صحيفة المثقف

مفاتيح التقدم!

يسري عبد الغنينؤكد على أن ظاهر هذه القدرة التي يبحث عنها العالم هو التقدم التكنولوجي الذي يؤدي بدوره إلى التطور الاقتصادي، والتفوق العسكري، والاستقلال السياسي، وبالتالي توافر الوسائل الضرورية لمكافحة الفقر والجهل والمرض وسواها من العلل التي تعوق حركة التقدم والنهوض .

على أن التقدم التكنولوجي يظل مرتبطاً ارتباطاً أوثق بالعلم، إذ أن التكنولوجيا تعني تطبيق العلم على العمل في مختلف مجالات الصنع والانتاج .

أي أن مقياس القدرة الأصلية للمجتمع تقاس أو تقدر بمقدار الثروة العلمية التي يتمتع بها من حيث انتشار المعرفة وعلو مستواها، وعدد المتعلمين تعليماً حقيقياً مفيداً للمجتمع، وعدد أصحاب القدرة على الإبداع والابتكار والتطوير وحل المشكلات المعاشة، وكذلك عدد المؤسسات العلمية والبحثية بما تؤديه من دور فاعل في تطوير البحث العلمي وحل مشكلات المجتمع والارتقاء به، نضيف إلى ذلك المنهجية العقلية السائدة في المجتمع والتي نراها في تصرفات الأفراد والجماعات، ومدى قدرتها على تشخيص المشكلات ومعالجتها معالجة علمية سليمة .

*

وإذا كانت القدرة العلمية والمعرفية التي يتمتع بها أي مجتمع هي التي تحدد بدرجة كبيرة ما يتمتع به من تقدم أو ما يعانيه من تخلف، فقد نجد شعوباً فقيرة ومتخلفة، غير قوية، تنتصر انتصاراً ساحقاً على غيرها من دول في غاية التقدم العلمي، والقوة التكنولوجية .

ويعود قسط جليل من الفضل في ذلك إلى إيمانها العميق، وبذلها، وجهادها، وتضامنها، وما وفرت لنفسها من أسباب القوة، والقوة التي نقصدها هنا القدرة الخُلقية والنفسية .

وغني عن التوضيح أن عدوان الشعوب بعضها على بعض، وظلمها واستغلالها بعضها بعضاً ظواهر عريقة قديمة في التاريخ البشري، ومردها إلى الفروق، الفروق في القدرة بين الشعوب الغالبة، والشعوب المغلوبة .

وجاءت تطورات العصر الحديث فوسعت هذه الفروق ومكنت الدول الكبرى من فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية والثقافية على غيرها من الشعوب، ليقول لنا لسان الحال : إن الضعيف وإن كان صاحب حق ليس له من أشياع ! .

*

إذن من اللازم اللازب أن نخرج من طرحنا السالف بأن الواقع المعاش يحتم علينا أن نسعى جادين مجتهدين كشعوب عربية وإسلامية، لأن نعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق، في نفس الوقت نُسلح أنفسنا ـ بقدر الطاقة والإمكان ـ بالقوة، والقوة التي نقصدها هي قوة العلم والمعرفة والفكر، والتي لا تقل بحال من الأحوال عن قوة المال والسلاح والجاه، وفي رأينا أن الأيمان الحق هو خير وسيلة نستطيع أن نسعى بها إلى القوة، لنكون بحق كما وصفنا المولى سبحانه خير أمة أخرجت للناس .

من المحتم علينا أن نمتلك مفاتيح التقدم العلمي من أجل أن نتمكن من مواجهة ما يهددنا من أخطار، ويجابهنا من تحديات، وبالطبع ليتنا نعي ذلك وندركه جيداً في إطار الحفاظ على أصالتنا وثوايتنا وهويتنا الإسلامية .

*

نحن نخطئ الخطأ البين إذا قصرنا معيار القدرة العلمية التي يتعين على المجتمعات العربية والإسلامية السعي إلى تحقيقها كسبيل أوحد يمكنها من مجابهة أخطار وتحديات القرن الواحد والعشرين، فلا يصح الاقتصار على العلم فقط، أو التقدم العلمي فقط، كي نحدد التقدم المتزن المتكامل الذي يقوم على القدرة الذاتية بجمالها وتمامها، فهناك قدرة النفس أي القدرة الخُلقية أو المعنوية الناتجة عن عمق الإيمان، الإيمان الواعي الذي يجعلنا نسير في طريق العمل الجاد المثمر، ويجعلنا نسيطر على الشهوات والأطماع، ويشجعناعلى : البذل، والتضحية والتعاون، وإنكار الذات، والصدق مع النفس .

إن الإيمان الحق هو الذي يجعلنا نتضامن ونتشارك جميعاً في سبيل تحقيق المثل العليا والأهداف السامية التي تطمح مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى تحقيقها، وهو الأمر الذي سيعمل بالقطع على الحفاظ على هويتها وأصالتها في ظل سعيها الدائم والضروري إلى امتلاك مفاتيح التقدم العلمي.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم