صحيفة المثقف

الدولة السودانية ومدارس أرض السمر

الطيب النقرالدولة يجب أن تهتم بالمدارس وترعاها، وتتبع أمورها بدقة لا تضاهيها دقة، وتدرس شؤونها بعناية لا تشبهها عناية، وتستيقن أن حديثها المعاد عن جدوى التعليم ودعهما له لا خير فيه ولا نتيجة له، إذا لم تعضد قولها بالفعل، وزعمها بالأدلة والقرائن، فنحن إذا ألقينا نظرة عجلى على مدارسنا التي تضعضعت دعائمها، وانتكست مرائرها، لأدركنا أن حكومتنا المشبل لا تحفل بأمر هذه المدارس، ولا تقدرها، ولعل الحقيقة التي لا يرقى إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن الحزب الصمد هناك أشياء تشغل تفكيره وينفق فيها نشاطه كله، ويدخر لتلك المؤسسات التي تبلور فكر ونهج أجيال، نشاطاً محدوداً فاتراً، وكّفاً لا يعرف السخاء والبذل، أما وزارة التربية والتعليم التي أضاعت من وسائل التربية ما أضاعت، وأهملت من قيم التعليم ما اهملت، لا أدري متى تعلم أهمية هذه المدارس في تكوين العقل والخلق، والحس والانتماء؟ أفبعد هذا الواقع المزري نستطيع أن نقول إن السادة أصحاب الأيادي المتظاهرة والمنن المتواترة والنعم المتواصلة، قد احتفوا بمنظومة التعليم في بلادي؟ لا، ليس إلى هذا القول من سبيل، فقد بتنا لا نعرف من هذه المدارس إلا شرورها وآثامها من جهة، ومظاهرها وأشكالها من جهة أخرى، أما حقائقها وجوهرها، وخيراتها ومنافعها، فقد أخنى عليها الزمان، وطحنها الدهر بكلكله، ليت شعري متى يبرأ الوعي ويسترد عافيته؟ متى يقال أن الوزارة الموسومة بالتربية والتعليم قد دافعت عن كرامة هذه المدارس، وناضلت من أجل نيل حقوقها؟ متى يرفع أقطاب الفضل هذه المدارس إلى مكانتها الشاهقة، وينزلونها منزلتها الظاهرة؟ لأنها المكان الذي ينبه الخامل ويرفع الوضيع ويشحذ الملهم، ويرعى الحاذق، لماذا لا تجزل الدولة لتلك المدارس العطاء، لماذا تصر أن تغلق دونها أبواب الرجاء؟ حتى متى نطلب من سادتنا ونستأنف الطلب، ونلح ونسرف في الإلحاح بأن يترفقوا بتلك الأيقونات ويعطفوا عليها؟ متى تبصر عيوننا المجهدة تلك الجدران الضيقة المهترئة التي يتكدس فيها مئات الطلاب، أكواناً فسيحة، ومباني مليحة؟ متى تهن قوى الخفافيش التي استوطنت تلك الفصول المتداعية وتنقطع بها الأسباب؟ إن صور مدارسنا التي تتصدع لها الأفئدة، وتذوب لها المهج، تقع من نفس هذا الشعب مواقع مختلفة، ولكنها كلها تفضي في نهاية المطاف إلى نتيجة واحدة، وهي إحساس هذا الشعب الذي تقسمته الهموم، وتشعبته الغموم، بأن المؤتمر الوطني قد صدف عن المدارس بوده، وطوى عنها بكشحه، وأنه يزدري هذا المدارس أشد الازدراء، ويستخف بها أشد الاستخفاف، فهو لم ير بصورة راتبة الملايين تتهيأ وتدخر لترميم أو تشييد القلاع التي تجعلنا في مأمن من سطوة الجهالة، وخزي الأمية، على حصيف الحجى، وخلوب اللفظ، حزب المؤتمر الوطني ألا يصغر من شأن المدارس وهو كبير، ولا يحقر من أمرها وهو عظيم، عليه قبل أن يمضي في سبيله يغير ويغالي في التغيير، ويبدل ويمعن في التبديل، أن ينظر إلى تلك المدارس التي شابها عبوس، وطمس صفائها شحوب، عله قبل أن ينفق الجهد في غيرها، ويضيع الوقت في سواها، أن يستحضر الصور الزاهية التي كانت عليها، ويتذكر الحكومات المتعاقبة التي كانت تتعهدها بالصون والرعاية، ويوقن بأن محكوميه لن يظهروا الاقتناع والطمأنينة لعهده إلا إذا عادت منارة التعليم إلى سابق عهدها متألقة ساطعة، ولا مشقة في ذلك ولا غرم، فالحزب إذا غير سياسته التي أصابها الضعف، ودبّ إليها الفتور، لحقق الكثير من الآمال والتطلعات، ووطد دعائم العديد من المدارس والجامعات، ولكنه اختط سياسة أملأت عليه قلوباً، وأججت حوله لهيباً، لقد استكثر المؤتمر الوطني على شعبه أن يزيل عنه الجهل، ويكشف عنه الظلمة، حينما ضيق الخناق على قطاع التعليم، ولم يحطه بألوان العناية والرعاية وضروب الحدب والاهتمام.

 

الطيب النقر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم