صحيفة المثقف

نظرة إلى الوراء.. خطوتان للأمام

محمد الدعميفي الوقت الذي يطوي فيه العالم العقد الثاني من الألفية الثانية، يمكن للمرء الارتجاع إلى هذا العقد الزائل لرصد الأحداث واستنباط الدروس، خصوصا لحظة فتح صفحة العقد الثالث الجديد مع بداية عام 2020، على المستوى العربي خاصة.

للمرء أن يزعم، بكل ثقة، بأن العقد المنصرم كان عقدا مزدحما بالاضطراب، إذ شهد جبروت الشعوب العربية وهي تحاول كسر الجدار الفاصل بينها وبين صانعي القرار الحكومي في عدد كبير من الدول العربية ذات الأنظمة الشمولية. هذه هي الظاهرة التي أطلق عليها (جزافا) عنوان “الربيع العربي”، وهو حركة تغيير كاسحة شملت أغلب الدول العربية التي عدت “تقدمية” أو “ثورية” لعقود خلت، خصوصا بعد سقوط نظام صدام على بداية العقد الأول. وهنا، يمكن للمرء أن يلاحظ ما حدث في مصر والجزائر والسودان وتونس والعراق، ناهيك عمّا أحدثه ذلك من حرب في سوريا الشقيقة، علما أن “غليان” الجمهور في الدول أعلاه لم يزل جاريا على قد وساق دون أن يستقر على حال حتى اللحظة. وإذا ما كان العقد المطوي قد شهد تلاشي وتهميش جامعة الدول العربية، كفاعل سياسي، فإن عزل الجمهورية العربية السورية، ثم إسقاط عضويتها قد أسهما كثيرا في تسريع “انتحار” هذه الجامعة التي فقدت بذلك صفتها “الجامعة” على نحو تدريجي! وتدل أحداث اليمن التي لم تزل ساخنة حتى الآن على دقة ما نذهب إليه في أعلاه من خلاصة، مع إشارة خاصة للدور الدولي (بديلا عن العربي) لحل الأزمة هناك.

وإذا كانت الملاحظات أعلاه عربية التبلور على نحو خاص، فإن العالم العربي لم ولن يتمكن أن يفلت من دائر المتغيرات الدولية العامة التي تعصف بالعالم أجمعين، بدلائل عديدة، ومنها تجاوزات إيران على حركة الملاحة الدولية الحيوية عبر الخليج العربي، ذلك الخليج الذي يزداد سخونة باطراد بسبب أشكال الاحتكاك والارتطام المحدود الذي (حتى اليوم) تنفذه “الدرونات” أو الطائرات المسيّرة ذاتيا وعن بعد، ناهيك عن آثار ارتفاع درجة حرارة الأرض، الأمر الذي يزيد من حال التوتر، زد عليه توظيفات اللغة الإعلامية الحذرة والتي لا تخلو من تبادل التهم والإساءات، هبوطا “فوريا” نحو البذاءة في أحيان عدة، لسوء الطالع!

وإذا ما كانت الصراعات على ليبيا ونفطها قد بقيت محدودة بداخل الإناء المحلي حتى اليوم وداخليا منذ رحيل القذافي فإن تبلور “الفاعل” التركي قبل بضعة أسابيع، ثم تلويحه بالعصا العسكرية الغليظة يعد “تدويلا” لهذا الصراع الذي يشتد شيئا فشيئا بعد أن امتد من صحارى حقول النفط هناك، نحو صراعات مناطق السيادة البحرية وحدود الأجراف القارية للدول المتشاطئة على البحر المتوسط وهي تشم روائح الغاز المنبعث من قاع البحر هناك: من شبه جزيرة إيبريا وإيطاليا وقبرص وتركيا وسوريا وإسرائيل ولبنان، زيادة على سواها من الدول.

 

أ. د. محمد الدعمي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم