صحيفة المثقف

تاركو الأثر.. حوارات مُطعّمة بالدُعابة وبلاغة التعبير

عدنان حسين احمديُشكِّل الكتاب الثالث للناقد السينمائي علاء المفرجي انعطافة في مساره الإبداعي الذي كرّسه للفن السابع منذ ثلاثة عقود أو يزيد لكنّ شغفه لم يقتصر على السينما حسب وإنما تعدّاه إلى الأدب والفنون بأشكالها المتعددة. كما ساهم عمله الصحفي في تشظية اهتماماته الإبداعية إلى فن الحوار الاستقصائي الذي ينبش في أعماق المبدع ويكشف عن أسراره الدفينة وعوالمه المخبّأة. وهذا ما لمسناه في  كتابه الجديد "تاركو الأثر" الصادر عن دار "المدى" في بغداد. يضمّ الكتاب مقدمة بقلم الكاتب سهيل سامي نادر وعشرين حوارًا مع مبدعين عراقيين كانت الغَلَبة فيها للأدباء والشعراء على المنهمكين في الحقول الإبداعية الأخرى.

يتميّز المُحاوِر علاء المفرجي في هذا الكتاب بقدرته على الإحاطة بالسير الذاتية والمنجز الإبداعي لغالبية الشخصيات التي حاورها إن لم أقل كلها على الإطلاق، بل أنّ هناك شذرات وومضات نقدية تلتمع في بعض المقدِّمات المركّزة التي تزوِّد القارئ بما يحتاج إليه من معلومات مهمة كانت غائبة عنه قبل شروعه بقراءة الكتاب.

على الرغم من أنّ الحوار مع الشاعر مظفّر النوّاب لم يتعدَّ حدود الدردشة التي اشترك فيها علاء المفرجي والكاتب علي حسين والشاعر كاظم غيلان ولعل أهمّ ما جاء فيها أنّ النوّاب يعُدّ "أبو صخر الهذلي" أبرز وأهمّ شاعر في تاريخ العربية!" ومن بين التصريحات المُلفتة للنظر في هذا الحوار قوله: "أنا فخور بأني من شعب حادّ كالشفرة رقيق كما الماء" مُذكِّرًا إيانا بالشخصية العراقية المتضادّة التي رسمها عالِم الاجتماع علي الوردي في أبحاثه ودراساته الاجتماعية.

البوح الصادق

يكتنز الحوار مع الشاعر والمُترجم صلاح نيازي بما يُشبه اللُمع والأقوال المأثورة، فحين يفرّق بين "الغريب" و"المغترب" يقودنا إلى المتنبّي والجواهري اللذين يعدّهما غريبَين لأنهما لا يُتقنان غير اللغة العربية، ويصف البياتي وبلندا الحيدري "بأنهما وحيدا اللغة مهما ادعَيا من ترجمة ليست من صنعتهما البتّة". فالمُغترب من وجهة نظر نيازي "مغامر من أجل البقاء. نبات منقول من بيئة إلى أخرى". ومن بين الصفات الحميدة لدى نيازي هي قدرته على البوح الصادق من دون مُزوّقات لفظية فحين يسأله المفرجي عن سبب هيمنة السرد في شعره لكنه لم يقترب من كتابة القصة والرواية فيجيب بصراحة تامة:"لم أطّلع في ذلك الوقت على القصة القصيرة، ولا على الرواية. ما من أحد دلّني على أهميتهما".

يُقرِّع الشاعر ياسين طه حافظ النقّاد العراقيين ويسِم اشتغالاتهم النقدية بالسرعة وعدم التأني، بل أنه يذهب أبعد من ذلك حين يقول: "النقد عندنا عَجِل، وفي أحيان كثيرة يعتمد الانطباع والقراءات الجاهزة" التي تخالف الطرق العلمية المتّبعة في البلدان المتطورة علميًا وحضاريًا. يكتب ياسين طه القصيدة المُركّبة التي تتوفر على أنماط من التعابير، والدلالات المشتبكة، ويرى أن الشعر العظيم هو "صدى لروح عظيمة" وأنّ "الداخل هو مَصهر وورشة للإبداع الوطني".

يُعدّ المبدع خزعل الماجدي هو واحد من أبرز شعراء جيل السبعينات فلاغرابة أن يركِّز المفرجي على قصيدة النثر، وجيل السبعينات، وصورة المثقف العراقي، وثمة أسئلة أخرى لامست الدين، والأسطورة، وتاريخ الحضارات. ومن أبرز مقولاته في هذا الحوار هي أنّ "الشاعر الحقيقي هو الذي يكون بارعاً في تأليف قصيدة ذات إيقاع روحي عميق". ثم يمضي الشاعر في التفريق بين قصيدة النثر والنص المفتوح، فقصيدة النثر بالنسبة إليه تعني بالضبط "كتابة الشعر عن طريق النثر" لكنها تظل قصيدة مكثفة تُعنى بالمضمون الخفيّ المُوارب والمُدهش أكثر من عنايتها بالشكل واللغة.

الشاعر والباحث في الفن الإسلامي شاكر لعيبي غسلَ يديه من العراق حدّ الكوع، فبعد محنة الهروب والاغتراب القسري خرج بخُفيّ حُنين حيث يقول بمرارة:"أنّ العراق الراهن لم يمنحنى للأسف إلا الخيبة. وبمقدار انشدادي إليه ورغبتي بالعودة إلى أحضانه فقد جُوبهت بالصدّ المُعلن من طرف الدولة وعدم الرغبة المُضْمرة من طرف بعض المثقفين". ولعله يذهب أبعد من ذلك حينما يستدرك ويقول:" جُلّ المتنفّذين والمقرّرين في حقل الثقافة الآن خرجوا من معطف الأحزاب الواحدة والطغاة".

الثقافة الثالثة

2144 تاركو الأثرتكتب لطفية الدليمي القصة القصيرة، والرواية، والنص المسرحي، والمقال النقدي، وتترجم عن الإنكَليزية بغزارة. تعلمت العزف على يد الفنانة  بياتريس أوهانسيان، كما تعلّمت الرسم على يد الفنانة نزيهة سليم، لكنها ما إن شبّت عن الطوق حتى تعلّقت بالكتابة وأخذت توظّف الموسيقى والتشكيل في سردياتها. وبما أنها كائنة معرفية حتى النخاع فقد أصبحت مثل "توليفة مشتبكة من المعارف والأهواء والمُصنّفات التجنيسية". تُحبِّذ لطفية الدليمي مفهوم الثقافة الثالثة وتستسيغهُ جدًا كما تميل إلى صورة الروائي المتجسدة في كل من "مارغريت آتوود، إيّان ماكيوان، ديفيد ميتشل، كازو أوشيغورو" وتجدهم ممثلين معياريين لهذا النمط المُغري من الثقافة.

ما يميّز الروائية إنعام كجه جي عن قريناتها الروائيات هو الكتابة النوعية، وشغفها بالوطن الأول الذي لا يمكن أن تستبدله بأيّ وطن آخر. فلاغرابة أن تقول:"أنني بعد بغداد لم أرتبط بمكان بالقوة ذاتها". وهي محقّة تمامًا لأنه ما مِن نبتة في العالم تتمنى أن تُقتلَع من تربتها وتُزرع في بيئة مغايرة تُشعِرها في الغربة المكانية، وتفشل في تدجينها ولهذا تقول:"رغم أنني أعيش في باريس منذ أربعين سنة فإنها بالنسبة لي كبسولة فضائية، وأشعر أنني طافية بين جدرانها في حالة من انعدام الجاذبية". أمّا عن شعورها بالحنين إلى الوطن فتقول:"لا تسكنني النوستالجيا لأن الحنين مرض. وقد برئتُ منه بعد السنة الخامسة من اغترابي". لا تتعامل كجه جي مع التاريخ بحذر لأن "الحذر يُقيّد الكاتب، ويقتل الخيال، ويعطّل السرد".

أصدر سعد محمد رحيم ست مجموعات قصصية، وثلاث روايات أنجزها خلال حياته القصيرة، وروايتين نُشرتا بعد رحيله، إضافة إلى بعض الكتب الفكرية. يحب الراحل السرد منذ زمن مبكر ويقول في هذا الصدد:" السرد حاجة، وأكاد أقول غريزة أساسية، كما هي غرائز الجوع والجنس والخوف والبقاء". وأنّ "الرواية تمنح قارئها حياةً بديلة". وحين يتحدث عن البطل المأزوم والمهزوم لا يوعِد قارئه بالخلاص، ولا يخدعه بحزمة أوهام كبيرة وإنما يقول بلغة الجمع:"حين نكتب لا ندّعي أننا سنغيّر العالم. وإنما نوفر، ولو بقدر جد ضئيل، الأمل بتغييره". لا يفرض سعد محمد رحيم قناعاته وآراءه الخاصة على شخصياته كي لا يقع في فخ الافتعال.

حاول المُحاوِر أن يسلّط الضوء على أكبر عدد ممكن من الروايات المهمة التي أصدرها محسن الرملي، وسوف نعرف من إجابات المؤلف نفسه بأنّ رواية "حدائق الرئيس" التي نالت حقها من النقد والتحليل قد كتبها "بصيغة الراوي العليم" بخلاف غالبية رواياته الأخرى التي كتبها بضمير الشخص الأول الذي يحب أن يروي به الأحداث. و "تمر الأصابع" التي ناقش فيها صراع ثقافتين ومكانين وهُويتين، وبعد تفريغ هواجسه وهمومه على الورق بدأ يتصالح مع نفسه، ويشعر بالاسترخاء، ويتخلص من التوتر الذي كان يعاني منه قبل كتابة هذا النص الروائي.

زيارة إلى قلب العدو

لم يكتب نجم والي سوى أربع قصص قبل أن يغادر العراق ويتخذ من ألمانيا مستقرًا له، ففيها واصل دراسته، وتأسست تجربتة السردية في القصة القصيرة والرواية. يوضح نجم والي طبيعة المخطط الذي رسمه لحياته المستقبلية فيقول:"كان في ذهني مشروع واحد: أن أصبح كاتبًا، وكنت أعرف، أنني أنجح بذلك فقط إذا حافظت على استقلاليتي". اشتغل نجم والي على تعدد الهُويات في روايتي "تل اللحم" و "صورة يوسف". ويدعي بأنه لا يعرف رواية كُتبت في المنفى عن الحرب. ويعتقد أنّ المهم هو "كيف تكتب رواية بمستوى عال، رواية جيدة وجميلة تشد القارئ وتضيف له معرفة جديدة ".

تأسست شهرة القاص أحمد خلف منذ  أواسط الستينات من القرن الماضي وتعززت مكانته الروائية في بداية الألفية الثالثة التي توالت فيها رواياته الأربع  من بينها"موت الأب" و "الحلم العظيم". بعد إحالته على التقاعد اتبع منهجًا يلائم هذه المرحلة التي "يقرأ فيها كثيرًا ويكتب قليلاً". يسأله المُحاور عن القاسم المشترك بين كتاب "الجمال في مدياته المتعددة" و "مذكّرات الدرويش" فيجيب قائلاً:"إن منجز المبدع لا يتجزأ ولا ينفصل عن بعضه، ولا مفرّ من دراسته أو قراءته على اعتباره نتاج حياة واحدة عاشها إنسان ذو وعي وثقافة".

يلامسَ المفرجي في هذا اللقاء محاورَ حسّاسة في تجربة الفنان سامي عبدالحميد الذي كان منهمكًا بالتجريب، والبحث عن الجديد الذي يصدم ذائقة الجمهمور، ويفجّر في أعماقهم حُزمة من التساؤلات. دعونا نقتبس الجمل الآتية التي يقول فيها:"لجأتُ إلى التجريب في عدد من أعمالي المسرحية، ولكن لم أدخل باب المسرح التجريبي، بل  لجأت في بعض أعمالي إلى تقنيات المسرح التجريبي ومنها "العمل الطاقمي" و"التأليف الجماعي" و"الارتجال"، وكان يراهن على تقنيات "السهل الممتنع" و "ما قلّ ودلّ" ولكنه يشدّد على ضرورة وجود المسرح التقليدي قبل أن نتجه للمسرح التجريبي الذي تمّ ابتذاله وانتحال صفته في أحد البلدان العربية.

تكتظ جعبة المخرج المسرحي صلاح القصب بالكثير من الآراء التي تصدم المتلقين وتهزّ قناعاتهم، فهو يقول، تمثيلاً لا حصرًا، "أنّ الفن تعلّم وليس موهبة"، كما ينفي وجود مسرح عربي، ويؤكد على "وجود تجارب مسرحية عربية"، ويعتبر "المسرح العربي جزرًا صغيرة وسط محيط كبير جدًا". ويعتقد بأنّ "المسرح العربي يعاني من قصور في أوجه عدة أبرزها النص، والأداء المسرحي"، بل يذهب إلى أنّ "التمثيل عندنا عملية استنساخ بائسة"، وأنّ مسرح الصورة الذي تألق فيه ليس من عندياته ولم يبتكره هو شخصيًا، "ولكنه طوّر هذا الاتجاه".

سينما المؤلف

مثل زميله السابق صلاح القصب يتحفّظ قتيبة الجنابي على توصيف "السينما العراقية" ويدعو منجزها بأفلام عراقية وذلك لانعدام مستلزمات صناعة الفيلم إلاّ بحدود ضئيلة. تناول الجنابي قضية المنفى في أكثر من فيلم ويتمنى مثل السينمائيين العراقيين كلهم بأن ينجز الفيلم الروائي الطويل الذي يدور في ذهنه. ويقول في هذا الصدد:"منذ أن بدأت العمل في هذا المجال وفي رأسي أكثر من عمل روائي عراقي. يقترح الجنابي اللجوء إلى "سينما المؤلف" ذات الكلفة الواطئة وهي أقرب إلى السينما الواقعية الإيطالية التي نبذت الأستوديوهات ونزلت إلى الشوارع والميادين العامة.

يمتلك الفنان فيصل لعيبي بصمة خاصة تُحيل إليه، وتدلُّ على تجربته الفنية الواسعة التي تشظّت بعيدًا عن لمسة الرسم المدرسي التي لا تستجيب للجماليات التي ينغمس بها. ثمة أسئلة دقيقة لا تخطئ الهدف، وإنما تصيبه مباشرة وهذا ما حدث في سؤال المفرجي الأول الذي استفسر فيه عن البيئة المحلية التي انغمس فيها الفنان وظل مخلصًا لها منذ أوائل السبعينات وحتى الوقت الحاضر. يقول فيصل لعيبي في هذا الصدد:"أنّ ما نتعلمه في المعهد والأكاديمية، لا يتعدى المنهج الغربي في الرسم، من هنا ذهبت الى المتحف العراقي القديم  أفتش عن حلول من خلال أعمال اجدادنا القدماء والى رسوم الواسطي و المنمنمات الفارسية والهندية في الكتب المطبوعة، والتمعن في تصورهم  لحياة الناس وعلاقاتهم وطرق التعبير عنها. كنت منجذباً ولا أزال لطريقة المشهد الشامل".

سيقان وأرصفة

لم يرتقِ فنان تشكيلي عراقي إلى مستوى النجومية مثل ستار كاووش، فشأنه شأن نجوم السينما والمسرح والتلفزيون حقق شهرة كاسحة منذ معرضه ذائع الصيت "سيقان وأرصفة" الذي احتضنته "قاعة التحرير" عام 1987. يقول كاووش عن هذا المعرض المتفرّد:"كانت كل اللوحات تقريبًا عبارة عن مقاطع تظهر فيها فقط الأحذية والأرجل والسيقان على أرصفة مغسولة توًا بفعل المطر". ما كان لستار  كاووش أن يفكّر بهذه الطريقة لو لم يشاهد فيلمًا تشويقيًا لم يظهر من بطله سوى جزمته في إشارة إلى "أنّ الجزء يعوّض عن الكل"، ولولا الصورة الشعرية المُذهلة التي اجترحها أوكتافيو باث وهو يقول:"الريشة عصفور حي يرزق" لما أقدمَ كاووش على معرضه الاختزالي الذي اكتفى بأجزاء محددة من شخصياته وموضوعات اللوحات التي تعدّ صادمة في حينها. يبحث كاووش عن التمرد، ويذهب بالمغامرة إلى أقصاها.

ينتقد السلطاني "المزاج الشعبوي" الذي شوّه مبانينا التي صُممت من قِبل روّادنا المعماريين، وانتهكَ حُرمة منجزاتهم الراسخة في الذاكرة الجمعية. ولعل السلطاني لا يختلف عن غيره من المعماريين العراقيين الذين يعبّرون عن إعجابهم بالمهندس الحداثي المبدع لوكوربوزيه ويقيّمون منجزاته المعمارية الملفتة للأنظار.

يحاول المعماري معاذ الآلوسي أن يتبسّط في كتبه الثلاثة المعروفة "نوستوس، وتوبوس، وذروموس" وينزل من برج العمارة العاجي كي تكون آرائه ومفاهيمه في متناول القرّاء غير المختصين بالهندسة المعمارية. كما ينتقد المعمار المشوّش الذي يفتقر إلى أي هُوية محلية، ويصل تحامله إلى حد القول:"دروسنا بالية، مناهجنا لا تواكب الزمن"، كما ينتقد بعض المسؤولين الذين شوّهوا المدن المقدسة بتوسعتها وإضافةسقوف في صحون الأضرحة المفتوحة.

شاعر الضوء

يستحق المصوّر الفوتوغرافي فؤاد شاكر لقب "شاعر الضوء"، وهذا ما كنّا نشعر به قبل هذا التوصيف وبعده. يسأله المفرجي سؤالاً جوهريًا عن الفكرة التي تشغله قبل أن يضغط على زر الإغلاق فيجيب:"أنني أضع في الأولوية الفكرة قبل الصورة لتنتهي كناتج تفكير مسبق وحصيلة فوران أحاسيس". وهو لا يلتقط أي صورة من دون التماع فكرة ما حتى لو كانت صغيرة أو خاطفة يراهن على مضمونها وفنيّتها. وحتى عندما نزل إلى الشارع وبدأ بتصوير الحياة العامة، والمحيط البيئي، والنماذج المقهورة والمُستلبة من البشر المنسيين، والعابرين الذين يمرّون أمام عينيه كان يضع الأفكار نُصب عينيه لأنه يؤمن "بأنّ الصورة تنبع من فكرة وليس من فراغ". وبما أنه يثق بشعرية الصورة التي يلتقطها فلاغرابة أن يقول بالفم الملآن:"أنا شاعر الحقيقة الذي قدّم للذائقة والذاكرة الجمعية قصائد صورية لا تتكرّر ولا تشبه إلا نفسي تماماً".

يراهن عازف العود أحمد المختار على التأمل والإحساس ويكاد يهمل التقنية رغم أهميتها. لنقتبس هذه الفقرة التي يقول فيها:"بالنسبة لي كعازف وكإنسان، أرى أنّ الموسيقى تأمّل، ومن يعتقد أنها تكنيك عضلي فهو واهم، أو أنّ من يقوم بذلك لم يصل إلى جوهرها". ويختم المختار في الإجابة حول إمكانية إشراك العود في القالب الغربي قائلاً:"عن نفسي لا أخوض التجارب إلا إذا كنت مقتنعًا بها وواثقًا منها ولا أستغلها من أجل الإعلام والخبر الصحفي".

الدِقّة والاكتناز

نخلص إلى القول بأنّ هذه الحوارات العشرين التي أجراها الناقد السينمائي علاء المفرجي تقدّم صورة بانورامية لجانب من المشهد الثقافي العراقي في الداخل والخارج، إذ شملت الحوارات عددًا من الشعراء والروائيين، والمخرجين المسرحيين والسينمائيين، والفنانين التشكيلين، والمعماريين، إضافة إلى مصور فوتوغرافي واحد، وعازف عود منفرد. وقد تميّزت بعض الحوارات بالدقة، والانسيابية، والاكتناز، فيما اتسمت حوارات أخرى بالجرأة، والجسارة، وحدّة التعبير، فيما أخذ بعض الحوارات طابع الغمر واللمز والتشهير من دون أن يتدخل المحاوِر في ردّ التُهم أو الدفاع عن المتهمين الذين لم تُثبت إدانتهم حتى الآن. "تاركو الأثر" كتاب سلس يركِّز في جانب منه على السِيَر الذاتية للشخصيات التي حاورها علاء المفرجي وكأنّ قضايا السيرة، كما يذهب سهيل سامي نادر، قد "باتت من صلب اهتماماته" في إشارة واضحة إلى كتابه السينمائي الثاني "أفلام السيرة الذاتية" الذي قُوبل باستحسان القرّاء والنقاد على حد سواء. 

 

عدنان حسين أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم