صحيفة المثقف

الثقافي والسياسي من منظور سوسيولوجي

علجية عيشللباحث المغربي أحمد شراك

هل السياسي رجل مفكر؟ وهل يجوز له أن يهيمن على المثقف؟ ومن له الحلول أكثر للمشكلات؟

أسئلة وجب طرحها..

"الثقافي والسياسي من منظور سوسيولوجي" عنوان كتاب أصدره الباحث المغربي أحمد شراك، وأجرى له الباحث المغربي محمد عبد الفتاح قراءة شبه نقدية نشرته صحيفة " القدس العربي" عبر موقعها الإلكتروني، في هذا الكتاب الذي لفت انتباهي يتحدث أحمد شراك عن قيم اليسار وما يتصف به اتباعه بإنكار الذات والتشبع بالبعد الأخلاقي، ويصفه بجيل التضحية بامتياز، حيث أصبح المثقف بخلاف جيل السبعينيات، يناضل من أجل مناطق أكثر ضوءاً، ويجعل المقام العلمي في خطابه هو المقام الأساس، من زاوية تحسين الأوضاع المادية ثم المعرفية، إلا أن هذا الخطاب تغير وانتكس خلال فترة الثمانينيات الذي اشتد فيه الحديث عن العلم، والمنهج، والمصطلح، والشهادات العلمية، وأصبح المثقف يبتعد عن لغة الدكاكين السياسية وشغبها، ملتفتا إلى تحسين وضعه الاجتماعي والمعرفي، قد رصد الباحث مجموعة من فئات المثقفين:

- المثقف الرمزي وهو نموذج المثقف، الذي اختار الكتابة والبحث، بدون انعزال مطلق عن التطور السياسي

- المثقف الحركي وهو الذي انتصر للفعل السياسي المباشر، على حساب الإنتاجية الفكرية والعلمية والإبداعية، بدون انعزال مطلق عن التطور الثقافي.

- المثقف المزدوج هو المثقف الذي زاوج بين الحضور الثقافي، والحضور السياسي، بشكل يكاد يكون متزامناً ومتوازياً.

- المثقف البراغماتي، وهم فئة من المثقفين، أصبح عندهم الإبداع والكتابة والبحث العلمي هاجساً ثانوياً، وحسموا في اختيارات وجودهم ضمن أجهزة الدولة، والدكاكين السياسية، والولوج إلى دواليب القرار والمراكز.

- المثقف المشاكس الفئة التي اختارت عن إصرار البقاء في المعارضة، فضلت ممارسة ثقافة نقدية اتجاه الدولة والحزب الذي تنتمي إليه وتحفظت من كل العروض المغرية.

- المثقف الفقهي: يتميز خطابه بالطهارة والنقاء، ويمتد في الهامش، ويستثمر في الواقع، على صعيد الخطاب والممارسة، يراقب ويرفض ويناهض، ويتجلى في شخص المثقف الإسلامي الذي يجر وراءه؛ تضحيات، وأياماً طويلة؛ في القلاع والمنافي، والذي أصبح ينتج نفس الخطاب السبعيني لقوى اليسار، ولكن بحمولة إسلامية.

من خلال هذه التعريفات يرصد صاحب الكتاب العلاقة بين المثقف والسياسي أو بالأحرى إشكالية علاقة الثقافة بالسياسة، يتجلى ذلك من خلال الانتخابات، وهي في نظره علاقة مركبة ومعقدة في آن واحد إذر تطرح أكثر من استفهام، على الصعيدين: النظري والعملي، والسياسي والثقافي، ويفهم من كلامه أن المثقف محصور بين اثنين: الثقافة والسياسة، ويكاد يكون جزءًا لا يتجزأ منهما، لأنه يستجيب إلى متطلبات الحياة المادية والمعنوية كما تكون الانتخابات أحد هذه التجليات، التي تبرز دور المثقف، بوصفه مالكا لرأس مال ثقافي، من حيث ممارسته لما يسميه الباحث بعلم المتع الرمزية من إبداع ونقد وفكر وبحث.

كما يحاول الكاتب أن يشخص ظاهرة الفساد في العملية السياسية لاسيما في مرحلة الإنتخابات وماهي الآليات التي يمكن العمل بها لإمتصاص النزوعات الفردية ورسم أفق مرشح مشترك موضوعي، وليس على أساس تصورات ذاتية للهيئات السياسية، ما يفتح الباب نحو القراءة والتأويل، والمزايدة مقدما انتتخابات المغرب كنموذج والمنافسة الشرسة التي دارت بين عضو الحزب الاشتراكي الموحد، ونائب الأمين العام، محمد الساسي الراحل أحمد بنجلون الكاتب الوطني لحزب الطليعي الديمقراطي الاشتراكي، للظفر بالمقعد البرلماني، وعدم رغبة الطرفين في التنازل لبعضهما، فما طرحه شراك في ما يخص علاقة المثقف بالانتخابات، بوصفها آلية ديمقراطية لتدبير العمل السياسي، بين فرقاء سياسيين، يفترض فيهم أنهم يحملون هماً وطنياً، ومشروعاً سياسياً واضحاً، ويمتلكون مشروعاً ثقافياً نحو الدولة والمجتمع.

لا نعلم إن كانت هذه الرؤية الواردة في هذه الفقرة لصاحب الكتاب أم لقارئه عندما عرض واقع السياسة اليوم، حيث قال: " أن السياسة اليوم غدت وسيلة للاغتناء، أمام من أوصدت الحياة في وجوههم أبواب الرزق، فالتجأوا للعمل السياسي، لعله يغيّر شيئاً من بؤس حالهم، وضنك واقعهم"، ثم أضاف: " هكذا غدت السياسة (بمفهومها النبيل) وسيلة للاغتناء غير المشروع والوصولية والانتهازية وشيئاً فشيئاً تحولت هذه النماذج البشرية، التي طغت في المجال السياسي إلى الحزب، الذي احتضن الكثير من هذه الكائنات الحربائية، ووفر لها غطاءً سياسياً، وصار يطعِّم بها الحقل السياسي، مغتنماً مناسبة العرس الانتخابي الذي يتكرر بنفس المشهد" .

هي أحكام لا يمكن أن نقول أنها غير عقلانية ولكن قد يرفضها البعض، فليس كل من يمارس السياسة جائعٌ ويسعى للإسترزاق منها، وإنما طمعا في السلطة بدليل أن المترشحين للمناصب العليا ( البرلمان مثل) معظمهم رجال أعمال، يلجأون إلى "الرشوة " من أجل الفوز في الإنتخابات، ولكن نقف معه في أن بعض الأحزاب احتضنت ما سمّاهم (الكاتب / القارئ) بالكائنات "الحربائية"، وهي الأحزاب التي تخلت عن مبادئها التي تاسست من أجلها لاسيما الأحزاب الثورية، وهذا لا يحدث في المغرب فقط، بل في دول أخرى ومنها الجزائر.

فمن خلال ما جاء في هذا الكتاب أن مضونه يسلط الضوء على الصراع بين المثقف والسلطة، وكيف استغلت الأحزاب، وهو إمّا يقف موقف المتفرج فيما يحدث، وإمّا أنه ينجذب إليها وينخرط فيها، بدليل أننا نجد كوادر طبية تترشح في الإنتخابات وبدلا من أن تترأس لجنة صحية مثلا نجدها على رأس المجالس المنتخبة توزع الميزانية وهي لا تفقه في هذا المجال وتوقّع على صفقات عمومية، وفي النهاية تجد نفسها متابعة أمام المحاكم في قضايا تتعلق بالفساد، لأنها تدير أمورا خارج اختصاصها، وقد وقفنا في مرحة انتخابية سابقة على باحث ومؤرخ ترشح ليكون رئيسا للمجلس الشعبي البلدي، وسمح لنفسه أن يكون أضحوكة أمام مترشحين هم أقل منه مرتبة علمية وكفاءة وأخلاقا، نعيب طبعا على النخبة المثقفة التي تقبل بمثل هذه النازلات ليكون حضورها مع ديناصورات أو صعالكة لا يعترفون بالقيم النبيلة بل يدوسونها ويضربونها عرض الحائط من أجل الوصول إلى السلطة، وقد يستخدمون المال الوسخ لتحقيق أغراضهم.

أما عن أصناف المثقف، فصاحب الكتاب ذكر أصنافا وأهمل أصنافا أخرى تطرق إليها من سبقوه في البحث والتحليل، ومن الأصناف التي ذكروها للمثقف هي: المثقف المتفرج، المتشائم، الانتهازي، الوصولي الذي يستغل الأحداث لإبراز اسمه، المثقف الهروبي أو المتراجع كما يحلو للبعض تسميته، المثقف المستعدي، والمثقف الموالي والإعتذاري، وهذه الأصناف ذكرها الدكتورسماح إدريس من لبنان في كتابه "المثقف العربي والسلطة" بحث في روايات التجربة الناصرية، كما يوجد أصناف أخرى للمثقفين بحيث نقرأ عن مثقفي السلاطين والحكام، في حين يوجد ما يسمونه بمثقف "الإنتلجانسيا" والمثقف "النرجسي" الذي يؤكد أسبقيته على الآخر، المثقف المستخفي، وهو المثقف المجهول والمستغنى عنه اجتماعيا، مقدما رؤية واضحة حول علاقة المثقف بالسلطةثم المثقف "المدرسي" الذي ينقل ما يكتبه الأخر من دون تحليل وتمحيص ونقد، وهو بذلك يمارس ثقافة "العنعنة" .

 تبقى فئة من المثقفين وجدت نفسها على الهامش، إنهم مثقفو الجماهير، الذين يشكلون روح الثورة والطغيان والتمرد على السلطة، تتميز بالفعالية والغيرة على الوطن والشعب والأمة وتسعى إلى التغيير الهادف، ما يمكن قوله هو أنه لا يمكن الفصل بين السياسي والثقافي في التفكير البشري، ولا يمكن لأحد نفي الدور المحوري للسياسي في حياتنا اليومية، فالنظام السياسي مسؤول بشكل كبير عن حل أو تأزيم كثير من المشكلات السياسية وألإجتماعية وحتى المشكلات الثقافية، ولذا لا يمكن في جميع الأحوال أن يهيمن السياسي على الثقافي، فكلما نتعمق في قراءة من يفكر به الآخر وما يكتبه تتضح لنا الصورة، رغم أن هناك مشترك إنساني في كل الثقافات والسياسات، وهناك خصوصيات ثقافية تستبطنها الثقافة الذاتية للأمة، لكن لا يمكن أن يهيمن السياسي على المثقف، المطلوب هنا كما يقال هو تثقيف السياسة وليس انخراط المثقف في العمل السياسي .

 

علجية عيش بتصرف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم