صحيفة المثقف

اقبال ورسالته إلى الأمة العربية

معراج احمد الندويمحمد اقبال الذي طبق صيته في الآفاق وتجاوز شهرته حدود الزمان والمكان، ولم يمض وقت طويل حتى رسخت مكانته كأحد أكبر المفكرين في العالم الإسلامي. واليوم لا يوجد مثقف عربي من لا يعرف اقبال وإسهامه في إثراء الفكر الإسلامي.

استخدم هذا الشاعر الإسلامي عبقريته الشعرية ومواهبه الأدبية في نشر عقيدته وشعوره ودعوته. لقد اقبل على دعوة الشعوب الإسلامية إلى الاتحاد وتكوين رابطة لها تكون قيمها ومبادئها بمثابة النور الذي يهدي العالم إلى الحق والخير والجمال والقوة والحرية والإخاء. ولقد قدم إقبال للإسلام خير ما في الحضارة الحديثة من أفكارعلمية وفلسفية. لقد خصص اقبال قصيدة من أبدع قصائده للحدث مع الأمة العربية ليسجل فيها فضلها وسبقها في حمل الرسالة الإسلامية والأخذ بيد الإنسانية وافتتاحها لتاريج جديدووفجرسعيد.

إن شعر اقبال يعبر عن هموم الأمة العربية والإسلامية وآلام الإنسانية في حياتها الفردية والجماعية، ويقدم لأدوائها دوائا ويهدي إلى طريقة لهم حقيقة الحياة. وكانت أفكاره عصارة علوم الشرق والغرب، وهب حياته للمسلمين وللإنسانية، فاتخذ الشعر وسيلة لها، لأنه رأى أن الشعر أكثر نفوذا وتأثيرا.

إن أعظم ما حملنا على الإعجاب بشعر اقبال هو الطموح والحب والإيمان، وهي تندفع اندفاعا قويا إلى كل أدب ورسالة يبعثان الطموح، وسمو النفس وبعد النظر، والحرص على سيادة الإسلام، وتسخير هذا الكون لصالحه، والسيطرة على النفس والآفاق، ويغذيان الحب والعاطفة، ويبعثان الإيمان بالله، والإيمان برسوله نبينا الكريم وبعبقرية سيرته وخلود رسالته، وعموم إمامته للأجيال البشرية كلها. إنه كان صاحب فكرة واضحة وعقيدة راسخة عن خلود الرسالة المحمدية وعمومها، وعن خلود هذه الأمة العربية وصلاحيتها للبقاء والازدهار.

ذكر إقبال الأمة الإسلامية وآلامها وآمالها، وهوغارق في حزن عميق وألم شديد بما رأى أحوال المسلمين المؤلمة، فيقول في بلاغة الشاع روصدق الرائد وهو يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة الإسلامية البائسة التي لا تزال فيها بقية من شمم وإباء، وأنفة الملوك وعزة الآباء، لقد فقدت مع مرور الزمن يا رسول الله! لوعة القلب واكسير الحب، إن قلبها حزينة منكسرة ، ولكنها لا تعرف سر ذلك.

ماذا أحدث بها يا رسول الله؟ فلطف الله بهذه الأمة المنكوبة الهاوية منقمة المجد العالية، أنه لا يزال الزمان يعاديه ولا يزال ركبها تائها في الصحراء، بعيدا غايتها ومنزلتها. حسبك من هذه الأمة، وما يسود فيها من الفوضى والاضطراب أنها تعيش من غير إمام، إن غمده فراغ ككيسه، فهو أعزل فقير، إن الكتاب الذي فتح به العالم وضعت هذه الأمة في بيتها تراكمت عليه الأتربة ونسج عليه العنكبوت.

إن هذه الأمة العربية تحمل القلوب، ولا تعرف المحبوب.إنها تملك مادة الحب ولكنها لا تعرف من تشغلونها به وتوجههونها  إليه، فقلوبها تائهة وعقولها مضطربة، وجهودها ضائعة وعملها ضعيف، أصحبت حياتها لا لذة فيها ولا سرور، لا أمل فيها ولا شعور، وهي حياة من رق القلب وحرم الحب، ولا شك أن الحب هو خير حاجزللقلب، وخيرحارس له. إن الحب هومصدر الشعر الرقيق، والعلم العميق، والحكمة الرائعة، والمعاني البديعة والبطولة الفائقة والشخصية الفذة والعبقرية النادرة، إليه يرجع الفضل في غالب عجائب الإنسانية، ومعظم الآثار الخالدة في التاريخ.

رأى إقبال أن الإسلام هو الرسالة الأخيرة المختارة، الرسالة الوحيدة التي تستطيع أن تجدف سفينة الحياة، الإسلام هوالذي يستطيع أن ينقذ العالم من براثن الجاهلية والوثنية، وعبادة الإنسان وعبادة الأوثان، وعبادة الشهوات وعبادة البطون والمعدات، إنه كان قوي الأعجاب بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وبمكانته، كالمنير للسبل، وخاتم الرسل، ومقتدى الجميع، إماما الكل الذي رفع من قيمة غبار الأرض فجعله إثمدا للعيون وصيقلا للقلوب.

رأى إقبال أن من أهم أسباب التخلف للأمة الإسلامية والعربية هو الابتعاد عن الإسلام ورسالته الخالدة وإخلادهم إلى المادة وزخارفها الخلاية، بالرغم أن لهذه الأمة العربية لها تاريخ مشرق، لقد أدت دورا فعالا في بناء الحياة الإنسانية المثالية وفي إحلال السلام والأمن في العالم كله. إن هذه الأمة قد اتخذت القرآن مهجورا، وأنها فتنت بالمال وشغفت بجمعه وادخاره كغيرها من الأمم والشعوب. وأن علماء الإسلام وشيوخه ليست عندهم تلك اليد البيضاء التي تشرق لها الظلمات ويضييء لها العالم.

يقول إقبال وهو يخاطب الأمة العربية: أسفا على الجمود والخمود يا عمار البادية، كنتم أمة واحدة ،فصرتم اليوم أمما، كنتم حزبا واحدا، فأصبحتم أحزابا، يا رجل البادية، يا سيد الصحراء، عد إلى قوتك وعزمك، وامتلك ناصية الأيام، وخذ عنان التاريخ، وقد قافلة البشر نحو الغاية المثلى،... لن تسعكم الصحراء والفيافي ، فاضربوا خيمتكم في وجودكم الذي يسع الآفاق، كونوا أسرع من العاصفة وأقوى من السيل حتى تسرع ركائبكم في مضمار الحياة وتسبق الريح، يقول أخيرا: معذرة يا عظماء العرب، لقدأراد هذا الهندي أن يقول كلمة صريحة، فلا تقولوا أيها الكرام:هندي ونصيحة للعرب، إنكم كنتم أيها السادة أسبق الأمم إلى معرفة حقيقة الدين، وأنه لا يتم الاتصال بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا بانقطاعكم عن أبي لهب، ولا يصح الإيمان بالله إلا بالكفر بالطاغوت، إن العالم العربي أيها السادة لا يتكون بالثغور والحدود فقط، وإنما يقوم على هذا الدين الإسلامي وعلى الصلة بمحمد صلى الله عليه وسلم.

لقد ادرك إقبال قيمة هذا الظمأ الحنان فوجه الأنظار إليه حين قال في قصيدة له: أنزل أيها المسلم إلى أعماق نفسك وادخل في قرارتك شخصيتك حتى تكشف سر الحياة، انصف نفسه يا هذا، وكن لها وفيا صادقا، إن عالم القلب كله حرارة وسكر وحنان وشوق، أما عالم الجسم فتجاوز وزور واحتيال، ثروة القلب لا تفارق صاحبها، أما ثروة الجسم فظل زائل ونعيم راحل، إن عالم القلب، لم أر فيه سلطة الأفرنج ولا اختلاف الطبقات.

رأى اقبال ان الأمة العربية تحمل رسالة خالدة وتحتضن أمانة خالدة، وتعيش لغاية خالدة، أن الأمة العربية الإسلامية هي مصدر الانقلاب الصالح في التاريخ ومطلع فجرالسعادة في العالم، إنها لم تزل ولا تزال رائدة الانقلاب ورسول الحياة. إذا نادت الآفاق بأذانها، أشرق العالم واستيقظ الكون. الأمة العربية الإسلامية هي كالشمس إذا غربت في جهة طلعت في جهة أخرى، فلا تزال طالعة.

رأى إقبال أن مستقبل الأمة العربية منوط بالإسلام ويلزم على المسلمين الاتحاد والوئام فيما بينهم على هذه الأرض، وإن سبيلهم الوحيد إلى الاتحاد والترقي والمجد،إنما هي العودة إلى تطبيق تعاليم الإسلام قولا وفعلا وعقيدة. هذه هي رسالته إلى الأمة العربية، وهي رسالة إلى الحياة والقوة والأمل والعمل، وهي رسالة تدعو إلى نبذ اليأس والمخاوف والخنوع، وهي رسالة تعيد المجد الماضي المشرق في حياة الأمة العربية.

 

الدكتور معراج أحمد معراج الندوي

جامعة عالية ،كولكاتا - الهند

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم