صحيفة المثقف

لطفي شفيق سعيد: مداخلة حول مقالة أ.د قاسم حسين صالح (3)

لطفي شفيق سعيدقبل أن أواصل ما ذكرته في الجزء الثاني استوقفتني فقرة وردت في الجزء الثالث من مقالة الدكتور قاسم وهي (إن الشيوعيين توفرت لهم فرصة استلام السلطة عام 1959 حين ضرب عبد الكريم قاسم وجاءت اللقمة على بعد سنتمترات من الفم وما أخذها... فتولد انطباع بأن الشيوعيين مصابون بـ(عقدة الخوف من السلطة أو أنهم غير قادرون على إدارة بلد محاط بثلاثة دول إسلامية قوية تجمعها على اختلاف أنظمتها ومذاهبها كره الشيوعية..... انتهى نص الفقرة

قبل أن أناقش هذا الرأي أقول بأن الدكتور لم يحدد أي فئة من الشيوعيين كان يقصد فقد وردت وكأنها تشمل جميع شيوعي العالم ولو أنه كان يقصد الحزب الشيوعي العراقي بدليل ما ذكره بأنه بلد محاط بثلاثة دول إسلامية ويعني بذلك العراق وعليه فسوف أناقش ما يتعلق بالحزب المذكور وبحدود السؤال لماذا لم يستلم السلطة في عام 59 ،باعتقادي وحسب تعليلي في أن ما كان يدور في أروقة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي من سجلات حول موضوع استلام السلطة ومن عدمه لم يفض إلى نتيجة ولم يستقر على رأي واضح وحاسم  قد كلف ذلك الكثير من ضياع الفرص مثلما وصفها زميلي الدكتور قاسم بقوله (حيث وصلت إلى اللقمة على بعد سنتمترات من الفم) ويمكن أن أضيف لذلك المثل الشعبي (لاحظت برجيلها ولا خذت سيد علي) واعتقد بأن الدكتور قاسم لديه من المعلومات الكافية لهذا السبب   وما جرى في تلك الفترة من تاريخ العراق .

لقد تبين لي إضافة لما ذكرته سابقا وقراءة ما بين السطور وبعض الوقائع التي واكبت وجودي في تلك الفترة أن قيادة الحزب لم تمتلك الحس الثوري المطلوب وإدارة دفة المرحلة بشكل جيد وإن أكثرية أعضاء المكتب السياسي للحزب كانوا خاضعين لإملاءات وتوجيهات الحزب الشيوعي السوفياتي عدا البعض منهم وقد حيدوا ولم يأخذ بمقترحاتهم الخاصة بهذا الشأن   ومنهم وحسبما بينت سابقا عضو المكتب السياسي المسؤول عن اللجنة العسكرية المرحوم ثابت حبيب إضافة للمرحوم لطيف الحاج الذي كان من اشد المطالبين باستلام السلطة عن طريق القوة العسكرية الكبيرة المنضوية للحزب ، أما في خصوص ما ذكره الدكتور قاسم و انطباعه بأن الشيوعيين مصابون ب(عقدة الخوف من السلطة وإنهم غير قادرون على إدارة بلد) وإنني أسأل أخي الدكتور قاسم هل طلب من الشيوعيين وخاصة العسكريين الأشداء منهم تنفيذ تلك المهمة وجبنوا وأبدوا مخاوفهم أو توفرت لهم فرصة استلام السلطة ولم يتمكنوا من أدارة البلد؟ وهل أن الخمسة آلاف منهم جميعهم جبناء أم أن المسؤولين على اتخاذ مثل هذا القرار هم الجبناء، فلو كان الأمر يتعلق بسيكولوجية القادة  لكان بإمكاننا أن نميز بين الجبان والشجاع  ولكنها كانت اساسا تخضع لآيدوليجيات واملاءات محددة وجاهزة، ولأجل أن أضرب مثلا حول مسألة الخوف والجبن  وبين الشجاعة والتصميم والاقدام والإصرار على تحمل المسؤولية التاريخية ومصير شعب ووطن أشير الى ما قام فيه فتية يافعون لم يتجاوز عمر البعض منهم ستة عشر عاما وبقيادة نائب عريف من طبقة المعدمين والفقراء هو البطل الأسطوري حسن سريع وكاد أن ينهي ويقضي على أشرس واعتى مجموعة عاثت بالبلاد قتلا وتنكيلا بعد انقلابهم الأسود وقد نفذت  تلك العملية  مجموعة كان اكثرهم متأثرا بتوجهات الحزب الشيوعي العراقي والبعض منهم منهم  كان ينتمي اصلا للحزب الشيوعي مثل محمد حبيب (أبو سلام) وغيرهم   فنفذوا مهمتهم الباسلة بأسلحة خفيفة وبسيطة والأكثر من ذلك أن قائد المجموعة حسن سريع قد استخدم بيريته بدلا من السلاح  للسيطرة على مدرسة الأسلحة وتجريد ضابط الخفر من سلاحه والاستيلاء على جميع أسلحة المدرسة ولهذا اطلق البعض على حركته (البرية المسلحة) ولولم تحدث بعض الأخطاء لتمكنت تلك المجموعة من استلام السلطة وتسليمها للمخلصين لإدارة دفة الحكم ألا يمكننا القول هنا بأن الإرادة والتصميم والاقدام هي كفيلة بتحقيق الهدف المنشود؟ أما فيما يتعلق بقول أخي الدكتور قاسم (أن الشيوعيين غير قادرين على إدارة بلد محاط بثلاثة دول إسلامية تجمعها كره للشيوعيين..) أقول ان الوقائع التاريخية تثبت عكس ذلك عندما ولنأخذ مثال على انبثاق ثورة 14 تموز 58 الجبارة من قبل الجيش العراقي والتفاف معظم الشعب العراقي حولها ومساندتها منذ الساعات الأولى والمهم أن أذكر هنا بأن العراق كان آنذاك محاط بدول قد تكون معادية في حالة تغير الحكم هي ايران الشاه والأردن الملكية وتركيا العضو في حلف بغداد والاطلسي الامريكي  إضافة لوجود قواعد عسكرية لبريطانية في جنوب وغرب البلاد وارتباطه العر بحلف بغداد الذي أحد بنوده تجيز  التدخل في حالة حدوث خطر اوتهديد ضد مصالح الحلف

وإن ما ساعد على إيقاف ذلك التدخل هو وجود المعسكر السوفياتي كقوة عظمى والذي اعلن الاعتراف ومساندة نظام الحكم الجديد إضافة لموقف مصر ورئيسها المرحوم عبد الناصر الذي كان رمزا للمد القومي العربي في تلك المرحلة وما واكبتها من احداث ضد قوى الاستعمار وهنا يمكننا القول لو أن الحزب الشيوعي قد أقدم في عام 1959 على استلام السلطة وليس عن طريق العنف بل عن طريق التغير في بنية الحكم حتى وإن حدث دون مشورة الحزب الشيوعي السوفياتي لاضطر السوفيات لتأييد ذلك التغيير ومساندته وقد يكون ذلك لاعتبارات أخرى منها الصراع على مناطق النفوذ بين الكتلتين الشرقية والغربية والنظر إلى مصلحة تلك الدولة وقد تعكس مواقف الاتحاد السوفياتي في تأييد ومساندة بعض الدول والحكام لتلك الاعتبارات حتى لو كانت نتائجها سيئة وكارثية كمساندة نميري السودان وسياد بيري الصومال وابن بله الجزائر وحتى عبد الناصر وأنور السادات والكل قلبوا ظهر المجن للسوفيات الذي مدهم بالأسلحة والخبراء، هذ على الصعيد العربي والعراقي وهناك أمثلة أخرى تؤكد بأن التغيرات التي قامت بها بعض القوى التي تنشد الحرية والاستقلال لا يهمها من يحيط بها من دول معادية حتى لو قامت بإسقاط أنظمتها بالقوة والسلاح كمجموعة الثوريين التي قادها فيدل كاسترو واسقط نظام باتيستا العميل لأميركا ولم يتجاوز عدد اعوانه مائة وخمسين فردا أسلحتهم بدائية وخفيفة والغريب أن الحزب الشيوعي الكوبي قد اعتبر إن اقدام كاسترو بمحاولته تلك تعتبر مجازفة ومغامرة سيكتب لها الفشل حتى خلال بيانته التي أصدرها عندما اقتحم كاسترو العاصمة هافانا ولذلك فقد اتخذ  كاسترو خطوة ثورية وجريئة وهي حل الحزب الشيوعي الكوبي وتشكيل لجنة مركزية جديدة واعلن نفسه سكرتيرا لها وهو الدكتور الماركسي الاشتراكي ولم يعر اهتماما لوجود الحوت الأمريكي متحفزا لابتلاع كوبا التي تعتبر كوبا  سمكة صغيرة امام فكه واستمرت كوبا بنهجها الاشتراكي وتحت قيادة كاسترو للحزب الشيوعي الكوبي منذ انبثاقها الذ تزامن مع انبثاق ثورة العراق في 14 تموز عام 58 واستمر لحد الآن رغم محاولات اميركا التدخل واسقاط النظام لعدة مرات، وهكذا تثبت احداث ووقائع  التاريخ أن الإرادة والتصميم تصنع المعجزات وتحقيق الأهداف ولا يهم إن كان شيوعيا عراقيا أو كوبيا أو صينيا أو كوريا شماليا أو فيتناميا أو في أعماق غابات افريقيا على شرط أن لا يعتريهم الخوف والتردد بحجة وجود دول مجاورة معادية في كل المواصفات على حد رأي الأستاذ الفاضل قاسم حسين.

والى قسم رابع وأخير لتكملة سبب النهاية المحزنة التي أدت إلى ضياع أمل العراقيين والمستضعفين في إقامة دولة العدل والحرية والرفاه وذلك بالقضاء على أعظم جمهورية ظهرت على ارض الرافدين منذ عهد السلالات.

 

لطفي شفيق سعيد

الرابع من نيسان 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم