صحيفة المثقف

قراءة في الأهداف من الهرولة العربية للتطيع مع الكيان الصهيوني

قادة جليدإن ما يجري اليوم في الشرق الأوسط وتسارع الأحداث في المنطقة وهرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني لا يمكن فهمه أو تحليله إلا في إطار الخطط السياسية والإستراتيجية للإدارة الأمريكية بدأ الترويج لها سياسيا وإعلاميا من خلال مفهوم الشرق الأوسط الجديد بغية تحقيق الهدف الإستراتيجي وهو تصفية القضية الفلسطينية وتحييد كل الدول العربية التي كانت تشكل محور المقاومة والتصدي في الصراع العربي الإسرائيلي .

و في ضوء هذه الرؤية التي أكدتها الأحداث المتتالية والمترابطة لا يمكن فهم ثورات الربيع العربي المزعومة إلا في هذا السياق التاريخي من خلال تفكيك الدول الوطنية العربية ذات البعد القومي من أجل إضعافها وتقسيمها على غرار ما جرى لدولة العراق وليبيا وسوريا وبعث الفتنة والشقاق وإنتاج الأزمات في لبنان لمحاصرة وإضعاف موقف حزب الله المقاوم باعتباره يشكل كابوسا مرعبا ودائما لإسرائيل، وأخيرا وليس آخرا إعلان الحرب على دولة اليمن العربي الشقيق من طرف تحالف عربي مشوه بأهداف عدمية في المنطقة الرابح فيه خاسر تخدم أجندات دولية وعالمية ومن أبرزها إسرائيل المستفيد الأول  في ظل الوضع القاتم والمزري الذي تعيشه الأنظمة العربية التي بدأت تخطط فعلا للبقاء في عروشها خوفا من شعوبها التي قد تثور عليها في أي وقت لأن ساعة الثورات ليس لها عقارب بالنسبة للشعوب المستضعة والمقهورة .

إن هرولة البحرين والإمارات لتوقيع إتفاقية سلام دونكيشوتية مع الكيان الصهيوني لأنها لم تكن معها في حرب حتى توقع إتفاقية سلام مزعومة وتشجيع بعض الأنظمة العربية الأخرى للدخول في هذا المسار المظلم إما بالوعد أو الوعيد، هو من المضحكات المبكيات وهذا عندما تقرأ أو تسمع الحجج والتبريرات التي يبررون بها خيانتهم للقضية الفلسطينية والمتاجرة بها على حساب الدم الفلسطيني ومشاعر العرب والمسلمين وشعوب العالم التي تقر بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة  دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

إن إسرائيل لا تريد السلام مع العرب ولكنها تريد منهم الإستسلام والإنبطاح والتحلل من القضية الفلسطينية وكل القضايا الجوهرية ذات الصلة، لأن إسرائيل عبر التاريخ ليست دولة سلام ولا تؤمن به ولكنها كيان مصطنع مارق لا يمكن أن تعيش أو تستمر إلا من خلال شن الحروب على الدول العربية وقمع الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، فالسلام لا يخدم إسرائيل ولكنه سيؤدي إلى زوالها وفنائها والدليل على ذلك أن إسرائيل رفضت مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية سنة 2002 من أجل تحقيق سلام شامل وعادل بإقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967 وعودة اللاجئين وإنسحاب إسرائيل من هضبة الجولان العربية السورية المحتلة في المقابل إعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل .

إن بعض العرب يتوهمون عندما يعتقدون أن إسرائيل دولة سلام أو يمكن أن تكون كذلك وهم في الحقيقة يعرفون ذلك جيدا ولكن تنقصهم الشجاعة للجهر بموقفهم المخزي والتصريح علنا وجهرا بأنهم ليسوا عربا أو لم يعودوا كذلك وأن القضية الفلسطينية لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد .

إن كل المطبعين الجدد مع الكيان الصهيوني هم عرب ولكنهم يهود جدد بالوظيفة والهدف الإستراتيجي من هذا التطبيع في ظل الضعف العربي والإنقسام والإستسلام هو تصفية القضية الفلسطينية وإستبدال العدو الإساسي والحقيقي والمركزي للعرب والمسلمين بعدو وهمي هو إيران التي تعتبر تاريخيا الخلفية الإستراتيجية للعالم العربي  في إطار العالم الإسلامي الكبير والشامل وهذا ما تخشاه أمريكا وإسرائيل،  لذلك عمدت من خلال شيوخها المعتمدين في المنطقة إلى إذكاء الفتنة المذهبية والطائفية وتقسيم العالم العربي والإسلامي إلى عالم شيعي وعالم سني، من أجل فصل إيران عن محيطها الحضاري والثقافي وبالتالي محاصرة أية دولة عربية أو إسلامية تحاول أن تشيد نهضتها الخاصة لأن ذلك يعمل على يقظة العالم الإسلامي وهذا ما لا تريده أمريكا ولا إسرائيل وخير دليل على ذلك المضايقات والإستفزازات ضد تركيا محاولة لمحاصرة نهضتها رغم أنها عضو في حلف الناتو.

أما جامعة الدول العربية فلم تعد كذلك، بل يصدق تسميتها بجامعة دول الخليج العربي صاحبة القرار الأول في هذه المؤسسة التي أصبحت تخضع لإبتزاز مالي واضح بإعتبار أن المالك للمال هو المالك للسلطة وهو الذي يفرض قراراته على الجميع، أما مصر التي كانت قلعة العروبة والقومية العربية ورقم أساسي وفاعل في المنطقة فلم تعد كذلك، من خلال ظروفها الحالية وفقدت وزنها القومي والتاريخي والإستراتيجي في المنطقة وأعطيت لها مهمة لتنفيذها بإتقان  من طرف الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني وهو مباركة التطييع العربي الصهيوني والتشجيع عليه وشيطنة كل القوى المعادية لإسرائيل.

إننا في المستقبل نراهن على الوعي العربي الإسلامي وعلى قرار الشعوب في إطار وحدة المسلمين جميعا، لأن فلسطين قضية مقدسة تهم كل عربي وكل مسلم بغض النظر عن المذهب أو البلد أو الطائفة وإن غدا لناظره لقريب .

 

الدكتور قادة جليد الجزائر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم