صحيفة المثقف

كيف انتشرت ظاهرة الدروس الخصوصية في نظام التعليم المصري؟ (2)

محمود محمد عليإن نظام التعليم الجديد، الذي تم تطبيقه بدءًا من الصفوف الأولى في سبتمبر 2018، ونظام الثانوية المعدل، الذي يطبق هذا العام على طلاب الصف الأول الثانوي، سيترتب عليه انتهاء فكرة الدروس الخصوصية من منبعها، إذ لن يكون هناك حاجة لها.

فالقضية  الأساسية في العملية التعليمية هو كما قال الرئيس السيسي أننا نخرج أجيال قادرة علي التنافس وقادرة علي أنها تزود إنتاجية مصر وتشيل العجز إلا في الموازنة ونحقق فائض وبعد ذلك ننتقل إلي اقتصاد المعرفة فهذا هو الهدف والهدف كبير جدا ولخمسين سنة .

والدستور المصري في المادة 19 قال بأن التعليم حق لكل مواطن . هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ علي الهوية الوطنية وتأصيل المنهج العلمي في التفكير وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار وترسيخ القيم الحضارية والروحية وارساء المفاهيم والمواطنة والتسامح وعدم التمييز وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله وتوفيره وفقا لمعايير الجودة العالمية والتعليم إلزامي حتي نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية وفقا لقانون وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4 % من الناتج القومي الاجمالي تتصاعد تدريجيا حتي تتفق مع المعدلات العالمية وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها .

والسؤال الآن: ماذا نريد من التعليم في مصر؟ شهادة بدون تعلم أم مهارات حقيقية أم الاثنين ؟

إن وزارة التربية والتعليم تحتاج إلى الأسرة أن تعمل معها وأن تكمل ما تبنيه المدرسة، ولابد للإعلام أن يصدر نماذج وقدوة ورموزا غير التي ترى اليوم، فهي مسئولية مشتركة للجميع.

وقد قال وزير التربية التعليم الأستاذ الدكتور طارق شوقي: "نحن نتحدث عن أمرين بناء المستقبل وتحسين الحاضر، فتحسين الحاضر ينحصر في مجموعة السنوات تبدأ من الصف الثاني الابتدائي وحتى الثانوية العامة حيث سيتم تغيير نظام التقييم في الثانوية".

كما أوضح الوزير من قبل بأن: " التغيير الأساسي في منظومة التعليم يتمثل في تغيير الطريقة التي يتم بها قياس مهارات الطلاب واستيعابهم، منوها بأن التغيير الحقيقي سيركز على فكرة معالجة التلقين والحفظ من أجل تحقيق أكبر قدر من الاستفادة والتعلم للطلاب. وأضاف أنه سيتم تغيير شكل أسئلة الامتحان بما يكشف استيعاب الطلاب وفهمهم للمناهج التعليمية وليس الحفظ والتلقين، مشيرا إلى أن نظام «التابلت» والشبكات ما هو إلا وسيلة لتحقيق الهدف من تغيير نظام الامتحانات".

وقال الوزير أيضا إننا: " نستخدم التكنولوجيا لحل مشاكل مزمنة في الامتحانات، موضحا أن إدارة امتحان قومي مثل الثانوية العامة يكلف مليار و300 مليون جنيه عن طريق مكافآت ومنع محاولات الغش والتسريب وتأمين الامتحان. وأضاف سنقوم بتغيير شكل أسئلة الامتحان مع زيادة فرص الامتحان، كما سيكون هناك بنوك للأسئلة لوضع أسئلة الامتحانات".

بيد أن بعض المعلمين المصريين ما زالوا حتى الآن يضربون بكلام الوزير عرض الحائط ؛ حيث ما زال معظمهم مصرين علي الاعتماد يعتمد فى تدريسهم للصفوف الأولى على الاستراتيجية القديمة فى التعلم وهى الحفظ والتلقين، حيث أن البعض منهم لم يصل إلي الفلسفة الحقيقة للنظام الجديد للتعليم.

فلو نظرنا للاستراتيجية القديمة ، نجد أنها تعول علي التأكيد علي المعرفة - المنهج السطحي الواسع- المواد الدراسية المنفصلة- التعليم النظري- المواد التعليمية الورقية فقط- الامتحانات.

أما الاستراتيجية الجديدة فتعول علي:- التأكيد علي المهارات- الفهم العميق - التعليم القائم علي نشاط المتعلم - متعددة التخصصات - التعليم الممتع المرتبط بحياة المتعلم- المواد التعليمية الورقية والرقمي- التقييم.

ولذلك أكد الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم علي أنه سيتم  تطبيق النظام الجديد للتقييم والامتحانات الإلكترونية، كما انه سوف يتم توزيع التابلت كما أُعلن سابقاً، وذلك بالمحتوى الرقمي المتنوع، وسيتم توزيع التابلت على جميع الطلاب الملتحقين بالصف الأول الثانوي للعام الدراسي 2018/2019، كما سيحصل الطلاب بالإضافة إلى التابلت المحمل عليه مناهج إثرائية رقمية ضخم، سيحصل أيضاً على الكتاب المدرسي الورقي.

كما أكد الوزير مراراً وتكراراً أيضاً  أنه لن يتم اعتماد تصفح المادة التعليمية الرقمية من خلال شبكة الإنترنت، وذلك داخل المدارس، حيث سيتم تصفح المواد التعليمية عن طريق شبكات داخلية عبر جهاز كمبيوتر خادم، وذلك داخل كل مدرسة من مدارس أولى ثانوي، كما اضاف الوزير أيضاً: أن الامتحانات الرقمية على التابلت ستتم من خلال الشبكات الداخلية بجميع المدارس وبخصوص عملية تصحيح الامتحانات، فإنه سوف يتم تشفير الإجابات وإرسالها إلى السحابة الإلكترونية المركزية من المدرسة إلى الوزارة.

والسؤال الآن: لماذا لجأ المصريون للدروس الخصوصية؟

لو نظرنا للأبعاد الحقيقية التي أدت إلي اللجوء إلي الدروس الخصوصية نجد أنها تتمثل في عدة أسباب وذلك علي النحو التالي:

1- إدراكه بضعفه العائد من عدم تركيزه وتشتت أفكاره أو لمحدوديه قدراته الذهنية فهو لا يستطيع اللحاق دونما مضاعفة الجهد.

2-أو لصعوبة المادة منه وجهة نظره، وقد يكون لطريقة المعلم المتبعة في التعليم أثر في عدم إيصال المعلومات إلى الطالب بشكل صحيح، كما أن للعلاقة بين الطالب والمعلم أيضاً تأثير في عدم تقبل الطالب للمعلومات وذلك يعود لنواحي نفسيه (كره المعلم أو المادة).

3-وكذلك فإن توقع الطالب بأن المعلم سوف يركز على بعض المواضيع أو النقاط التي ستكون مواضع أسئلة الاختبار يعد عامل آخر.

4-وأيضاً زيادة علاقته بالمعلم وما ينتج عنها أحيانا من أثار سلبية (كشف أسئلة ونحوه). أما بالنسبة للمعلم فإنه يسعى أيضاً لزيادة دخله وخاصة المعلم المتعاقد لذلك فهو يحاول تشجيع الطلاب على الدروس الخصوصية بالطرق المختلفة .

5-كما أن كثافة إعداد الطلاب بشكل عام في مراحل التعليم العام المختلفة في الآونة الأخيرة وكثافتهم بشكل خاص في الفصل يعد عامل مؤثر في انتشار الظاهرة حيث أن المعلم لا يستطيع أن يغطي جميع متطلبات الدرس اليومي بشكل متكامل من حيث الشرح والتفصيل والكتابة واستخدام الوسائل الحديثة والقيام بالتطبيق أو التقييم الشفهي لفصل يتراوح عدد طلابه 35-50 طالب على الأقل ليسوا على مستوى واحد من الفهم أو القدرة على التلقي أو الاستجابة أو السلوك.

6-كما أن لرغبة أولياء أمور الطلاب أثر أيضاً في انتشار الظاهرة وخاصة في السنة الأخيرة من كل مرحلة دراسية وذلك يعود لرغبته في تفوق أبنه لضمان حصوله على مقعد في المرحلة التالية دونما عناء أو جهد ودونما الانتظار أو اللجوء إلى الوسائل الأخرى غير المرغوبة خاصة في المدارس ذات السمعة الجيدة أو المميزة، أو لانشغال الأسرة عن الأبناء لذلك فهم يوجدون البديل الذي يقوم بمتابعتهم بشكل يومي أو أسبوعي.

7- ورغم أن هناك إيجابيات يحصل عليها الطالب جراء التحاقه بالدروس الخصوصية الا أنها إيجابيات قصيرة المدى وذلك نظراً لأن الهدف منها يكون مرتبط بزيادة النسبة أو الحصول على درجات عالية دونما مراعاة للجانب الجوهري أو الأساسي لعملية التعلم وهو مدى تحصيل الطالب العلمي وما يحدث له من تطوير في قدراته أو تفكيره .... إلخ.

والسؤال الآن: متي يتم التخلص نهائياً من فكرة الدروس الخصوصية في التعليم المصري؟

وهنا أقول للمسؤولين في التعليم المصري دعوني أضع أمامكم هذه المعادلات التي قد تقودنا الي الوصول الي حل للقضاء علي الدروس الخصوصية: وهي علي النحو التالي:-

أولاً: تطبيق مبدأ الثواب والعقاب علي التلاميذ + ادارة حازمة = تلميذ ملتزم.

ثانياً: تطبيق تشريع قانوني تجريمي للدروس الخصوصية + رقابة صارمة = مدرس ملتزم.

ثالثاً: مدرس ملتزم + تلميذ ملتزم = حصة دراسية تعليمية تربوية ،كما يقول الكتاب، يسودها  جو  الاحترام المتبادل.

ولتطبيق ذلك لا بد أن تتوزع مسئولية علاج مشكلة الدروس الخصوصية فيما بين  الطالب والمعلم والمدرسة والبيت والإعلام على النحو التالي:

أولاً: دور الطالب:

1ـ تنظيم الوقت والمذاكرة أول بأول.

2ـ الانتظام في الدراسة وعدم التأخر أو الغياب.

3ـ الثقة بالنفس والاستفادة من القدرات المتاحة.

4ـ تبليغ المدرسة عن أي مدرس من مدرسيها يقدم دروس خصوصية.

ثانياً: دور المعلم:-

1ـ الإعداد الجيد للدروس.

2ـ استشعار المسؤولية.

3ـ مراعاة الفروق الفردية وتلمس حاجات الطلاب.

4ـ البعد عن الأساليب غير التربوية التي تنفر  الطالب من المدرس أو مادته.

5ـ توعية الطلاب وتوجيههم للطرق السليمة للاستذكار.

ثالثاً: دور المدرسة:-

1ـ التوعية بمضار الدروس الخصوصية.

2ـ إبلاغ إدارة  التعليم المعنية عن أي مدرس يمارس الدروس الخصوصية.

3ـ الاعتناء باختيار مدرسي الابتدائية والإعدادية والثانوية

4ـ الاهتمام بمستويات الطلاب وتفعيل دور الإرشاد الطلابي.

رابعاًً: دور وزارة التربية والتعليم:-

1ـ محاولة إيجاد بديل مقبول ورسمي مقنن للدروس الخصوصية وذلك من خلال تشكيل لجنة أو أكثر من الخبراء والمعنيين بالأمر.

2ـ الاعتناء باختيار مدرسي المواد العلمية وصقلهم بدورات تطويرية.

3ـ التقييم المستمر للكتاب المدرسي  والعمل على جعله أكثر تشويقا واستثارة لاهتمامات الطلاب.

4ـ إعادة النظر بنصاب المعلم من الحصص.

5ـ خفض أعداد الطلاب داخل الفصل ، ولن يتحقق ذلك الا ببناء المزيد من المدرس حتى لو كانت متجاورة ، فالعبرة بالكثافة السكانية بالمنطقة وليس بعدد المدارس فيها.

6ـ اختيار مديرين أكفاء وإلحاقهم بدورات متخصصة.

7ـ معاقبة من يثبت تورطه بالدروس الخصوصية بصرامة.

خامساً: دور البيت:-

1ـ توطيد العلاقة بين البيت والمدرسة بزيارة المدرسة ومقابلة المدير والمدرس والمرشد الطلابي.

2ـ تلمس حاجات الأبناء وعدم الانشغال عنهم.

3ـ توجيه الابن وتبصيره بمضار الدروس الخصوصية وإيجاد البديل.

سادساً: دور الإعلام:-

1ـ توعية الطلاب وأولياء أمورهم بمضار الدروس الخصوصية.

2ـ اختيار الأوقات المناسبة لعرض المباريات والبرامج التي تشد الطلاب لكي لا تلهيهم عن دروسهم.

3ـ الاكثار من البرامج التعليمية المشوقة بالقنوات التلفزيونية التعليمية وحسن اختيار مقدمى هذه البرامج  وبث برامج تقوية لبعض المواد.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم