صحيفة المثقف

وسرابُ صحرائي يُبلُّ الظامي

يحيى السماويأنـا فـي هـواكِ عـلامـةُ اســتــفـهــامِ

عـجَــزتْ إجـابــتُـهــا عـن الإفـهــامِ

 

الـشـيءُ والـلاشـيءُ في كـيـنـونــتـي

فـأنـا  سَــبـيـئـةُ  كـوثـري وضـرامي

 

 هَــذيـانُ مـحـمـومٍ وحـكـمــةُ عـاقِــلٍ

وجــنــوحُ ضِــلّـــيــلٍ  وهَــدْيُ إمــامِ

 

أمسـي الأثـيـمُ ضـلالــةٌ أســرى بـهــا

نَــزَقُ الــشـبـابِ الى كـهــوف ظـــلام

 

الــبــاقـيـاتُ مـن الـســنـيـن قــلــيـلــةٌ

إنْ لـيْ بــهـــا .. وكــثــيــرةٌ آثــامـي(1)

 

أنا يـوســفُ الـمـغــدورُ لـكـنَّ الــتـي

قـادتْ لــبــئــر نــهــايــتـي أقــدامـي

 

أشــكــوكِ إيــنـانـا إلـيـكِ وأشــتــكـي (2)

شـكوى كــتـابٍ مـن سـعـيـر ضـرامِ

 

شَـجَّ الـهـوى قـلـبـي فـسـال نـزيـفُــهُ

نَـــدَمـــاً  وآهـــاتٍ وسَــــوطَ مَــلامِ

***

أيـن الـهـروبُ مـن الـمـصـيـر الـدامي!

جــرحــي ورائــي نــزفُـــهُ وأمــامـي!

 

إنـي عـرفــتُ بــدايــتـي يــا لــيـتــنـي

ربّـاهُ أعــرفُ مــا يــكــون خــتــامـي

 

مـا مُــنـقِــذي مـنـي ســوايَ فـأيـنـنـي؟

أنـا ضـائـعٌ من قــبــلِ يـوم فِــطـامـي

 

أولـيــس إثــمــاً أنْ أظـلَّ عـلى هُــدىً

والـعـصـرُ عـصـرُ عــبـادةِ الأصـنـامِ

 

زمَــنٌ بــهِ تــأوي الأسُــودُ زريـــبــةً

أمّــا  الـعــريــنُ فــمــنــزلُ الأغــنــامِ

***

مـا بــيــن حِـلٍّ فـي الـهـوى وحَــرامِ

كــرّتْ عــلـيَّ بـــفــأسِــهـــا أيــامـي

 

وأشــــدُّ آلامــي عـــلـــيَّ مــــرارةً

لـــو عــشــتُ فـي قــومي بــلا آلامِ

 

كـم مـرّةً تـابَ الأثــيــمُ ولـم يــتُــبْ

إلآ مــخــافـــةَ لـــعــــنـــةٍ ورُغـــامِ  (3)

 

لو كان ذا قـلـبٍ  نـصـوحٍ لـمْ يُـصِـخْ

نـبـضـاً لـلـيـلـى في الــدجـى وحــذامِ

 

أعـمى ولـو عــيـنـاهُ صحـنُ شـحـاذةٍ (4)

رامٍ ولـــو  قـــوسٌ بـــدون ســـهـــام

 

بـطـران ألــبـسُ  من حــريــرٍ بـُـردةً

وأشـــدُّ  مـن جـوعٍ  عـلـيّ حِــزامـي

 

ولَـكـم شــربـتُ من الــلـذاذةِ خـمـرةً

سـاعـاتـهــا في الأنـس نـشــوة عـامِ

 

أعـمى افـتـتـانـي بالحـسـان بصيـرتي

وأذلّ  كِـبْــرَ رجـولـــتــي تـهــيــامـي

 

طـمَـعَــتْ بـبـســتـانٍ وعــنـدي جــنَّــةٌ

نــفــسـي وأبْــدَلــتُ الـــنــدى بِــمُــدامِ

 

مــا كــنــتُ ذا مــالٍ ومِــثــلـي لا أبـي

وأخـي .. ولا أمـي .. ولا أعــمــامـي

 

لــكــنــهُ عَــسَــلُ الــكـلامِ .. وربــمــا

يُـغـوى الـســمـيـعُ بِــمُــسْــتَــلــذَ كـلامِ

 

 رحّـالــةٌ فـي الـلاجـهــاتِ قــوافـــلـي

مــزحــومـــةٌ بـــهــــوادجِ الأحـــلامِ

 

فـيـهـا مـن الـهــنـدِ الـبـخـورُ وفــضَّــةٌ

مـن كـنـزِ سـومـرَ والـحـريـرُ الشـامي

 

وصــنـوفُ أنــعــامٍ تـعَــذَّرَ مــثـلـهـــا

إلآ بــجـــنَّـــةِ " ســــورةِ الأنـــعــامِ " (5)

 

أحـلامُ لا أبـهـى .. قـطـفـتُ ثـمـارَهـا

فـي الأمـنـيـاتِ وفي حـقـولِ مــنـامـي

***

ومُـهَــتَّــكٍ أحــيــيــتُ ذابــلَ غـصـنِــهِ

فــأثــابَ مـعــروفـي بــغـــدرِ لِـــئـــامِ (6)

 

أحْـيَـيْـتُ ذابـلَ غُــصْــنِــهِ ومَـحَـضْـتُـهُ

مــاعــونَ مـائــدتـي وكــأسَ وِئــامـي

 

نــدمــانُ لــكــنْ لاتَ وقـــتَ نــدامــةٍ

فالـغِـمـدُ صدري والـضلـوعُ حـسـامي

 

أفِــلــتْ شـمـوسُ الـعـمـرِ إلآ بـضـعـةٌ

قــد لا تــرى أعـــوامَـــهــــا أيــامــي

***

أحـيَـيْـتِ  عِـشـقـي لا رمـيـمَ عـظـامـي

وبَـعَـثْـتِــنـي  ـ شِــعــراً ـ نــبـيَّ غــرامِ

 

تـدريـنَ أنـكِ مـن زهـوري عـطـرُهـا

والـصـوتُ والإيــقــاعُ مــن أنـغـامـي

 

خـلِّـيـكِ مـن زعـم الـسـفـيـهِ وخُـبْـثِــهِ

فــأنـــا بَـــيـــاضُ مـــلاءةِ الإحـــرامِ

 

طـيـشـي عَـفـيـفٌ وانـفـلاتـي نـاسِــكٌ

وسـَـرابُ صـحـرائي يُـبِــلُّ الـظـامـي (7)

 

كَـمُـلَ الـبـيـاضُ بـبُـردَتَـيْـنـا واســتـوى

 نــهـــراً تـــمـــاهــى طــاؤه بــالـــلامِ  (8)

 

أغـلـى انـتـصاراتي: غـداةَ هَـزَمْـتِـني

فـرَفَـعْـتُ طـوعـاً رايـةَ اسـتـســلامـي

 

حُـريَّــتـي ابــتــدأتْ بــيـومِ أسَــرْتِـنـي

وبـدأتُ فـيـكِ صــبـابـتـي وهــيـامـي

***

يحيى السماوي

السماوة 27/6/2019

...........................

 (1) التقدير: إنْ لي بها بقاء . .

(2) إينانا: إلهة المطر والحب والجمال في الأساطير السومرية .

(3) الرغام: ما يُرغم عليه المرء كرها لا طواعية .

(4) من ملاحظاتي لصحن الشحاذة أنه مفتوح دائما ، ومثل جهنم ، فكلما امتلأ: يقوم الشحاذ بإفراغه ليستمر استجداؤه !

(5) إشارة الى قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )

(6) إشارة الى شخص ظننته صديقا ملاكا فاستودعته بيتي وبستاني ومكتبتي فخان الأمانة  وشرف الصداقة والرجولة .  

(7) يبلّ: يروي .

(8) الطل: ما يتركه المطر الخفيف من أثر يشبه الندى (كناية عن النقاء والعذوبة) . 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم