صحيفة المثقف

أفضال لا تنسى ..

يسري عبد الغنيأ. د. رشاد رشدي و أ. عبد المنعم شميس ...

أنا عندما أتحدث معك، وأقص لك هذه الحكايات، أنا لا أقصد ملأ السطور والأوراق، أو مجرد الثرثرة الفارغة غير المجدية، ولكن أريد أن نأخذ العبرة والعظة من كل ما نقول، وخلال رحلتي الطويلة مع الفكر والأدب والناس، كنت دائمًا أحاول معرفة الخفايا والأسرار .

الشيخ / أمين الخولي (عليه رحمة الله)، رائد جماعة الأمناء، وصاحب نظرية (الأدب الإقليمي )، وزوج الأستاذة الدكتورة / عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، وأستاذها (رحمة الله عليها هي الأخرى)، عكف كاتب هذه السطور على قراءة شيخنا / أمين الخولي، كما حرص على أن أستمع إلى عدد من طلابه الميامين، ومريديه المخلصين، ومنهم الأستاذ المرحوم / عبد المنعم شميس، الإعلامي والأديب والصحفي والباحث الكبير والذي أدين له بالكثير والكثير وكان نعم المعلم .

وقد عملت مع الأستاذ / شميس في مطلع شبابي، في مجلة (الجديد) الثقافية، النصف شهرية، والتي كانت تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، و يرأس تحريرها، الكاتب الكبير والناقد والمبدع المتميز وأستاذ الأدب الإنجليزي، أستاذنا الدكتور / رشاد رشدي (عليه رحمة الله)، الذي أعطانا الفرصة كاملة لنكتب في مجلته، ما يحلو لنا، طالما أن ما نكتبه جادًا يفيد الشباب في كل مكان من أرض مصر، بل كان يرحب بكل فكر جديد واعد، كل ذلك تحت توجيهه وإرشاده وتشجيعه .

وأذكر هنا بكل الخير حرمه السيدة الفاضلة / ثريا رشدي، المثقفة المستنيرة و التي كانت تساعده في تحرير المجلة، لمشاغله الكثيرة، حيث كان يعمل مستشارًا للرئيس المصري الراحل / أنور السادات، وكانت تشجعنا، وتطلب منا المزيد من التجويد، وهذه المجلة الغراء أتاحت الفرصة للعديد من الأقلام التي كانت في تلك الآونة ما زالت تحبوا في بداية الطريق، والآن هؤلاء يحتلون أماكن مرموقة في الحياة الثقافية والإعلامية والأكاديمية العربية والمصرية .

وكم علم أستاذنا الدكتور / رشاد رشدي الكثيرين، وساعدهم في الحصول على درجاتهم العلمية، بل سمعت من مصادر أثق بها أنه كان يساعدهم ماديًا لظروفهم الصعبة، ولكن بكل أسف تنكر بعضهم للرجل الفاضل فور وفاته، وانقلبوا عليه، ليركبوا موجة جديدة توصلهم إلى مناصب أعلى وأحسن، وتقربهم من السلطة والسلطان .

توفي الدكتور / رشاد رشدي، وأغلقت مجلة (الجديد) في ظروف غامضة، وادعوا أنها ما عادت تصلح كمجلة أدبية، ولو كان رشاد رشدي حيًا يرزق، ما جرؤ أحد على الاقتراب من مجلة الجديد، ولكن أخبرك أن المجلة أغلقت بعد وفاة الرئيس / السادات، وبعدها مرض الدكتور رشاد رشدي، ثم انتقل إلى رحمة الله راضيًا مرضيًا، وقد شاركت في جنازته، وكم حزنت وحزن غيري الذين تربوا في مدرسة مجلة الجديد على هذا الرجل المحترم، الذي علمنا الكثير .. والكثير !.

أعود لأقول لك: كان الشيخ / أمين الخولي أكثر دقة وعلمًا من سابقيه، لأنه كان يوصي طلابه دائمًا بالتشكيك أو الشك، ليس الشك الديكارتي المعروف، والذي تأثر به عميد الأدب العربي / طه حسين، عن طريق أستاذه / مرجليوث، وعنه أخذ الشك في الشعر الجاهلي، وأثار ضجة ما بعدها ضجة، وتلك قضية أخرى ليس وقتها الآن .

كان الشيخ / أمين الخولي يوصي طلابه ومريديه بأهمية التثبت والتأكد والتحقق والشك في كل ما يسمعون من الناس، ومهما كانت شخوص الذين يتحدثون لنا، أو يكتبون ونقرأ لهم، كما كان يردد كثيرًا قول القدماء: إن المعاصرة صعبة جدًا ... ! .

ومعنى ذلك: إن المعاصر لا يستطيع أن يحكم على عصره جيدًا، أو أحداث عصره، أو رجال عصره، حكمًا صحيحًا سليمًا بعيدًا عن الميل أو الهوى، ويقال: إن الأوربيين أخذوا هذا التوجه من علمائنا العرب، وبالذات علماء الحديث النبوي المطهر، في عصر التدوين .

هؤلاء الذين تحرجوا من إصدار الأحكام على معاصريهم، وقالوا كلمتهم الناصعة والمهمة: إن المعاصرة صعبة جدًا .. !! .

وأنت تعرف كيف يحفظ الإنجليز وغيرهم وثائقهم السياسية سنينًا عددا، حتى تتغير الأحوال، وتتبدل الأجيال، ويأتي جيل جديد، وعصر جديد، يرى في هذه الوثائق رأيًا غير ما رآه السابقون، فكتابة التاريخ لها أصولها وقواعدها وأسسها .

 

د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم