صحيفة المثقف

في الدساتير الحديثة.. قيد من أجل الصالح العام

يسري عبد الغنيمن المبادئ المستقرة في الدساتير الحديثة في أغلب الدول، ما تقرره تلك الدساتير من كفالة حرية الرأي والتعبير عنه بكافة الوسائل، وكذلك حرية البحث العلمي وكفالته وتشجيعه.

وبمعنى عام فإن هذه المبادئ تدعو إلى حرية الإنسان في التفكير والبحث وإبداء رأيه والتعبير عنه بكافة الوسائل.

غير أننا نلاحظ دائماً أن هذه الحرية المكفولة، تتقيد بعدم المساس أو الإضرار بالفرد أو بالجماعة، بمعنى أن لا يكون في ممارستها ما يتضمن إخلالاً بحقوق الآخرين (فكل إنسان حر ما لم يضر)، مما يعتبر جرائم في نظر القانون وحسب ما يقرره .

ولذلك فإن النصوص الدستورية التي تقرر هذه المبادئ، تحرص دائماً على الإشارة إلى أن ممارسة حرية الرأي والتعبير تكون في حدود القانون. [عمر الشريف، مذكرات في نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية، ص 153] .

وفي رأينا: أن الذي يقرر نطاق هذه الحريات ومداها يتأثر دائماً بالمناخ الذي يسيطر على الدولة، مما يكون له أثره على عمل المشرع في الإقلال أو التوسعة في الضوابط والقيود، وكذلك يكون له أثره على السلطة التنفيذية فيما تمارسه من رقابة على تطبيق المبدأ وضوابطه متأثرة ولا شك في عملها باعتبارات السلامة الوطنية، ولكن تحت رقابة الرأي العام .

على كل حال فإن العبرة دائماً بالتطبيق وليس بالنصوص القانونية والدستورية، فمبادئ حرية الرأي والتعبير وكفالة البحث العلمي يجب أن تتأكد، فهي حق مشروع لكل مواطن .

إن لكل إنسان الحق في أن يعبر عن رأيه، ولكل إنسان حقه في نشر رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير بشرط ألا يسئ إلى الآخرين بشكل أو بأخر، ومن حق أي إنسان أن ينتقد نقداً ذاتياً، نقداً بناءاً بهدف صالح الوطن، وضماناً لسلامة البناء الوطني .

كما أن حرية الصحافة والطباعة ووسائل الإعلام يجب أن تكون مكفولة، والرقابة على الصحف يجب أن تكون محظورة، كما أن إنذار أو وقف أو إلغاء الصحف بالطريق الإداري ضد حرية الكلمة والتعبير .

وإن كان البعض يقول: أنه يجوز الإستثناء في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب، بمعنى أنه من الممكن أن تفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، وذلك وفقاً للقانون .

وهناك في وقتنا الراهن الكثير من أهل الفكر والرأي، ينادون ويطالبون بإطلاق الحريات العامة في جميع مجتمعاتنا العربية والإسلامية , كما يدعون إلى إلغاء حالات الطوارئ، والقوانين الاستثنائية سيئة السمعة.

كما يدعون إلى ضرورة إجراء إصلاحات سياسية ودستورية وقانونية جذرية، كذلك يطالبون بإطلاق حرية الصحافة التي يجب أن تكون بحق منارة للإرشاد والتعليم والتوجيه والتثقيف والتنوير، وأن تكون بحق معبرة عن كل فئات المجتمع ومشاكله وطموحاته وآماله وأحلامه .

وفي رأينا أن حرية التعبير وإطلاقها يجب أن ترتبط بتقنين ضماناتها، وحماية أهل الرأي والفكر من أي اضطهاد أو عسف، مع إطلاق حرية النشر، في نفس الوقت الذي نطالب فيه أصحاب الرأي والفكر وحملة الأقلام بضرورة الالتزام بأمانة وشرف الكلمة، والإدراك الحقيقي للحرية المسئولة، والبحث عن الحقيقة من أجل الصالح العام، وتحري الدقة، والحوار بالتي هي أحسن، واحترام الخصوصية .

ولعل القارئ يتفق معنا في أن كل ما دعونا إليه، وطالبنا به لا يتعارض بشكل أو بأخر مع تعاليم ومبادئ الإسلام، الإسلام الذي يؤكد هذه الحريات ويدعمها، بعيداً عن فرض أي قيد.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم