صحيفة المثقف

سيد قطب روائيا

يسري عبد الغني"إلى التي خاضت معي في الأشواك فدميت ودميت، ثم سارت في طريق وسرت في طريق: جريحين بعد المعركة، لا نفسي إلى قرار ولا نفسها إلى استقرار"

هذا هو إهداء قطب في روايته أشواك لتلك الفتاة التي ملكت شغاف قلبه، وأصابته بالحيرة والشوق، فقد سارا معا في طريق العشق والفراق. رغم أن "أشواك" رواية فنية فإن العين لا تخطئ باعتبارها تجربة ذاتية، سواء في أسلوبها أو إهدائها الصريح.

حينما أحب سيد قطب رأى في حبه استعادة لرحابة الطمأنينة، ولكن ما يلبث أن شعر بخيبة الأمل بهذا الحب، يشبه قطب "سامي" بطل روايته "أشواك"، الشاعر الذي يحب "سميرة" التي تفضي إليه بمنتهى البراءة علاقتها السابقة بضياء، فيصيبه الشك الأبدي في حبها له. لا يستوعب البطل أن سميرة قد صدقت في حبها الأول ففرقت الأقدار بينها وبين ضياء، ثم أحبته وأمّنته على كوامن نفسها، ولكن سامي الباحث عن البراءة المثالية المتخيلة لم يتحمل ذلك الاعتراف، فتلبّسته الحيرة وهزمه الشك. تشبه "أشواك" رواية "سارة" للعقاد؛ فكلاهما يتناولان الحب الموءود بالصد والتدلّه.

نرى من خلال رواية "أشواك" علاقة قطب المرتبكة بالمرأة كبطل "أشواك". لم تسمح ظروف معيشة قطب وتقلبات أوضاع عائلته وبيئته المحافظة التي نشأ فيها أن ينصرف للعبث، فوجد ملاذه في الشعر والفن، وصان خياله بالسذاجة الحلوة والتصورات المثالية عن المرأة. لذا فإن اعتراف "سميرة" بتجربتها السابقة مع ضياء وضعت سامي في مأزق نفسي وصراع جواني، يعبر عنه سيد قطب الكاتب على لسان "سامي" قائلا:

"تراه أخطأ الطريق من أوله فطلب الحورية العذراء المغمضة العينين في بنت من بنات القاهرة، أم تراه أخطأ الطريق من أوله فطلب حياة زوجية لا تصلح له بحال؟"

رغم أن سيد قطب لم يعد ذلك الصعيدي الذي أتى إلى القاهرة 1921 فإنه ظل يرنو إلى أن تكون فتاته حورية مغمضة العينين يقودها إلى عشه المسحور. مرة أخرى تبدو لنا شخصية قطب الساعية نحو البراءة الخالصة والواقعة بين شقي رحى الواقع والمثال.

لقد خاض قطب هذه التجربة بآلامها فحفرت فيه كثيرا وتركت بصماتها عليه، فصور ذلك في أشعاره ومقالاته، هذه النفس التي أصبحت بالحب أكثر سموا وطهرا بوجود الحبيبة، ووحدة وعزلة بضياعها، كتب قطب مقالا نُشر في مجلة الرسالة عدد 29 مايو/أيار 1944 عبّر فيه عن توقه للعودة إلى روحه المستلبة بهذا الحب الضائع، ومما جاء فيه: "لست أنتِ التي أريد يا فتاة… إنما أريد ذلك الفتى الخالي الذي كان يحيل حقيقتك المجسمة إلى رؤيا مجنحة".

المدينة المسحورة

رغم أن "أشواك" هي الرواية الأشهر والأنضج أدبيا لسيد قطب، فإن ثمة محاولة روائية أخرى لا يُنتبه إليها كثيرا، وهي روايته "المدينة المسحورة" التي نُشرت في فبراير/شباط 1946، تختلف رواية "المدينة المسحورة" عن "أشواك"، فبينما تتناول أشواك موضوعا عصريا واقعيا، تُقتبس "المدينة المسحورة" من ألف ليلة وليلة، وتدور حول فكرتي الخيال والقدر.

وتحاكي "المدينة المسحورة" محاولات طه حسين وعلي أحمد باكثير في كتابة نص على نص، فكما كتب طه حسين "أحلام شهرزاد"، كتب قطب "المدينة المسحورة". ونرى في الرواية شهريار وقد سئم الفراغ بعدما أمضى ألف ليلة مع حكايات شهرزاد، وضاق بالعالم المحسوس ويسعى للتحليق في الخيال ليواجه شعوره بالاغتراب. تخبرنا الرواية أن الحياة بلا خيال نوع من التحجر والعيش بلا أحلام حيوانية بليدة.

يأخذ النقاد على رواية "المدينة المسحورة" أنها رغم رقة أسلوبها فإنها ضعيفة في البناء الدرامي ورسم الشخصيات، فقد بدأ الخيط الدرامي بحاجة الإنسان الدائمة إلى الخيال، فلم يتم قطب هذه الفكرة، وتحول إلى فكرة سطوة القدر المسطور، وهيمنته على البشر ملوكا ورعاة.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم