراكهم في برامج ثقافية موحدة و الاتفاق على نمط ثقافي عام بدون أن يستشعروا فيه أقصاؤهم او تهميشهم او اختلافهم او نبذهم،لتوطيد التعايش التاريخي للحفاظ على التنوع في بلدنا العزيز - فمجتمعنا العراقي، محاصر بأفكار التطرف، والتعصب، والتشدد والأرهاب، والتناقضات السياسية،والتفاوت الطبقي، وغيرها وهذه مشكلات حقيقية وواقعية - لذلك يتطلب بحثاً عميقاً ودراسة فعلية عن كيفية أشاعة نمط عقلاني منفتح يؤمن بثقافة السلام والتصالح الاجتماعي متطلع إلى الفكر التنويري والمدني، وهذا شأن فلسفي وثقافي صرف، بحاجة إلى تحويله إلى نمط معاش في واقع المجتمع العراقي.

 

د. رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم