صحيفة المثقف

أسوار التكوين

عبد الزهرة شباريهذه إنكماشة في عالمي

 المأسور بنفقٍ مظلمٍ من الحياةِ

***

منذُ الصراخ الأول ...

وعند الهبوطِ من عالمِ الصمتِ والظلامْ،

إلى عالمي الجديدْ،

عالم الضجيجِ والضياءْ  ...

الصاخب في متاهاتِ الخلودْ،

وأنا أتنسمُ  هواء الصور الباهتة ...

في خيالي العقيمْ،

هواء الأزمنة الموبوءة بالضياعِْ ...

وفي محرقةِ الأيامْ ،

مدنٌ مأسورةٌ بالوجدِ  ...

مأسورةٌ بقماطِ الألسنِ والأفواه ،

وبحارٌ من الدموع إلتسقتْ بحيوان  ..

الحياة الباليةْ،

أرادتْ منذ الأزل أن تفيقَ على صوتِ

الفجائعِ في دمي المأسور ...

بحبِ الأشياءِ التي رافقتني منذُ الصِغرْ، وها هي تلفني بقماطِ الولادةِ ....

من أخمصِ قدمّي حتى رأسي العاريْ،

ولا زالتْ تلّبسني بركامِ العاداتِ  ...

وقبائلِ ما قبل التأريخ الإنساني

على حدِ  الأنسنة البالية التي عاشَتْ ..

في ما وراء الحدود المطمورة تحتَ ...

فرثِ أسوارِ التكوينْ،

لا أرضُ سوادٍ تأوي ركام السلالات

بعد طمثِ أشجارِ الزيتون في هِلالِ الرافدينْ، ولا لقمانٌ ثانٍ يعودُ ويقتفي أثرُ الدوارسِ في ظلماتِ الذاكرةِ الغرائزية، بعد أن فجعتها الأزمنةِ  ...

وداستها السنابكِ في وحلِ التلبدْ الأعمى ...

وخرسنةِ الجهلاء في وادي الثعالبِ المأجورةْ  بالدماءِ الجنائزية !

وهي تعبرُ أفاقُ العمر برصاصِ الطواشيين التي ...

قدر أن تكون الغواصات إلى ضفةِ الخلودْ، وزيتون الفراديس في عالمِ الوجودْ، هكذا ولد العالم بأكملهِ ملفوفاً بخرقةٍ لوثها ...

دماءِ الرجاء وهادي الأسرّة ،

بين دعاباتٍ كانت الشواهِدُ على عالمِ التلويحاتْ ...

وتضاريس القُبل الموبوءةِ بداءِ الأنوثةِ ورغبات ...

الأجساد المسجورةِ في براكينِ الأوهام المظلمةْ  !

مربوطا بحبلهِ السّرّي إلى مشيمتهِ التي يتغذى عليها في عالمه الأخر، سابحاً في ملكوتهِ الكوني وماء الحياة ...

بعيداً عن الوجوهِ التي أبتذلتها الأزمنةْ، ودمرتْ معالمها أسواطِ  الجلادين ...

في عمقِ الحياةِ البائسةْ،

بعيداً عن سوقِ النخاسين والجشع الأعمى ومدارسِ ...

القراراتِ الفارغة التي تلفح وجوه الفقراء على طولِ ....

خط الاستواء الذي يفصلُ الأحياءُ عن الأمواتْ،  فلنا في صلاةِ  القبرات وهي تستعذب الطيران ليلاً ...

على حافاتِ القبورِ الموحشةْ،

وفي المعابدِ المهجورةِ والبعيدةُ عن تيارِ الأزمنةِ ...

وأهرامات القصور البائسةْ،

أسوةُ شاعِرٍ يقرضُ الحياة بمفرداتِ قصيدتِهِ ...

التي قد تدخلُ في معتركِ الأفكار ...

أو لا تعني شيء لدى القارئ  !!

لكنهُ بين هذا وذاك وعلى حدِ علمي كشاعرْ  ...

نزفَ جمةٌ من بقيةِ دماءهُ المتجمدةُ  ...

على أوراقهِ الباليةْ وقرأ شيئاً  ..

مما تيسرَ لهُ أن يضعهُ فوق رفوفٍ بالية تجمدتْ ...

عليها الأتربة وجذاذاتُ الحشرات الميتة ...

وبعض أجنحة الهوامْ المتيبسة مع خيوطِ  ...

العنكبوت اللزجة !

إنها إنكماشة في عالمي المأسور ...

لا بلْ أنها النهاية كما كانت البداية    !!!

***

عبد الزهرة الشباري 

في البصـــ23/11/2019ــرة

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم