صحيفة المثقف

حيدر عبد الرضا: دراسة في رواية (إله الأشياء الصغيرة)

حيدر عبدالرضاللكاتبة الهندية أرونداتي روي.. أسلبة محاور الأشياء وشعرية المجمل الزمني.. المبحث (1)

توطئة:

ينتمي الواقع المتخيل في محاور ومداليل رواية (إله الأشياء الصغيرة) للكاتبة الهندية أرونداتي روي / ترجمة جيهان الجندي، إلى ذلك الفضاء المحبوك بجملات وثنائيات خاصة من مساحة الشخصية المتعاقدة وتقابلات خصوصيتها الإقصائية في فرضية الزمن والمكان والموقع والهوية النابعة من أشكال ومعاودات الخطاب الاجتماعي والسياسي، فيما تبقى مكونات الأداة الروائية في النص ـ اختيارا مجهولا في شعرية المجمل الزمني، الذي من شأنه عدم توفير مساحة مدلولية واضحة من حكاية الرواية، التي راحت تتوزع موضوعتها قساوة الواقع وقيود العاطفة واستلاب مشاعر الحب، فيما تظهر عدة تمظهرات خاصة وأفق قلق الشخصية والشخوص في مدار تقانة الوسائل المونتاجية السينمائية في الوعي السردي المركب في نص الرواية .

تقانة الصورة السردية ومشهدية اللقطة السينمائية

أن فعل القراءة إلى رواية (إله الأشياء الصغيرة) تضعنا حيال تقانات سينمائية مصحوبة بأجواء وعلاقات ودلالات (السيناريو / المونتاج / التقطيع الزمني / الفلاش باك) وصولا إلى العناية الفائقة والفاعلة في توظيف المحاور الشخوصية ضمن فواصل من الفضاء الاستعادي والحاضري من صور المشهد السردي:(كان الجو مطيرا عندما عادت راهيل إلى أيمينيم .. أحبال فضية مائلة تضرب بعنف في أرض مهلهلة مفككة، تقتلعها كأنها اطلاق المدافع .. كان المنزل القديم على التل يرتدي بلله، ينحدر على أذنيه سطح جمالون يشبه القبعة الخفيضة . / ص7 الرواية) وعندما نعلم أن الخطاب في النص يقوم على أساس من جملة من المقاطع في وحدات السرد المتماثل وحيوات الزمن المتداخل (التقطيع ـ التضمين ـ الإزاحة) إذ نجد أن جميع كيفيات السرد الروائي ذات تأطيرات مغالبة أحيانا بظهور ذلك النوع من الحدث المنقطع عن سابقه من العلاقة العضوية والبنائية، ولا نعلم أهذا الأمر هو ما يتعلق بوسائل الترجمة، أم أنها قابلية ورسومية وأنشائية السرد الروائي بهذا الشكل من الحدوث المنقطع . كل هذا يقدم لنا من خلال مشاهد متقطعة ومنعزلة عن وحداتها السردية الناجزة في علاقة وحدات أخرى يتم ظهورها من زمن النص، ناهيك عن مستوى الاسترجاعات التي يتم العثور عليها تداخلا مع صوت وأحوال الحدث الحاضر واقعا، كما رأينا أن قابلية وصف الأشياء في الرواية، جاءتنا عبارة عن لواحق بلا سوابق وأسبابا بلا مسببات أحيانا . يظهر لنا وعي الشخوص واضحا أحيانا وغائما في مواقع متفرقة من وحدات السرد في الحقيقة أن القارىء إلى أحداث الرواية، قد توافيه شعرية الواصف البليغة في عوالم بناء الشخوص والأمكنة وبصورة كيفية تقارب الاقصائية الدقيقة في نقل محاور مخفيات الأشياء من الدلالات الظاهرة ن وما يلفت نظرنا في حكاية التوأمان وظروف حياتهما في زمن ملتبس بالمزيد من ضغوطات الواقع الاجتماعي والسياسي، وضمن تمفصلات زمن السرد الروائي، نعاين الشخصية التوأم (راهيل) والتوأم الآخر (إيستا) يعيشان ضمن حياة يرهنها الزمن العاطفي وذلك الشعور الموحش والقلق بحب الأشياء التي تأتي متداخلة أحيانا ومتجاوزة ومرهنة بعدم قابلية فاعلية الحب في مساحة هذا الواقع الأليم من أحداث النص: (كان يشعر بالغيظ لأنه لم يكن يعرف ما تعنيه تلك النظرة . فوضعها في مكان ما بين اللامبالاة واليأس .. لم يكن يعرف أنه في بعض الأمكنة مثل البلد التي أتت منها راهيل، هناك أنواع عديدة من اليأس تتنافس لتحتل موقع الصدارة . / ص25) .

الفضاء المغلق والمفتوح في جسد النص الروائي

1ـ الفضاء المغلق بين التمكين الدلالي وتواتر مونتاج التبئير:

2333 آلهة الاشياء الصغيرةمن خلال هذا المستوى يتعلق الفضاء المغلق في محاور الشخوص ضمن علاقة حافزية نفسية خاصة، تتم فيها معاينة أدق جزئيات عوالم الشخصية التي تأخذ وضع المقرر الذي يبنى وجهة نظر داخلية، لأن السارد هنا لا يركز إلا على سمات الشخصية من ناحية المنظور الخارجي، لذا وجدنا الشخصية التوأم راهيل وأخرى إيستا يخوضان في خطورة الخلط ما بين (الواقع / الحلم) ومن يأتي المنظر الداخلي للشخصية الواحدة منهما على هيئة نمذجة إيحائية في مستوى مجردا من وحدة المنظور الذاتي المتفرق خارجيا وداخليا: (كانت تشعر بإيقاع أهتزازات إيستا، ورذاذ على جلده، كانت تسمع صوت العالم المضطرب الأجش في رأسه .. رفعت ـ بيبي ـ كوتشاما عينيها لتظهر إلى راهيل بقلق .. لقد ندمت على أبلاغها بنبأ عودة إيستا .. لكن ماذا كان بإمكانها أن تفعل إذن؟ . / ص 72) وعلى هذا النحو يأخذ الفضاء المغلق بعدا متعددا، إذ يبدأ بصيغة الراوي في محاولة منه للكشف عن المحاور الشخوصية من الداخل ـ المغلق، فيقدم عنها صورة تستوعب بنيات زمنها الراهن، في محاولة منه إلى الإمساك بنمو أحداثها الداخلية، وعلى أساس أيضا من الحكي من زاوية التداخل والتركيز في إعادة ترتيبها بالاعتماد على مؤشراتها الاستقرائية والدلالية في النص .

2 ـ الفضاء المفتوح بين الواقع الخارجي ومرجعية المتخيل:

تعتبر رواية (إله الأشياء الصغيرة) نموذجا للرواية المتحكمة في خيوطها الخارجية، رسما لذلك الواقع المتخيل في مسرح الذوات والأمكنة المعروضة في الرواية على أقصى درجات من مرحلة العلاقة مع الفضاء الخارجي المفتوح ـ واقعا متشكلا ـ في مواقع الشخوص، وهذا الأمر ما جعل جملة حياة الذات الساردة تصبو في بؤرة متباينة ومجردة في الآن نفسه: (مر القطار مدويا بصخبه تحت عمود كثيف من الدخان الأسود، أثنان وثلاثون عربة مرت، كانت مداخل الأبواب مزدحمة بشباب لهم قصات شعر تشبه الخوذات، كانوا في طريقهم إلى حافة العالم ليروا ماذا حدث للذين سقطوا / مضي القطار سريعا حتى أنه كان من الصعب أن نتخيل أن الجميع أنتظروا وقتا طويلا من أجل لحظات قصيرة . / ص92 . ص93 الرواية) أن الروائية روي تخلق في روايتها علاقة منفتحة وساحرة بين مكون البنية الشخوصية وعلاقتها العسيرة على الضبط بين الداخل والخارج الزمني، فالقطار في حدود هذه الواحدات، علاقة زمنية ممتدة ما بين منظور الدلالة الشخوصية وعوالم المعنى الزمني المتحرك في معنى كينونة ايديولوجية خاصة من فكرة الشخوص، بل أنها تعالقات تقتضيها الرؤية المتحركة من المؤلف إلى السارد بين اللحظة الآنية أو الآتية، رحيل يعقبه إياب، وفراق يعقبه زمن موحش بالعناق والقبلات السوداء وفقاعات أحلام الحب المفقود .

الأبعاد السيكلوجية ـ المنظور الذاتي الداخلي

لقد أصبحت منظورات الأبعاد الشخصية لدى قارىء رواية (إله الأشياء الصغيرة) وكأنها مراعاة لمعطيات الخطاب السيكلوجي لدى الفرد الشخصية، فنحن عندما نعاين شكل الموضوعة في الرواية وشخوصها نجدها عبارة عن منظوريات ذاتية داخلية، وقد استفادت المؤلفة روي من مدرسة وتيارات اللاشعور والتداعيات في أسلوب (التبئير الداخلي المتحول) وفي هذا النمط يقوم السارد بتقديم السرد والأحداث بالاعتماد على وعي شخصيتين كحال شخصية المحور التوأمان (راهيل وإيستا) ولكن ليس دائما ما يعتمد السارد ذات المحاور الرئيسة في النص كوحدة تبئيرية ما، وفي ذلك ما يذكرنا بفصل إله الأشياء الصغيرة حيث الشخصية الأم ـ آموـ عبر حلما بذلك الرجل البشوش: (كان بإمكانها أن تلمس جسده بخفة أصابعها، وتشعر بجلده الناعم حين تعتريه القعشريرة / شعرت بوجهي طفليها يتدليان فوق حلمها، مثل قمرين قلقين معتمين، ينتظران الإذن بالدخول: هل تعتقد أنها تحتضر؟ سمعت راهيل تهمس لإيستا: أنه أحد كوابيس الظهيرة، أجاب إيستا: أنها تحلم كثيرا . / ص224لا. ص225 . ص226 فصل: إله الأشياء الصغيرة) يبقى مفهوم المنظور الداخلي من ناحية الشخصية ـ آمو ـ ساعيا إلى إمكانية ذلك الرجل ذا الذراع الواحدة كمسعى حلميا مبئرا عبر أداة الحلم ذاتها، فذلك الإله الصغير لا يقدم لنا أي تعريف في نوعية الصوت والصيغة الروائية سوى من ناحية أنه دلالة حلمية مفترضة إلى أقصى جهة ما من دواخل وسرائر السيدة آمو: (طفأ الرجل ذا الذراع الواحدة لمبته ومضى على الشاطىء المسنن بشظايا الزجاج بعيدا موغلا في الظلال التي لا يرى سواها .. لم يترك آثار أقدام على الشاطىء . / ص226 . ص227 الرواية) .

تعليق القراءة:

في الحقيقة أن وقائع رواية (إله الأشياء الصغيرة) هي من أكثر الروايات الحائزة على جائزة البوكر استحقاقا لهذه القيمة الابداعية والتي حاولنا من خلالها تأسيس معاينة أولية في نمط (أسلبة محاور الأشياء) ضمن حدود فاعلة من السرد الروائي المأزوم بحكاية المجمل الزمني، تباعا لأحداث الرواية في شكلها المدروس في مقالنا المتواضع هذا .

 

حيدر عبد الرضا

.....................

إحالات:

إله الأشياء الصغيرة ـ رواية للكاتبة الهندية آرونداتي روي الفائزة بجائزة البوكر لعام 1997 .

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم