صحيفة المثقف

قبل الرحيل

عاطف الدرابسةقلتُ لها :

أراني كورقةٍ أسقطُ عن أغصانِ العمرِ

قبل الخريفِ بفصلين

تأخذني الرِّيحُ بعيداً عنكِ

فأحطُّ بين قبرين :

قبرِ أُمِّي

وقبرِ حلمٍ استيقظَ

قبل أن يكتملَ بكلمَتَين ..

 

الرِّيحُ تكتبُ على جبينِ الورقةِ وصيَّتي :

"أقيموا كالهِلالِ في أُفقي

اقترِبوا من سمائِي

لترَوا كيف يُنجبُ اللَّيلُ النُّجومَ

وكيف تنسجُ الشَّمسُ فجري

وكيف يكتبُ لكمُ الدِّيكُ قصائدي بصوتِه

اقترِبوا من سمائِي

وانظرُوا كيف تنتظمُ قوافلُ غيمي

وكيف يهربُ منها المطر" ..

 

عندَ موتِي :

ستعرفُون لِمن وهبتُ قلبي

ولِمن وهبتُ عقلي

ولِمن وهبتُ روحي

ولِمن وهبتُ وجعي

ولِمن وهبتُ آخرَ استعارةٍ في كلماتِي ..

 

عند موتي :

في آخرِ وصيَّتي هامشٌ مكتوبٌ فيه :

لِمن وهبتُ قبل موتِي حياتي ..

 

عند موتِي :

ستعرفون مَن أطلقَ سراحَ الحَمامِ

والحِملانِ

والغزلانِ

والرِّعيانِ

وسجنَ في أقفاصِه النُّمور ..

 

كنتم قبلي قرابينَ الوحوشِ

وكان دمكُم حلالاً

ومالُكم مُستَباحاً

والطَّريقُ إلى الحريَّةِ مُعلَّقاً

بين الهواءِ والهواءِ

كنتُم قَبلي عبيداً

لملوكِ الأرضِ

والخُرافةِ

وأفاعي الحقول

فهزمتُ الخوفَ في قلوبِكم

وحرَّرتُ العقول ..

 

اقرؤوا آخرَ التَّعاليمِ

وآخرَ السُّطورِ

وتبيَّنوا آخرَ الرُّؤى

والأفكار

ستعرفونَ مَن الذي خلعَ عنكم رِداءَ الضَّباب

ومَن الذي أخرجكُم من أفواهِ الذِّئاب ..

 

تعالَوا

أقيموا طقوسَ العبورِ عند ورقتي

بين القبرينِ

كلَّما طفتُم حولَها أكثر

اشتعلت فيها نارُ الحياةِ

وتجمَّرَ الرَّمادُ

فصار كذرَّاتِ الملحِ

خذُوه وانثرُوه على الجِراح

لتبتسمَ لكم في أقصى السَّماءِ

كلُّ الجِراح ..

 

سأرحلُ

بعد أن أسقَطتُ آخر صنمٍ

وآخرَ تمثالٍ ..

 

سأرحلُ

بعدَ أن تمخَّضت الصُّخورُ

وأنجبت كبيرَ الجِمَال

فأقيموا صدورَ مَطِيِّكم

واعبرُوا معاً آخرَ البِحارِ

فالجبناءُ وحدَهم

مَن يتركونَ أحذيَتَهم على الشَّواطئِ

ورؤوسُهم في الرِّمال ..

***

د. عاطف الدرابسة

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم