صحيفة المثقف

"اليك ترحل الدنيا" للكاتبة منية الجبالي

1113 منية الجبالي"خواطر" تقصدت فيها الكاتبة الافصاح عن أحاسيسها وفق تلقائية سردية بشحنة من الوجدانيات..

الذات في حلها وترحالها تقتحم عوالم البوح قولا بالكينونة تحتفي بشواسعها وهي تراوح بين تلوينات شتى من الحلم والأمل والرغبة وفق ضروب الكتابة بما هي شجن ولوعة وسلوى ومساحة وجد .. الذات تعلن عناوين تفاصيلها حيث الكلمات موسيقى من نهوند وصبا .. انها لعبة الكتابة بما تتيحه من تجليات الذات تكشف حيزا من الاعتمالات والهواجس والأحاسيس.. والذكرى.. الذكرى الحية المتجددة تجاه المنشود والمرغوب ..

من هنا نلج عوالم الكتابة عند الكاتبة منية الجبالي التي صدر كتابها مؤخرا بعنوان " اليك ترحل الدنيا " عن دار السكرية للنشر والتوزيع بمصر وفي 85 صفحة من الحجم المتوسط.

الكتاب تضمن عددا من النصوص منها " طفولتي " و" صمت " و" الحبر السري " وهروب " ومشاعر خرساء " وثرثرة وهذيان " و" نزيف الشوق " و" نبض قلب " و" عطر كلماتي " و" ذكريات " و" ليتك تعلم ".. .

هذا الكتاب أشار في غلافه الى جنس نصوصه "خواطر" حيث تقصدت الكاتبة منية الجبالي الافصاح عن معترك أحاسيسها وفق تلقائية سردية فيها شحنة من الوجدانيات ولا ترتجي سوى البحث عن ذاتهابين السطور.. وهنا تقول في نصها " توهان في سراديب الحياة " ص38 :

" أكتب لأبحث عن نفسي بين السطور.. لربما تحادثني ذاتي بين الحروف .. علني أخترق صمت روحي فتتكلم وتبوح.. أكتب علني ادون في دفاتري ما يخفيه عقلي.. طفلة يتيمة زادها بعض الكلمات .. قصيدة وأغنيةحزينة.. أكتب حتى لا أرحل دون أن أترك أثرا."

تخيرت الكاتبة شكل الخواطر والخاطرة هي ضرب أدبي ".. كغيرها من الفنون الأدبية متشابهة إلى حد كبير مع أساليب القصة والرسالة الأدبية والقصيدة النثرية(ويكيبيديا) إلا أنها تتميز الخاطرة بأنها غير محددة "برتم" أو وزن موسيقي معين أو قافية وتخلو من التفصيلات فهي تعبير عما يجول بخاطر الكاتب أي تعبر عن حالة شعورية خاصة بالكاتب في قالب أدبي بليغ ويكثر فيها استخدام المحسنات البديعية والتصوير والكلمات القوية أي أنها انفعال وجداني وتدفق عاطفي ومن اسمها (خاطرة) هي خطر على البال مرّ أو ذكر بعد النسيان ويكون وليد اللحظة أو الحين ومدته قصيرة فهي تكتب لحظة حدوث الشيء أو بعده ولا تحتاج لاعداد مسبق ولا تحتاج لأدلة او براهين وقد تتعدد اشكالها ما بين قصر وطول .. ".

في " اليك ترحل الدنيا " تسافر بنا الكاتبة الى عالمها الزاخر بالذكرى وبما تنشده هي كذات حالمة يهزها الشجن والحنين ومن حنينها الخصب نذكر ما جاء في نصها حكايات المطر " ص 65 :

" أذكر صغيرة ابتهاج أمي بهطول الأمطار فهي ابنة فلاح والمطر بالنسبة لها استمرار للحياة أما أنا فلي مع المطر حكايات وروايات.. صغيرة كنت أرفع رأسي الى السماء أفتح فمي وأحاول الارتواء.. صغيرة كنت أفتح يدي لأحسب قطرات المياه ثم أركض وأركض أسابق الحياة.. صغيرة كنت أفرح وأمرح وأبلل وجهي وشعري ولبسي وجسمي وكلي والآن جدا كبرت لكنني لا زلت كما كنت."

انها كتابة مفعمة بالاحساس الدفين تجاه التفاصيل بما هي عنوان وجد وحنين تقود الكائن الى ذاته في كون معولم ينمط العناصر والأشياء والتفاصيل فهذا النص هو في خانة الذاكرة الحية التي هي مجال قول بالهوية والشخصية والخصوصية في أدق حميميتها وصدقها.. الكاتبة تسعد فقط بما تذكره من تفاصيل أهملت في أيام الناس هذه ليعم الهوان والسقوط المريب..

في نصوص أخرى تخاطب الكاتبة منية الجبالي من تحلم به واقعا ومتخيلا يقاسمها الاحاسيس يلائم صورة وفكرة وكيانا ما بخيالها تعيش على ايقاعه من زمان ويشكل الهاجس والمنتظر .. هي ترسم بهذه الكلمات البورتريه المنشود لهذا الكائن الحبيب والرفيق والسكن أمسها والغد.في نص بعنوان " من أنت " ص 92 تقول :

" أتعلم من أنت عندي.. أنت عندي فرحة سكنت روحي .. أنت بسمتي .. ربيع عمري ونور فجري .. أنت سكينتي وتوازني .. جميل ما يسري في دمي .. أنت حاضري غدي وأمسي .. أنت عندي وطني وموطني.. ".

الكتاب تضمن في قسم منه نصوصا جاءت باللغة الفرنسية وبنفس الاسلوب وهي من ترجمات الكاتبة كما كان الغلاف من تصميم شادي راغب .

كتابة رامت من ورائها صاحبتها الكاتبة منية الجبالي القول باللأحاسيس والحنين تجاه الكائن الساكن فيها فكرة وشكلا تتقصد الرحيل تجاهه بل هي حشدت له دنيا من الشوق والكلمات .. " اليك ترحل الدنيا " خواطر الذات للنظر بعين القلب لا بعين الوجه..

 

شمس الدين العوني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم