صحيفة المثقف

صلاح حزام: ضرورة اعادة تعريف مفهوم "فكُّ رقبة"

صلاح حزاملا يكاد النقاش ينقطع حول المقصود بتعبير "فكُّ رقبة" او "عتق رقبة" التي وردت في القرآن وفي بعض الاحاديث النبوية . البعض يصرُّ على ان المقصود هو تحرير العبيد المملوكين لأشخاص آخرين والبعض يرفض هذا التفسير باعتباره إقراراً من الله بحق الاستعباد للبشر من قبل بشر آخرين، اذ أنه لايتلائم مع الروح الانسانية والاخلاقية للاسلام..

آخرين يقولون انه يتحدث عن واقع قديم كان فيه امتلاك العبيد أمراً شائعاً.

ولكن احكام القرآن يفترض ان تكون لكل زمان ومكان..

انا لستُ فقيهاً ولاعالم دين، لكني اشعر بالألم والإحراج عندما يجابهني البعض بالقول ان الاسلام يجيز استعباد الناس، ويعتبر تحريرهم من اعمال الخير ..ولا أجد عندي اجابة مُقنعة.

بعض الناس يحاول ان يلطّف من الموقف ويبتكر أجابات غير مُقنِعة لتبرير ذلك وتفسيره تفسيرات لايقبلها الكثيرون ..

أنا لدي وجهة نظر في تفسير ذلك، وهي مطروحة للنقاش، كما أني لا أتحدى وجهات نظر رجال الدين والفقه والشريعة والتفسير .

أنا ارى ان نتوسع في تفسير وفهم المقاصد من وراء ذلك التعبير .

العبودية ليست فقط محصورة باستعباد اسرى الحروب من رجال ونساء واخذهم عبيد وجواري، خاصة بعد ان انتهى عصر استعباد الاسرى.

العبودية تتلخص بفقدان الحق بالقرار والارادة المستقلة والارتهان الى ارادة المالك الذي يتعامل مع عبده كأحد الموجودات او المقتنيات..يعمل به مايشاء ..

المَدين الذي يوضع في السجن لانه لايستطيع سداد الدين، والفقير الذي لايستطيع إطعام اطفاله الّا من خلال ممارسة عمل يشبه الاستعباد، والنساء اللواتي يقعن ضحايا في شبكات وعصابات الدعارة (يسمى الرقيق الابيض)، اولئك النسوة لايستطعن الفكاك والخلاص من تلك العصابات لأن العقوبة هي القتل . انهم يستحوذون حتى على مردوداتهن من ممارسة الدعارة. كل اولئك في حكم العبيد ..

في بعض الدول الاسيوية، يذهب أفراد العصابات الى الريف الفقير لاقناع الأسر بارسال بناتهم مع العصابات لكي يتم تدريبهن على مهنة المساج والتدليك في العاصمة للحصول على راتب عالٍ وتعلّم مهارة وبالتالي مهنة.

لكن بمجرد ان تصل الفتاة معهم الى المدينة (والتي يجب ان تكون جميلة وشابة صغيرة) حتى تتحول الى عبدة لديهم !!

يتم تدريبهن على المساج ولكن عملهن يكون : المساج+ الدعارة !!

والويل كل الويل لمن تحاول ان تتمرد.اليست هذه عبودية ؟

الايتام واطفال الشوارع (قدّرت دراسة في اواسط التسعينيات،ان عددهم في شوارع بغداد قد بلغ ستين ألف طفل يعيشون في الشارع دون أهل)، هؤلاء الذين تخلّى عنهم ألأهل نتيجة الفقر وتمزق العائلة وفقدان الآباء في الحروب المقدسة. او انهم هربوا نتيجة اوضاعهم البائسة في عوائلهم او تم اختطافهم .

اصبحوا عبيداً لدى عصابات متخصصة استغلتهم ابشع استغلال وجندوهم للقيام حتى بعمليات التسليب والقتل، أضافة للاستغلال الجنسي وبيع الاعضاء.

(ونستغرب الآن من كثرة القَتَلة وتجار المخدرات ورجال العصابات والقتلة المأجورين).

بربكم، اليست الطفلة التي يتم تزويجها لرجل عجوز لقاء المال، لأن اسرتها فقيرة وكثيرة العيال، اليست في حُكم العبد ؟ الا تحتاج الى العتق من هذه العبودية الظالمة؟

الا تسمعون عن استغلال الشركات الاجنبية للعمال في بعض الدول الافريقية وقطع ايدي اطفالهم وارجلهم عندما لايجمعون الكمية المطلوبة من المادة؟

الفقر عبودية قاتلة ويُفضي الى كل أشكال الاستعباد كعناوين فرعية متفرعة عن الفقر ...

لماذا لايجري التوسع في تعريف المفهوم؟ هل ان التدخل لتخليص النماذج التي ذكرتها كأمثلة على الاستعباد، لايُعتبر مجزياً دينياً؟.

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم